المحتوى الرئيسى

مقتل ساحر الزجاج | المصري اليوم

07/28 02:25

«لعله يهذى بلغتكم.. بالعربية» ــ بهذه الجملة أغرانى مرافقى البولندى بمشاهدة من يدعونه «مجنون الغيوم» الذى يهيم حول تَلَّة «وستر بلات» المطلة على بحر البلطيق شمالى جدانسك. وهو كما فهت متشرد ستينى مخبول تحوم حوله حكايات غريبة، ما إن حكى لى مرافقى طرفاً منها حتى ارتدَّ بى الزمن خمسين سنة إلى الوراء، وفكرت فى أن الصدفة ربما اختارت لى أن أغلق دائرة الحكاية المثقلة بالحيرة، والتى بدأ قوسها ينمو أمامى عندما كنت لا أتجاوز السادسة، ولم أكن أتصور أن هذا القوس الذى توقف امتداده، منعقداً على نقطة من أسئلة حيرى، سيندفع مرة واحدة ليكمل الدائرة فى هذه النقطة البعيدة عن مصر.

فى عمر السادسة، بل قبلها بقليل، لأننى لم أكن دخلت المدرسة بعد، رأيت لمحتين من أعاجيب شاب أسميته لنفسى فى أعقاب يومٍ خارق التجليات «ساحر الزجاج»، وقد مسنى بسحره الذى ظل يحيرنى عقودا، ففى ذلك اليوم البعيد، كان عالمى الطفولى موزعا بين عدة دوائر، محورها بيتنا ذو الطابقين فى أقصى جنوب المدينة، على حافة الحقول. ولأننا كنا نسكن الطابق الذى يعلو ورشة أبى، فكنت فى البيت كأننى فى الورشة. وفى الورشة كأننى فى البيت. وعندما أشب على قدمىَّ الصغيرتين لأطل من الشرفة عالية السور، أكون فى الاثنين معا.

فى ذلك اليوم أقبلت سيارته بلونها «الميتاليك أزرق بروسيا» الذى كان أحب الألوان عندى، نظراً لذلك العمق الذى يوحى به البعد العسلى الممتزج بتلك الزرقة الغامقة العجيبة، التى كانت تخايل بصرى وكأنها صفحة بحيرة ساحرة الأغوار، كنت أشرد باحثاً فى أعماقها عن أسماك فضية لا تكفّ عن التقلب والتلألؤ، تمثلها دقائق المعدن البراق فى الدهان. ووقفتُ بين صبيان الورشة الذين كنت أشاركهم أعمالهم البسيطة ولعبهم الطفولى فى أوقات الراحة، نرقب السيارة القادمة، وما إن نزل صاحبها حتى سمعت الأسطوات الكبار يتهامسون بأنه «هو». هو من تحيّر ظاهرته المدينة، وتشغل أحاديثها، ونمائمها، وقد اختصنى فى ذلك اليوم بلمسة من عجائب ظاهرته.

نزل جميلا من السيارة خلابة الزرقة العسلية المفضضة، وكانت نظيفة جدا ومصقولة من داخلها وخارجها، فاستغربت مجيئها إلى الورشة، ثم عرفت أنه لا يريد أكثر من «تطويقة خفيفة» تحافظ على نقاء اللون ولمعة النواكل، سلم على أبى بودٍ بالغ، وعندما استدار ليسلم على الصنايعية التفت بغتة ليواجه الذى كان آتياً لتوه من مشوار أرسله إليه أبى لشراء متطلبات للورشة من قلب المدينة، حدق فيه بنظرة ثابتة طويلة، رأيت خلالها عينيه الخضراوين كأنما تومضان بصفاء ساحر، ثم رشق الصنايعى بسؤال كسهمٍ ضوئى: «ولَهَفتْ كام ربع يا محترم»، وكان مذهلا أن أرى الصنايعى المعروف بشراسته يتداعى مرتبكا، فيأخذه ذلك الشاب من يده طائعا، ويستأذن أبى لو يصحبهما إلى ركن الورشة البعيد الخالى، وعرفت من أبى الذى كان مدهوشا يحكى لأمى فى المساء، كيف أن ذلك الصنايعى انهار فى البكاء طالبا السماح بعد اعترافه، بأنه اعتاد أن يشترى ثلاثة أرباع الكيلو بدلا من كل كيلو من الطلبات، ويضع الفارق فى جيبه. ولم يكن ذلك التجلى هو الوحيد فى يوم «السحر» ذاك..

راح يتجول حولنا ونحن نعمل فى «تلميع» سيارته التى وضعناها فى الشمس أمام الورشة، وكنا حول السيارة اثنين من الصنايعية الكبار وثلاثة صبية، توقف عندى بينما كنت أحدق فى المساحة التى لمَّعتها بحثا عن أسماكى المتقلبة المتلألئة فى أعماق بحيرة الأزرق بروسيا، نظر فى عينى بعينين لم أرَ فى حياتى أصفى منهما رقرقة وحنوًّا، ومد يده التى أتذكرها بيضاء تشف عن عروق خفيفة الاخضرار، وضعها على رأسى ومسح على شعرى سائلا «طلعت بكم سمكة يا صياد؟»، فانقلب هو أمام عينى الذاهلتين شفافا كأنه من بلُّور صافٍ، ورأيت من خلال جسده الذى شف: ماكينة الضغط والدولاب المعدنى ورفوف العِدد وعلب الدهان على جدار الورشة وراءه. وهو ما لم أبُح به لأحد قبل كتابتى هذه السطور، وإن ظل عالقا بذاكرتى، وحاضرا فى حيرتى سنين طويلة، ولم يقترن أبدا بخوف أو رهبة.

فى تلك السن الصغيرة، رسخ فى ذهنى أن «ساحر الزجاج» كما أسميته لنفسى، هو ساحر حقا لزجاج من نوع آخر، يستطيع فى لحظة أن يحول نفسه إلى كائن من زجاج حى، وما إن يواجه أى إنسان حتى يحوله إلى مخلوق من زجاج حى هو الآخر. يشف عن كل ما بداخله، وتنكشف كل أسراره، لهذا كان يرهَبه الناس، بعضهم يريد إيذاءه لأنه يفضح أسرارهم، وبعضهم يرفض ذلك حتى لا تحل لعنة بركته على الجميع.

مضت سنوات، وانسحب بساط المخيلة الطفولية السحرى من تحت الأقدام التى كبرت، تجولتُ فى الأرض كفاية، فراح المُتجسِّد يتجرد، ويُفضى إلى «واقعية» الإدراك الذى لا سحر فيه. وعرفت أن من أسميته لنفسى «ساحر الزجاج»، كان ابنًا لأبوين من الميسورين الطيبين، شديدى الثراء بأصالة ونظافة، لديهما أراضٍ زراعية شاسعة حول المدينة، ورثاها عن أسلافهما وحافظا عليها بساتين للفاكهة والزهور العطرية، وزادا عليها مصانع صغيرة حديثة وسط البساتين، تنتج نكتار الفواكه وعجينة الزهور، ويصدران معظم إنتاجها إلى أوروبا بعد تغطية الطلب المحلى المحدود. كانا ثريين من طراز حضارى وإنسانى رفيع، محبين للثقافة وراعيين للفنون، يدفعان ضرائبهما كاملة، ويقومان بتشغيل ورعاية أبناء القرى المحيطة، ويُنشئان المدارس والمستشفيات الخيرية فى صمت. وقد تناسج هذا فى قصة ابنهما الشاب، ساحر زجاج طفولتى!

مما تقصيته، عرفت أنه مع تجاوزه مرحلة المراهقة وبدء دراسته الجامعية، أخذت تتبدَّى عليه تلك الأعراض العجيبة، فهو ينظر بعينين ثابتتى التحديق إلى بعض الناس، وما إن تعبر نظراته أحداقهما حتى ترتد مفصحة عن مكنونات وخبايا ما وراء الأحداق، وعلى الفور يفضح اللسان ما عثرت عليه البصيرة.. الشهوات الخبيئة فى النفوس، أو النذالات، رقة القلب، أو قسوة الروح، الخير، الشر، الجرائم، المكارم، الكذب.. الكذب على وجه الخصوص كان أكثر ما يفضحه ذلك المخلوق الظاهرة. ولأن الكذب الذى يشبه الحقيقة كان سائداً كما فى كثير من أحوالنا اليوم، فقد عبرت اختراقاته أسواراً عاليةً وسميكة. شعارات كُبرى قرأ زيفها، ومشاعر أخاذة كشف ما يختبئ فى قلبها من سواد، ورقرقات لأرواح طيبة توقف عندها وترنم، مُربِّتا على أكتاف وظهور أصحابها بلمس عطوف. لكن هذه كانت نادرة لا تكفى لمنحه البهجة، بقدر ما كانت تؤجج غضب المفضوحة ظُلمات نفوسهم عليه، فتضطرب الأجواء بأطياف نوايا لقتله، أو ــ على الأقل ــ إسكاته أو إخفائه دون قتل.

ما أعز صورة ذلك الرجل التى غدت طيفًا لطيفًا من أطياف مملكة الطفولة التى نأت تجسداتها وتلاوينها الزاهية. طيف أخذت تتكاثف حوله أثقال السنين، لتنتهى بخشونة أسئلة مُمِضَّة، عن احتمال اختزال هذا الطيف إنسانى السمت فى بؤرة من لحم يتفسخ، تفسخ الأمخاخ التى يضربها الجنون. اثنى عشر عاما اشتغلت فيها طبيبا للأمراض العقلية لم تغادر ذهنى خلالها أُحجية ذلك الذى تركته على مبعدة عشرات السنين شابا يستحيل الناس تحت نظراته إلى زجاج حى. وكان يوجعنى أن أعثر على شذرات منه بين أسوار المصحات الكبيرة التى عملت بها، مبعثرة بين هؤلاء الهاذين الهائمين فى دنياهم وإن بدوا مُتحركين فى دنيانا، هؤلاء الذين سقطت عنهم كوابح البوح وأغلال المُكاشفة، الذين ما إن تنفتح أحداقهم على أحداق الآخرين، حتى يخترقوا حُجبهم، وتذيع هذياناتهم وأفكارهم الطائرة ماعثروا عليه فى الأعماق. ومع تواتر كل تلك الشذرات، ظل صانع أعجوبة طفولتى يقاوم داخلى أن يصطف مع المجانين، حتى بعدما عثرت أثناء دراستى وعملى على المصطلح الذى أبهرنى وأخافنى العثور عليه بعد انقراضه، ذلك المصطلح العنيف «ضلال الزجاج».

كان «ضلال الزجاج » Glass delusin مصطلحا راج فى القرن 19، يشير إلى وِهام أناس يعتقدون أن أجسامهم أو أجزاءً منها مصنوعة من زجاج، وكان ذلك يشكل غرابة سلوكهم خشية أن ينكسر هذا الزجاج داخلهم ويمزقهم بشظاياه، أطباء النفس فى ذلك الزمان سجلوا عدة حالات كان أشهرها للملك شارل السادس، حاكم فرنسا فى الفترة من 16سبتمبر 1380 حتى وفاته فى 21 أكتوبر 1422، وقد تُوِّج ملكا وهو طفل فى الثانية عشرة، وظل عمه «فيليب الجسور» وصيا عليه حتى بلوغه سن الرشد، وفى أعوام حكمه الراشد الأربعة الأولى الجيدة لقَّبه الفرنسيون «شارل الطيب جدا»، لكن ما إن تمكَّن من صولجان الحكم ومطلق التحكم فى البلاد والعباد، حتى أظهر طغيانا جامحا، وتهورا صبيانيا فى العبث والتنكيل بخصومه، وساءت بموازاة ذلك كل أحوال الناس والبلاد، فصار على ألسنة الفرنسيين «شارل المجنون»! وكانت أظهر علامات جنونه ضلال اعتقاده بأن جسمه من زجاج، فكان يرتدى ثيابا مدرعة من داخلها بقضبان فولاذية رفيعة، ولا يسمح لأحد بلمسه. صار يرى زوجته امرأة غريبة عنه، ويمتنع عن الاستحمام شهورا حتى تفوح روائحه، فيكبله اثنا عشر رجلا ويحمِّموه عنوة. وفى أخريات أيامه كانت ثورات الجماهير الغاضبة تشتعل فى أطراف فرنسا، ووباء الطاعون يدق أبوابها.

ثانى أشهر حالات ضلال الزجاج، كانت للأميرة البافارية ألكسندرا إميلى، عاشت ما بين 1826 و1875، وفى الثالثة والعشرين من عمرها، لوحظ أنها تمشى مُبطئة متباعدة الساقين فى ردهات قصر أسرتها الملكى، وعندما جوبهت بالسؤال عن تفسير لمشيتها تلك، باحت بسرها الذى ينطوى على قناعتها بأنها ابتلعت «بيانو» كبيرا من الزجاج فى طفولتها، فكانت تمشى به مُثقلةً مفرشحة، خائفة أن تقع فيتحطم داخلها ذلك البيانو وتمزق شظاياه أحشاءها!

أما ثالث الحالات، فكانت لصانع زجاج من باريس ظل يعتقد أن مؤخرته عظامها من زجاج، فكان يدثرها بحشايا قطنية تحول دون تكسر زجاجها عند جلوسه، وعالجه طبيب نفسى بأن جعل مساعديه يعبطونه، وينهال على مؤخرته التى جردوها من دثار الحشايا ضربا شديدا بعصا قاسية، وفيما كان مجنون الزجاج يصرخ من ألم الضربات، كان الطبيب يعاود سؤاله: «هل الزجاج يتألم أم اللحم؟»، وكان يجيب صارخا: «اللحم اللحم»، حتى بَرِئ من جنون زُجاجِه.

لم تكن شفافية ساحر طفولتى تنتمى إلى هذيان المجانين الذين عايشتهم طبيبا لاثنى عشر عاما، ولم تكن تنتمى لمجانين ضلال الزجاج قطعاً. كما لم تكن هلوسة مرضية تلك التى برقت فى كيانى فشف أمامى «ساحر الزجاج» فى يوم الورشة البعيد ذاك، حتى وهى مُشابهة للهلاوس البصرية التى يشخصون بها جنون المجانين، ومن ثم كنت فى عملى لا أتشبث بالهلاوس البصرية أو السمعية كأعراض حاسمة فى تشخيص الذُّهان، وربما كانت هذه التجربة الحسية النفسية، هى التى وضعتنى دائما فى موقف الحيرة أمام مجاهيل تلك القارة المجهولة داخلنا، قارة النفس البشرية. وهيهات أن تغادرنى الحيرة.

هل كان ساحر زجاج طفولتى هو نفسه مجنون الغيوم الذى رحت أبحث عنه وأنا كهل فى شمال العالم؟ هاجس يُقارب اليقين استبد بى وأنا أمضى مع مرافقى، وكان يحكى لى أن المنطقة التى نجول فيها بحثا عن المجذوب كانت البقعة التى انطلقت منها الشرارة الأولى للحرب العالمية الثانية، غزاها هتلر بزعم اضطهاد اليهود المتنفذين فى ترسانة جدانسك للعمال من أصول ألمانية. ثمة من كان يُكذِّب هذا الزعم، وثمة من يُرجِّحه، ولم أكن مكترثا بالتكذيب أو الترجيح، لأننى فى داخلى رأيت أن الأمر فى النهاية لم يكن مُبرِّرا لإحراق العالم وقتل 62 مليونا من البشر نصفهم من المدنيين. وتصورت أن رجل طفولتى الشفاف ربما اهتدى ببصيرته إلى هذه البقعة الفارقة فى تاريخ الحماقة البشرية، واستقر بها لأن بصيرته أنبأته، أن من يرى وحشية الحماقة، ينحاز حَتما لحِكمة السلام، وأن هذه الأرض التى وصل إليها لن تنجرَّ إلى جنونٍ دموىٍّ جديد. وقد أخبرنى مرافقى أن «مجنون الغيوم» كثيرا ما يُشاهَد هائما متطلعا إلى السماء، هاذيا كأنه يُكاشف السحب، حائما حول النُّصُب الجرانيتى الرمادى الذى يُخلِّد بسالة أفراد الحامية البولندية الصغيرة، التى استماتت عبثا، فى صد الإعصار النارى النازى.

كان قوس الحكاية عندى يبرر عند نقطة انقطاعه، احتمال أن يكون الرجل قد تمكن بالفعل من الوصول إلى هذه النقطة التى لم تكن تخطُر على بال أحد فى بلدنا وقتها، فآخر ما وَصَلتُ إليه من حكايتة، أنها انتهت إلى ما يشبه هياجا عاما عارما لدى المفضوحين باستشفافاته، وكانت الألسنة تتناقل أخبار اختراقاته بما يشبه الحمى، وعندما اتقدت الشائعات عن قرب قتله، اختفى. تردد أن والديه بجزء ضخم من ثروتهما اشتريا نجاته ممن يمتلكون السطوة والنفوذ، فأُبعِد إلى مكان مجهول. فهل كان المكان هو هذه البقعة النائية من أقصى الشمال البولندى؟

فى البداية لم نجد «مجنون الغيوم» عند النصب الجرانيتى، وقال مرافقى إنه كثيرا ما يقوده شروده السارح فى السماء إلى الهبوط نحو منخفض الأرض، فينزل إلى سفح التلة، يتوارى خلف متحف الحرب العالمية الجنونية الثانية بين أغصان الأشجار كثيفة الخضرة، أو يهيم فى دائرة محطة الباصات القريبة من المتحف التى تبدو مهجورة برغم انتظام مجىء وذهاب مركباتها المُضعضعة الصفراء فاقعة الصُفرة. لم نجده هناك فعدنا نصعد التلة التى يعتليها النُصُب ويتحلق حوله ويجلس على درجات قاعدته عشرات من زوار المكان. وبرغم أننا كنا فى منتصف الصيف، إلا أن الغيوم الداكنة كانت تتكاثف مخفية زرقة السماء فوق رمادية البحر المضطرب، فيبدو المدى كله كأنه من رصاص، بينما رذاذ بالغ النعومة يُهمَى من السماء، راسما أكثر من قوس قزح بين السماء والبحر المُمتزجين، منذرا بهطْلٍ موشِكٍ كثيف، ولم أكن أنا ولا مرافقى مزودين بأية وسيلة تحمينا من ذلك المطر الذى حذرنى مرافقى بأنه سيغرقنا، لكننى صممت أن نستمر فى البحث.

ونحن نهرول لاهثين باتجاه قمة التلَّة، التى تبدو السحب الكثيفة الداكنة وكأنها تسقفها، أخذ مرافقى يثرثر حاكيا أن «المجنون» عندما ظهر فى شوارع جدانسك منذ سنوات بعيدة كان حسن المظهر وتبدو عليه النعمة، كان يتوقف مُعترضا الناس فى الشوارع بلطف، يحدق فى عيونهم ويهذى بكلام غير مفهوم فيبتسمون فى وجهه لغرابة لغته، أو يعبسون ثم ينصرفون. وشيئا فشيئا راح يمضى فى طريقه شاردا، لا يقاطع الناس ولا يحدق فى عيونهم أو يتكلم، بل يرفع رأسه إلى السماء مواصلا هذيانه كأنه يحادث غيومها. ومع طول السنين أخذ يتحول بهيئته إلى صورة مجذوب رث الثياب، سائب الشعر مُرسَل اللحية والشارب، لا يحادث إلا السماء وغيومها، ويتجه نحو البحر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل