المحتوى الرئيسى

كانت كذلك فعلاً!

07/29 00:56

العودة إلى نبش الذاكرة ظهيرةَ أحد أيام الجُمع الحارّة سنة 2011، لن يحتمله أحد! فالصفيحُ الساخنُ على قميص الزفت في كورنيش الميدان، لم يكن ليمنع المتظاهرين الخارجين للتوّ من الصلاة في جامع الحسن، من رفع الأحذية في وجوهنا، نحن الواقفين على نوافذ جريدة تشرين، ومن ثم الصراخ بكل قوة: «كاذب كاذب كاذب.. الإعلام السوري كاذب»! إنه الهُتاف الذي يدفعكَ لأن تفعل شيئاً ولو من باب الواجب الإعلامي باعتبار أنك تعتقد نفسك «دونكيشوت» يحارب بقلم «البيك» طواحين الهواء.

حتى ذلك الوقت، لم تكن قد أُطلقت رصاصة حية واحدة، ولم يسقط شهيد، لكن هذا، لم يمنع أمين التحرير في الصحيفة من اتهامي بالجنون عندما طلبت تكليفي بمهمة رسمية للنزول إلى الشارع برفقة مصور من الجريدة، وذلك بهدف إجراء تحقيق صحافي أو مقابلات مع الشباب المتظاهرين لنرى ماذا يريدون بالضبط؟ قال أمين التحرير بغضب: لا شك بأنك قد جُننت. بعد ثلاثة أعوام من ذلك الوقت، تمَّ قنصُ أمين التحرير بعدة طلقات قرب خط التماس في مخيم التضامن عندما كان على وشك الدخول إلى منزله الذي سبق أن هجّرته منه جبهة النصرة.

يقول لي أحد السجناء السياسيين السابقين من حزب العمل الشيوعي: هل تريدون ثورة بالملعقة والشوكة؟ أقول: لا، لكنكَ تمشي مع الاتجاه الديني وأنت مغمض العينين. السجينُ ذاك، أصبح لاجئاً بعد قليلٍ من الوقت في إحدى الدول الأوروبية، وكنت أتمنى لو خصّص هذه المرحلة بجهد أكبر أو باعتقال قصير عوضاً عن رثاء البلد عبر الفيس بووك.

الإجابة عن سؤال الثورات بطريقة سرد عيّنات من الأحداث التي جرت على الأرض، يبدو منطقياً، فالبشرُ نفرت من التنظير وتبادل الاتهامات وتوزيع صكوك الغفران في وقتٍ لا يبدو فيه أحدٌ بريئاً بالكامل، فمصلحة البلد نسبيةٌ هنا، وما يصحُّ في هذا المكان، يبدو جريمة هناك، لكن الظاهرة الأكثر خطورةً في المشهد هي رفض الآخر وسلخ جلده أو إلباسه ثوباً يبرر إطلاق النار عليه في نهاية المعركة.. في هذا الجو، سيعمل على تشجيع الحرب وتسميتها بالعنف الثوري، كل من يعمل بتجارة السلاح، كما سيتغنى بالوطن وسحر ياسمين الشام، كل من يجلس اليوم في هامبورغ كي يصدر النستالوجيا لأهلٍ يحتاجون أكثر من التضامن العاطفي وبيع المشاعر بالمجان في صفحات التواصل الاجتماعي.

لن يكون غريباً أن يلفق البعض حكايات عن اعتقالهم وخروجهم إلى التظاهرات بعد هروبهم إلى أوروبا، مع أن المنطق يقول إن البقاء مع الأهل في البلد هو أضعف الإيمان وهو أفضل بكثير من «المزاودة» التي قامت الثورة ضدها في الأساس.

ليس من المنطقي سلخ جلد الثورة وتسميتها بالمؤامرة، وليس من المنطقي أن نبصم على بياضٍ كمصدقين لكل ما جرى ويجري، فالثورةُ أصيبت بالزكام منذ شهورها الأولى واستفحل «الكريب» ثم تحوّلَ إلى سرطانٍ، يتمنى السوريون ألا تتطلبَ معالجتُه بتر الأعضاء الذي يعني التقسيمَ للأسف.. تُرى لماذا لم يعد الفارق كبيراً بين أعضاء حزب العمل الشيوعي وأتباع الإخوان المسلمين؟ أليس انحسار العقل الموضوعي واضطرار الأفراد إلى الدفاع عن أخطائهم حتى لو كانت من درجة بيع الأقلام والمواقف إلى منابر تدفع بالدولار، وإلى شخصيات تم تسميتها كمفكرين كبار من أجل أن تلعب الدور المناط بها في هذه المرحلة؟

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل