المحتوى الرئيسى

عبد القادر سليماني يكتب: مأزق السينما المصرية | ساسة بوست

07/29 20:05

منذ 21 دقيقة، 29 يوليو,2016

بغض النظر عن التعريفات الأكاديمية الصارمة، والمصطلحات الخنفشارية المتضخمة عن السينما ودورها في المجتمع، وزاوية مقاربتها للمواضيع وحركة الكاميرا إزاء رصد حركية المجتمعات، فإن الأساس في نظري هو: ما مدى أمانة السينما مع نفسها أولًا؟ ثم مع متتبعيها والمهتمين بها ثانيًا؟

وعندما نقول السينما فإننا هنا نعني كائنًا حيًا يتحرك ويعايش الواقع، ثم إننا نتحدث عن صٌنّاع السينما من كُتّاب السيناريوهات إلى المخرجين إلى الممثلين؛ لأن الفيلم السينمائي -على حد وصفهم- قالب يحمل رسالة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية مرئية، ولا أظن أن هناك بشرًا يصدّق أن مخرجًا ما يخرج فيلمًا، وهو غير مقتنع بالرسالة التي يتضمنها، إلا إذا كان الانفصال عن الواقع علمًا قائمًا بذاته أو أن الشيزوفرينيا، قد أصبحت موضة لها روادها.

القصد من هذه المقدمة الطويلة والعريضة هو محاولة معرفة مدى نجاح السينما العربية في امتحان النزاهة، ومدى تماهيها مع جمهورها، الذي هو في غالبه من الطبقات المتوسطة أو الهشة التي تحاول تجاوز واقعها المرير اقتصاديًا واجتماعيًا من خلال السينما، منبهرة بشخصية البطل الذي قذفته العشوائيات والأطر الاجتماعية المعدمة، في وجه الآخر الغني الذي يعيش في الضفة الأخرى من المجتمع، فاستل سيف الفقراء ليحارب الظروف القاهرة التي صنعت بؤسه وبؤس طبقته الاجتماعية.

والسينما المصرية بتاريخها العريق قدمت نماذج مشرفة كثيرة لمن كانت أفلامهم مرآة عاكسة لأفكارهم، فتماهت الصورة مع الأيديولوجية، وحدث التوافق الفكري الذي مهما اختلفت معه جزئيًا أو كليًا، لا تملك إلا التصفيق له إعجابًا واحترامًا، وهنا تبرز أسماء عديدة منها «صلاح أبو سيف» رائد الواقعية السينمائية، التي أنتجت روائع: «الفتوة» و«القاهرة 30» و«المواطن مصري»، والكثير الكثير، و«يوسف شاهين» الذي عاش معارضًا للنظام السياسي المصري بفكره وأفلامه، فكانت أفلام: «صراع في الوادي» و«المهاجر» و«المصير» و«هي فوضى»، مجسدة بذلك التماهي الفكري والوئام الأيديولوجي.

إذن المقياس هنا هو: هل دفعت ثمن أفلامك سياسيًا وإعلاميًا أم لا؟

والسؤال المفصلي الآخر هو: هل وُضعت كمفكر مستنير أمام امتحان النزاهة؟

لأن الترف الفكري المجاني لا يمكن أن يصنع وعي المجتمعات، ولا النخبة بمفهومها العملي التطبيقي، هذا الكلام ببساطة محوري إلى حد كبير؛ لأن الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية مؤخرًا خصوصًا في مصر بعد الثورة، وما أعقبها من أحداث وانتهاءً بالانقلاب العسكري على أول رئيس مدني يحكم مصر من عهد الفراعنة، كل ذلك جعل النخب العربية والمصرية خصوصًا، أمام امتحان عسير شبيه بامتحان نكسة 67 وما أعقبه من تداعيات فكرية وثقافية، والنخبة السينمائية بالذات كانت أكثر المعنيين بهذا الأمر، ألم تكن أفلام «يوسف شاهين» وتلميذه الوفي «خالد يوسف» نموذجًا يحتذى في التبشير بالثورة التي ستأتي على الأخضر واليابس، وتزلزل المنظومة السياسية والاقتصادية المتعفنة في عهد مبارك.

وأفلام العشوائيات «العشوائيات هنا يقصد بها الأحياء الفقيرة على أطراف القاهرة، والتي تبين لاحقـًا أن الأفلام التي عالجتها كانت اسمًا على مسمى بالمعنى الحرفي للكلمة« ألم تكن هذه الأفلام صانعةً لظاهرة التمرد في المجتمع المصري.

كل هذا صحيح وأكاد أجزم بذلك إلى أقصى الحدود، لكن الأهم من كل هذا ليس جرأة الطرح، ولا التقنيات المبهرة في التصوير والأداء بل مدى إيمان صناع هذه الأفلام بأفلامهم؟

الجواب هو أن هذه الأفلام لم تكن في حقيقة الأمر إلا ترفًا فنيًا، لم يكن الغرض منه المساهمة في صناعة التغيير، بقدر ما كان جزءًا من إستراتيجية التنفيس عن المجتمع، وإفساح بعض المجال للمكبوتات بالقدر الذي لا يمكنها فيه أن تتجاوز الخطوط الحمراء.

ولا أدلّ على ذلك من أن كثيرًا من الفنانين ورغم مساهماتهم في الثورة على نظام مبارك، إلا أنّ مسار الثورة فيما بعد لم يكن مناسبًا لعنجهيتهم الفكرية، وبالتالي فثورة تأتي بالإسلاميين إلى الحكم، لا يمكن لها أن تمثل هويتهم، وعليه فالأولى الاصطفاف مع أعدائها وإن كانوا أعداء بالأمس.

ونموذج «خالد يوسف» نموذج فاضح واضح، بل يطرح كثيرًا من التساؤلات عما يمكن تسميته بالشيزوفرنية الليبرالية، التي تجعل الليبراليين العرب يؤمنون بالديمقراطية التي بمقاس أرجلهم، أما الشعب الذي تزاحم على صناديق الانتخابات فهو لا يفهم قواعد الأداء السياسي وطرق التعبير ببساطة لأنه أمي.

كيف لهذا الشعب الذي كان يصطف أمام شبابيك دور السينما، لمشاهدة أفلام «خالد يوسف» المنظّر الديمقراطي الكبير، أن يخرج خارج إطار السيناريو المرسوم والحبكة التي اجتهد «يوسف» في تشبيك خيوطها.

هذا الأمر قد يكون مفاجئًا لكثير ممن كان منبهرًا بـ«خالد يوسف» وجرأة أفلامه، ولكنّ حقيقة الأمر أنّ خالد يوسف لم يكن مبهرًا، إلا بالقدر الذي يفهمه المصابون بعمى الألوان، وأنّ أفلامه العشوائية لم تعن أبدًا مشروعًا فكريًا، بقدر ما كانت مشروعًا لأمن الدولة.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل