المحتوى الرئيسى

آية طنطاوي تكتب: تقول الأسطورة «المُخرج عايز كِده» | ساسة بوست

07/29 13:42

منذ 32 دقيقة، 29 يوليو,2016

الكثير من اللوم يُلقى على سياسة الممثل المصري محمد رمضان، التي يتبعها في كل عمل فني يقدمه؛ لأنه يتعمّد الانتصار لفكرة البلطجة، فينقل صورة يراها الكثيرون مشوهة للمجتمع المصري، وتتعمد أن تقدم شخصية البلطجي أو الشبيّح الذي يأخذ حقه بذراعه ويمارس أعمالًا مشبوهة سواء في البلطجة أو تجارة السلاح أو غيرها من أعمال، ناهيكم عن لغته وألفاظه التي يستاء ويخجل منها الأهالي لخطورتها على الأطفال والشباب، والتي سرعان ما تلتقطها ألسنتهم ويتلفظون بها، فتكون المواجهة بين المجتمع وبين ما تنتجه أعمال محمد رمضان من نماذج مشوهة، لكن كثيرا من الناس تجهل -أو بالأحرى تتجاهل- حقيقة أن الواقع يحمل نماذج أسوأ بكثير.

تصدّر مسلسل «الأسطورة» قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة في شهر رمضان 2016، وهذا النجاح سهل ملاحظته بين الناس، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.

كما أن العمل أثمر عن سلسلة نجاحات جديدة من نوعها نادرًا ما نسمع عنها في مصر، حيث قامت بعض محلات الملابس بصناعة ملابس للشباب مطبوع عليها صورة «ناصر الدسوقي» بطل المسلسل والذي أصبح «أسطورة» حقيقة ورمزا يتحاكى عنه ويتفاخر به الناس.

يلعب محمد رمضان هذه المرة شخصيتين «الأخوين رفاعي وناصر الدسوقي» اللذين يعيشان في منطقة شعبية وهما مختلفان تمامًا عن بعضهما، فالأول يعمل -تحت إشراف قيادات عليا لتنظيم البلطجية- في تصنيع السلاح ويعتبر زعيم الحارة –أو فتوة الحارة بالتعبير التقليدي- والثاني شاب مجتهد في كلية الحقوق، عنده مبادئ ولا يوافق على أعمال أخيه، ويتغنى من وقت لآخر بأشعار واقتباسات لكُتاب ومثقفين، لكن حال الأخير يتبدّل عندما يُقتل أخوه (رفاعي) ويترك له أعماله المشبوهه وثأر تؤكد عليه أمه –الفنانة فردوس عبدالحميد التي عادت في هذا العمل بقوة- دائما أنه يجب أن يأخذه بنفسه.

محمد رمضان في هذا العمل –تأليف محمد أحمد عبدالمعطي- يلعب على فكرة كثيرًا ما تناولتها الأعمال الفنية، وهي فكرة التحول الذي يحدث للبطل المستقيم والخيِّر؛ لأن الظروف عاندته وقست عليه وستضطره في النهاية أن يخلع عباءته ليثأر من الجميع بطريقته الخاصة، فقدمها من قبل (فريد شوقي) في «جعلوني مجرمًا» وأنور وجدي في «أمير الانتقام» ونور الشريف في «دائرة الانتقام» وكريم عبد العزيز في «واحد من الناس»، طبعًا مع اختلاف القصة وطريقة التناول في كل عمل منهم، لكن في الأسطورة كل الأحداث تسير بشيء من الإرغام، فأذكر أن كل الحلقات التي تلت حبس ناصر الدسوقي –ظلمًا- تعمدت أن تنقل لنا أحداثا ظالمة وقاسية تعرض لها أهله أثناء حبسه وتعرض لها ناصر شخصيًا في السجن، وكأن هذه الجرعة المكثفة مقصودة وممهدة لنتعاطف تمامًا معه ولتطمئن قلوبنا بعد أن يثأر لأخيه ولأسرته، ويصفع المجتمع غير العادلة صفعة قوية بغل وحقد شديد، وهنا يحضرني مشهد للممثل الأمريكي «براين كرانستون» في مسلسله الشهير «بريكنج باد» عندما اعترف بمنتهى الصدق أنه امتهن صناعة المخدرات ليس لظروفه المادية القاسية، ولكن لأنه أحب هذا العمل وشعر فيه بقيمة نفسه، ولم يستخدم كرانستون طريقة مباشرة ومفتعلة طول العمل ليُجبرنا على التعاطف معه، بل أخذنا معه بالتدريج في تحوله إلى هذا الشخص القاسِي الفج.

في حوار تليفزيوني سابق مع «محمد سامي» مخرج الأسطورة سألته المحاورة عن الديكور والإضاءة التي يستخدمها دائمًا في جميع أعماله الفنية، والتي لا تخلو من المبالغة والبهرجة ولا تعكس الواقع، خصوصًا أعماله التي تدور أحداثها في أحياء شعبية بسيطة، فأجابها بأن أهم شيء في العمل الذي يقدمه هو «الدراما»، ويأتي بعدها في المقام الثاني التركيز والتدقيق على الديكور والإضاءة وطريقة التصوير، ووضّح أن هدفه ليس شريحة معينة من الجمهور، ولكن هدفه هو «الإنسان» الذي يخاطبه العمل بعيدًا عن تصنيفه، قد تبدو هذه الإجابة دبلوماسية يدافع بها سامي عن نقد يوجه له وهو في الحقيقة نقد منطقي وصحيح تمامًا، لكن جاء رده صادمًا وغير ذكي ولا يعبر عن مخرج حقيقي يعرف جيدًا أن عوامل الصورة المقدمة لا تقل أهميتها عن الحدث الدرامي للعمل الذي يقدمه، وأن الجمهور الذي يخاطبه بهذا الرد ليس بهذه السذاجة ليقنع بوجهة نظره تلك، كما أن هذا الرد يتنافى تمامًا مع ما أكد عليه من قبل في أنه يهتم بنقل الواقع للجمهور، فلم ينتبه محمد سامي أنه لا ينقل واقعا على الإطلاق، فالبيوت البسيطة في الحارة التي تدور فيها أحداث الأسطورة لا تخلو من البهرجة في الألوان والديكور والإضاءة الصارخة، ولا تُشبه أبدًا البيوت الشعبية البسيطة والمتواضعة التي لا تخلو جدرانها من الشقوق، وهذا أيضًا يتنافى مع ما صرّح به سامي في نفس الوقت أنه يُركز على القصة والدراما ولم يتعمد «الفزلكة» هذه المرة على حد تعبيره.

جمع الأسطورة بين نظرة محمد سامي ومحمد رمضان في تقديم العمل الفني التجاري الذي يجذب الجمهور ويبهره، وبالفعل نجحا سويًا في خلق هذه الحالة التي نجحت ودوى صداها بدرجة كبيرة بين طبقات الجمهور المختلفة، وبالتحديد الجمهور في المناطق الشعبية، فكما شاهدنا في منتصف شهر رمضان فيديو على يوتيوب يحمل عنوان «سيدة بحلوان تتقمص دور «الأسطورة» وتزف جارها بقميص نوم أحمر» وهذا يتماهى تمامًا مع مشهد حدث في المسلسل شهّر فيه ناصر بجاره مرسي وضربه أمام الحارة وألبسه قميص نوم أحمر تأديبًا له على نشره لفيديو فاضح لزوجته، وهنا لن أعوّل على الأسطورة في أنه ابتدع شجارا كهذا سينتهجه الشارع من بعده، لأن مثل هذه الشجارات تحدث بالفعل في شجارات الأحياء الشعبية ولكن انتشار الفيديو بهذا العنوان سيعتبره صناع الأسطورة نجاحًا يُحسب للعمل.

يهتم الممثل محمد رمضان بـ«الماكياج الداخلي» للشخصية التي يقدمها فيُركز على خلق تفاصيل دقيقة تميز الشخصية التي يلعبها فيبتكر لها طريقة مشي، واعتماد لزمة معينة في الكلام، طريقة شُرب «السيجار»، وأيضًا لزمة الدموع والتي كانت دائمًا ما تنهمر من عيني «ناصر» وتكررت بشكل ثابت تقريبًا في أغلب مشاهده والتي أضحت مع الوقت غير محتملة وغير مُقنعة ولا تعكس أي تعاطف مع الشخصية، بل بالعكس أفقدتها مصداقية كان من الممكن أن تنقلها الشخصية ببساطة وبدون تعقيد. كل هذا المكياج يتعامل معه رمضان بإفراط، تمامًا كالممثلات اللواتي اعتدن الظهور بمكياج كامل ومجوهرات برّاقة في أعمالهن الفنية حتى وهن مستيقظات من النوم، وهذا الإفراط صاحبه موسيقى تصويرية حزينة لا تخلو منها المشاهد المؤثرة، وتركيز كاميرا جلال الزكي على التقاط مشاهد close للتركيز على دموع ناصر التي لا تتوقف.

كل هذه المبالغات تُفسد أي عمل فني، لكنها على الجانب الآخر ستكسب تعاطف المشاهد الذي يُدفع بقوه للتأثير على عاطفته والاندماج في السياق الدرامي ليتعاطف مع أمور لا تُشبهه، فيتجاهل مثلا العنف الجسدي الذي يُمارسه رفاعي مع زوجته، ويتجاهل أيضًا سياسة التهميش والتبعية التي يمارسها ناصر مع نسائه واللاتي ظهرن بصورة ضعيفة ليكون هو الأقوى بينهن ويتجاهل في أوقات كثيرة أن ناصر أصبح أكثر عنفًا من أخيه ومع ذلك يتعاطف معه.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل