المحتوى الرئيسى

ماجد بغلف يكتب: حَدّك الزمن ياصديقي! | ساسة بوست

07/30 11:19

منذ 20 دقيقة، 30 يوليو,2016

صديقي الذي اعتاد دوما إدارة ظهره للسياسة ومايدور خلف كواليسها، الذي تعمد أن يخلي باله عما قد يكدر باله من مناظر دموية وأخبار الظلم والقمع والفساد والتخريب، صديقي الذي يمسك بجهاز التحكم ويقلب بين قنوات الرياضة والأغاني وأحيانًا يضع قناة بها وجه حسن ويخفض الصوت ويلتفت إلي ويحدثني عن آخر قصة يومية حدثت له تجنبًا للحديث في السياسة.

تعود صديقي هذا عند الأحداث السياسية ذات الصدى العالي كالثورات أو الانتخابات أو الانقلابات أو الحروب أن يأخذ كل ما يهمه من أخبار من شخص ما يعرفه ذي اطلاع واهتمام بالسياسة والشأن العام يطمئن إلى رأيه ويكتفي بهذا القدر من المعرفة ثم يعود إلى ما كان عليه.

أصبح صديقي اليوم يبحث حثيثًا عن تفسير لما يدور في هذا الجزء من الكرة الأرضية. فقد اختلطت عليه الأمور وأصبح ما ينفك من سماع أخبار القتل والتفجير والتفخيخ والتنكيل والحرق بل اقتربت تلك الفوضى من أطهر بقاع الأرض وأكثرها أمنًا وأمانًا.

ولا أدري إن كان صديقي ذلك سيستطيع أن يفهم أو يقترب من فهم ما يحدث باعتماده فقط على ما يسمعه من أخبار من القنوات المرئية التي في الغالب توجّه المستمع إلى هدف ما ولا تترك له مساحة كافية ليفكر أويستوعب الرأي النقيض لما يسمعه، هل هذا الكلام يوافق المنطق وسير الأحداث أم ذلك استمرار للغث والسمين الذي يسمعه دومًا ممن تستضيفهم هذه القنوات والمليء بالآراء المتحيزة والتعبيرات الإنشائية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟

إن تسارع وتيرة الأحداث وتطور نوعيتها عما كنت تسمعه في السابق يا صديقي، ليس محض الصدفة وإنك إن أردت أن تفهم فيلمًا ما لن تستطيع أن تفهم أحداثه وتفاصيله من آخر ربع ساعة تشاهدها في هذا الفيلم!

لاينكر عاقل أن ما يدور في الساحة السياسة هو مؤثر في الحياة التي نعيشها شئنا أم أبينا، وإن حدث وأننا لا نشعر بذلك التداخل حاليًا فصيرورة الأيام ستدعونا لنشعر به وقد نعيشه في جزء ما، إذا بدأت تضيق الدوائر كما هو واقع الحال اليوم!

إن تفسير ما يحدث فيما نعيشه اليوم يا صديقي يلزمه جهد كبير للوصول إلى تفسير أقرب للمنطق  والواقعية، وقد لا نصيبه وكما هو معلوم بأن قراءة التاريخ ومعرفة التجارب السابقة جزء مهم في ربط الأحداث ببعضها التي تساعد على تركيب الصورة بشكل يعزز فهمًا أقرب لها.

أنصحك ياصديقي أن تستبدل الوقت الذي تقضيه في الاستماع إلى هراء بعض المحللين وأباطيل البعض الآخر بعودة بسيطة إلى كتب التاريخ، أو إن أردت إلى بعض البرامج الوثائقية المتاحة على الشبكة العنكبوتية ومذكرات بعض الرؤساء أو مرافقيهم  وفهم ما حدث في عالمنا العربي والإسلامي منذُ الاستعمار الغربي لبعض دول المنطقة وانهيار الدولة العثمانية بعد ذلك، مرورًا بتقسيم هذه المنطقة كيفما أراد البريطانيون والفرنسيون. وزرع الكيان الصهيوني في قلب هذا العالم العربي واغتصاب أرض فلسطين من أهلها بالإرهاب والمجازر الشنيعة، وجعل مصالح هذا الكيان الصهيوني لاحقًا المحرك الرئيسي لسياسات القوى العظمى تجاه دول الشرق الأوسط.

بعد ذلك تمعن فيما حدث من تضحيات البواسل من أفراد الشعوب وثورتها على الاستعمار،  والذي انتهى بتسليم الأنظمة العربية إلى مؤسسات عسكرية أغرت الشعوب بشعارات برّاقة تدعو إلى الحرية والمدنية ومناصرة الضعفاء، وما لبثت أن مارست شتى أنواع الإقصاء والقمع والاستبداد والظلم لمواطني هذه البلدان، بذريعة درء الفتنة وتثبيت الأنظمة والبعد عن كل مايؤجج الشارع ويعمل على زعزعة الأمن وتنشر الفوضى والعنف.

كانت تلك هي مرحلة ولادة الأيدولوجية الشاذة، التي يبرأ منها كل إنسان سوي ناهيك عن دين السلام. نصت تلك الأيدولوجية على تكفير الأنظمة الحاكمة ومن تبعها من شعوب راضية بذلك (الحاكمية والجاهلية) ونظّر  لها وللأسف يبدو أن تلك الفترة لم تشهد تكسيرًا كما يجب لهذه المفاهيم، وكانت المماحكات السياسية والعناد بين الأطراف يطغى على الساحة ولم يكن يتوقع أحد أن يتسبب ذلك لاحقًا في خروج جماعات مبعثرة (القاعدة وداعش) نشأت وانتشرت في بلدان للتو خرجت من حروب ودمار ( أفغانستان والعراق).

استمر بعد ذلك قمع تلك المؤسسات العسكرية، التي حكمت تجاه أغلب التيارات السياسية الدينية منها واليسارية، واستفردت بالعرش وورّثته لنفس المؤسسة التي استمرت على نفس النهج أو بالغت فيه أحيانًا.

وانتهى بنا الحال لأن نقع تحت رغبات الأمبريالية الأمريكية التي غزت أفغانستان والعراق بذرائع واهية وكاذبة، بل زادت من حدة تلك الفوضى وأضرمت النار في الهشيم  ولم تنجح في تحقيق وعودها في تلك الحروب، التي ما زالت تسكب الدماء حتى اللحظة.

وبعد تسليم العراق إلى الدولة الطائفية، وبدء عمليات الذبح على الهوية وعمليات التفخيخ والتفجير للعراقيين الرافضين لحكم إيران، إلى أن استفردت إيران على مفاصل العراق، وكنتيجة طبيعية للصراع البشري وغياب العدالة، وصل الحال بجماعات العنف والتكفير  إلى تبني سلوك مماثل رغبة في الانتقام، وبالتالي بدأت عمليات استهداف الأبرياء وترويع الآمنين والرغبة في زعزعة الأمن ونشر الفوضى داخل العراق أولًا  ومن ثم تجاوزت حدودها وخرجت إلى كل بقعة تستطيع الوصول إليها،  بل زادت سفاهتها وفجورها وروعت الآمنين في الحرم المدني في الأيام الفضيلة من الشهر الفضيل.

أن هذا يا صديقي مرور سريع وعابر لأحداث مفصلية، أدت تراكماتها إلى ما وصلنا إليه الآن، فأرجوك ألا تسلم عقلك تمامًا إلى نشرات الأخبار  ومحلليها لفهم أحداث الفيلم الطويل بل  اصرف من وقتك قليلًا وراجع تسلسل الأحداث واربطها ببعض وتجرد من التصنيف  والشعارات وأبحث عن الحقيقة المحضة وحلل بوازع انساني فقط.

ولن أقبل منك يا صديقي أن تستكثر عملية البحث تلك وترمي كل ما ذكر وراء ظهرك أو تعجز عن فهم ما يحدث وتقول لي إن كل ما يحدث اليوم هو مؤامرة مدبرة! أو زودني بدلائلك وبراهينك لعلي أغيّر قناعاتي!

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل