المحتوى الرئيسى

مصر بحاجة إلى "برنامج" عملي للإنقاذ الوطني

07/28 16:04

اقرأ أيضا: ما الذي يقلق المؤسسة العسكرية ؟! كيف ساهمت النخبة المتغربة في صناعة الإرهاب ؟! ملاحظات عائد من مهرجان أصيلة الثقافي فشل انقلاب تركيا وتأثيره على دول الربيع العربي لماذا تبدو أوربا حزينة لفشل الانقلاب في تركيا ؟!

قد لا نختلف كثيرا في توصيف الواقع السياسي لوطننا الآن ، حتى وإن اختلفنا في تحديد الأسباب التي أدت به إلى ما أصبح عليه ، وتحديد المسئولين عن هذا كله ، وبطبيعة الحال كل طرف يلقي بالمسئولية على الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى ، ولكن الأهم في تقديري ، وهو ما كتبت من أجله مقالة أمس "ما الذي يقلق المؤسسة العسكرية" هو البحث عن مخرج ، وعدم ترك الوطن يتدحرج من هوة إلى مصيبة ومن حفرة إلى أخرى والاكتفاء بالفرجة والتشفي ، وأن يكون هذا المخرج عمليا وليس دعائيا أو جعجعات تتفشى في سوق المزايدات السياسية التي تورث الإحباط أكثر مما تعين على العمل ، مصر بحاجة إلى "برنامج" سياسي عملي وعاقل وحكيم يمكن البناء عليه وفق مراحل زمنية محددة .

كثيرون كتبوا لي معلقين بأن سبب المشكلات كلها منذ انقلاب 1952 هو سيطرة الجيش على السياسة وشئون الوطن ، وأنه من يومها وهذا الخلل قائم ويتحمل مسئولية اضطراب مسار مصر وتأخرها بين العالمين في حين سبقتها دول أخرى بمراحل ، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ، كانت مصر بالنسبة لها في ذلك الوقت مثلا وأملا وقدوة ، وهذا ـ تاريخيا ـ صحيح قطعا لأن الخلل وقع عندما نجح مجموعة صغيرة من الضباط الشباب الصغار ، في سن الثلاثين أو ما حولها في الاستيلاء على قيادة الجيش وعزل قياداته الكبيرة ثم الاستيلاء على الدولة بكاملها ومنح أنفسهم رتبا كبيرة ونفوذا سياسيا أكبر ، ووجد هؤلاء الشبان الصغار دولة بحجم مصر وأحزابها ومؤسساتها ومقدراتها وملكها طوع كلمة تخرج من فم أحدهم ، وعندما حاول قائدهم الرمزي "محمد نجيب" إقناعهم بالعودة إلى ثكناتهم وعودة الديمقراطية اعتقلوه وأهانوه ودمروا حياته هو وأسرته في سجن وإقامة جبرية ، لكن هؤلاء الضباط الشبان لم يكونوا قادرين على اختطاف الدولة بتلك السهولة من دون ظهير شعبي قوي ، وهذا ما حققه لهم الإخوان المسلمون بقدراتهم على الحشد ، وظنا منهم بأن تصفية بقية القوى والأحزاب سيجعل "الثمرة" تسقط في حجرهم ، خاصة وأن عبد الناصر في عنقه بيعة للمرشد ، والضباط الصغار ظلوا متحالفين مع الجماعة طوال سنتين يستخدمون زخمها في ترسيخ شرعيتهم وإحكام سيطرتهم على مفاصل الدولة والسلطة وتدمير كل الأحزاب الأخرى وقواعدها ، فلما تم لهم ذلك ذبحوهم ، قبل أن يقوم الضباط المغامرون بتصفية بعضهم بعضها سياسيا أو جسديا بعد ذلك على مراحل .

وطوال مرحلة عبد الناصر والسادات ثم مبارك ، لم تعدم السلطة وجود ظهير "مدني" ، وفره في الستينات تنظيمات اليسار مقابل الحصول على كعكعة صغيرة من السلطة حيث منحهم الضباط بعض المؤسسات الصحفية الحكومية الكبيرة وقطاعات الثقافة وغيرها ، قبل أن يعصف بهم السادات ليبحث عن ظهير شعبي "مدني" بديل وفرته له الجماعات الإسلامية بما فيها الإخوان ، ثم انتقل "الظهير المدني" أيام مبارك لعديد من النخب السياسية والثقافية والأكاديمية قبل أن تطيح به وبهم ثورة الخامس والعشرين من يناير ، وكانت شراكة بين القوى المدنية والشبابية خاصة وبين الجيش بدون اتفاق مسبق ، وقد نجحت القوى المدنية في انتزاع مساحة كبيرة من "تمدين" الدولة والحياة السياسية خلال عامين ، كانا كالحلم أو طيف الخيال في حياة المصريين ، ووصل أول رئيس مدني لرئاسة الجمهورية عبر الانتخاب المباشر ، ثم تمزقت النخبة المدنية ـ بما فيها السلطة الجديدة ـ ومزقت معها قواعدها الشبابية التي فجرت الثورة ، وراهن الجميع ، الجميع بلا استثناء ، على أن تكون "المؤسسة" في صفه ، وكل كان يمني نفسه بذلك ، حتى انتهينا إلى بيان 3 يوليو بخارطة طريق جديدة محت كل ما سبق ، وأعلن بيان الخارطة الجديدة على الناس وقرأه القائد العام للقوات المسلحة ، رغم وجود رموز مدنية في الاجتماع ، وهي رمزية كانت كافية لاستبانة معقد السلطة الجديدة .

قناعتي أن المشروع الذي تولد في 23 يوليو 1952 واستمر حتى الآن ، لم يعد قابلا للاستمرار في مستقبل مصر بتركيبتها الجديدة ، وجيلها الجديد ، ووعيها الجديد ، ونسق كوني وإنساني جديد ، وأنه أصبح عبئا على مصر ومستقبلها ومقدراتها ، وأن مصر تبحث الآن عن طريق جديد تستحقه ، كدولة عظيمة ، وشعب كبير ومتخم بالكفاءات والقدرات في كل المجالات ، غير أن المهم الآن هو أن يبحث الجميع عن برنامج عمل للتغيير ، وأن نتجاوز مرحلة التراشق بالاتهامات والخيانات والمؤامرات ، فطوال الستين عاما الماضية يصح تماما أن يقال للجميع المثل الشعبي الشهير : لا تعايرني ولا أعايرك .. ، والاستغراق في الملاومة وتبادل الاتهامات والبحث عن "الأكثر خطأ" سيطيل بنا المقام في التيه وإهدار الطاقة وزيادة التمزق الوطني ، كما أن الإغراق في الحديث الجميل والطوباوي والشيق عن "عالم المثل" وما ينبغي أن يكون سيكون عبئا على قوى التغيير وطاقات التغيير ومرسخا للإحباط والإحساس بالعجز ، ما لم يكن مصحوبا ببرنامج عملي تدريجي للإصلاح أو التغيير ، البرنامج هو التحدي ، والخطوة الأولى في البرنامج عادة ما تكون هي الخطوة الأصعب ، والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في المنطقة والعالم مهم جدا لاختصار الطريق وعدم تكرار الأخطاء ، وتوفير تضحيات قد لا تكون ضرورية .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل