المحتوى الرئيسى

جدتي اللطيفة لطيفة

07/30 09:34

لم يسعدني حظي أن أرى جدتي اللطيفة لطيفة طوال ثلاثين عامًا (هي كل عمري) سوى ثلاثة أشهر بالتحديد، كانت هي كل ما تركته لي من ذكريات جميلة وقصص وحكايات خبئتها لي كلها منذ ولادتي، فأنا حفيدتها الوحيدة التي لم ترها قط إلى أن بلغت السادسة والعشرين. وعندما حان اللقاء وجدتها بوجهها البشوش الجميل تنتطرني وهي ذات السادسة والثمانين، ببسمة تطير من القلب للقلب مرددة "أهلين وسهلين"، فجدتي لأبي لبنانية.. جميلة هي هذه المرأة. 

إذا انهالت الكلمات على قلمي لن تفي بغرض وصف هذه الإنسانة الجميلة العظيمة، التي خط القدر في وجهها الجميل العديد والعديد من الذكريات المفرحة والمحزنة على حد سواء. في بداية تعارفنا وجدتها تتحدث بلهجة لبنانية يصعب فهمها، وسرعان ما أصبح أبي يترجم لي بعضًا من الكلمات غير المفهومة، إلى أن اعتدت حديثها وصرت أعشقه. ففي الصباح تهرع إلينا مرردة "قوموا يلا"، وإذا تأخر أبي -رحمة الله عليه- وهو في الستين من عمره تردد "غاب الصبي"، ونتعجب قائلين "يا تيتة كل ده وصبي!"، ولكنني يا جدتي العزيزة لم أفهم حقيقة مشاعرك إلا بعد أن أنجبت وعرفت أنه مهما تقدم العمر بالأم ومهما رأت أولادها يكبرون أمامها ستراهم صغارًا. علمت هذا الشعور وفهمته جيدًا.

كان أبي دائمًا يحدثنا عن حب جدتي لجدي، فقد فازت به بعد صراعات مع بنات الضيعة، وهو ذلك الشاب الوسيم الذي وقعت في حبه الكثيرات، لم أدرك حقيقة حبها له إلا عندما أهديناها صورة كبيرة له كان قد أخدها قبيل وفاته، ولم يكن لديها نسخة منها. لا أنسى أبدًا أنها أخدتها لتضعها تحت مخدتها الصغيرة، مع العلم أن جدي قد توفي منذ أكثر من أربعين عامًا، ولكنه الحب. عندما تدخل غرفتها تجد صورة كبيرة لجدي بالملابس التقليدية اللبنانة، وهو شاب في الثلاثين، تعرفك عليه بمجرد دخولك للغرفة.

رغم كبر سنها وضعفها لكنها كانت ترسل النكات والضحكات الجميلة لكل من يتحدث معها، لتسعد بحبهم وضحكاتهم معها، مرددة دائمًا "اتذكروني". يا تيتة يا لجمال قلبك ورقته يا جدتي العزيزة! أنتِ فقط تريدينا أن نذكرك بالخير والبسمة، ونحن لا نعرف عنك إلا البسمة والحب والخير.

أتذكر أنني سألتها في يوم من الأيام أن تحكي لنا عن موقف أغضبها فيه والدي، ولكنها ردت بكل فخر وثقة "أبدًا أبوكم عمره ما زعلني" رددتها بلهجة مصرية جميلة يشوبها الطابع اللبناني، ونحن نعلم بالطبع أنها تقول ذلك كي لا نغضب أبانا، كم أنت جميلة يا جدتي!

أذكر لها الكثير والكثير من المواقف الجميلة التي لا يسع المجال هنا لذكرها، ولكن يتبقى موقف أخير كانت زيارتي لها قبيل زواجي مباشرة، وكانت دائمًا ما تردد على مسامعي أنا وأخي حكاية غاية في البساطة ولكنها تحمل في طياتها الكثير، كانت تقول "كان فيه واحد بدو يتزوج، راح لواحدة وسألها يا بنت الحلال أنا وإنتي على الدهر ولا إنتي والدهر عليّ؟ ردت أنا والدهر عليك. تركها! راح لواحدة تانية سألها يا بنت الحلال أنا وإنتي على الدهر ولا إنتي والدهر عليّ؟ ردت أنا وأنت على الدهر. تزوجها"، ثلاث جمل فقط تلخص طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة، وضرورة مساندة الزوجة لزوجها، وقل ما شئت من معانٍ.

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل