المحتوى الرئيسى

قمة الأمل فى نواكشوط.. القلب العربى مازال ينبض

07/27 21:57

البون شاسع بين المشهد العربى المحيط بالقمة العربية اليوم والذى يتنازعه مشاعر اليأس والأمل والرجاء، وبين اليوم الذى عقدت فيه «لجنة الوحدة» فى بدايات الأربعينيات من القرن الماضى، فقد كانت القلوب تهفو إلى كيان عربى واحد يتشكل من الدول العربية المنسلخة من الدولة العثمانية، وكان نداء الوحدة تتردد أصداؤه فى أرجاء الوطن العربى حتى بين الشعوب التى كانت ترزح تحت نير الاستعمار، غير أن الدول السبع المؤسسة انتهت إلى ميثاق لجامعة الدول العربية يكرس الكيانات القطرية ويشرذم إرادات الدول الأعضاء، وهو الوضع الذى مازال يعوق التقدم إلى كيان قومى قادر على مواجهة التحديات ككتلة متماسكة صلدة لا تلين أمام الخطوب والأنواء.

القمة العربية فى موريتانيا، وكما وصفت بحق، قمة عادية فى ظروف غير عادية، تأتى فى سياق دورية انعقاد القمم فى مارس من كل عام، وتأجل موعدها إلى شهر يوليو لاعتذار المغرب عن استضافتها «لعدم توافر الشروط الموضوعية للخروج بقرارات تستجيب لتطلعات الشعوب العربية وتجنبا لإعطاء انطباع خاطئ بالوحدة فى ظل انقسام غير مسبوق»، وهو ما يعنى أن المغرب كان غير مستعد لتحمل مسئولية فشل هذه القمة، لذلك تستحق القيادة الموريتانية كل الثناء لموقفها الجسور ومبادرتها إلى طلب احتضان القمة، حتى ولو عقدت فى خيمة، على حد قولها. إذ إنها بذلك حافظت على إيقاع العمل العربى المشترك، الذى لا تتحمل مسيرته مخاطر الاهتزاز، فالتئام القادة تحت سقف واحد ولو مرة فى العام، وتوحيد الرؤى من مختلف المشكلات هدف فى حد ذاته، فى وقت عجزت الجامعة العربية عن أن ترضى الأمة بتحقيق أية انجازات ملموسة، وبدت مكتوفة الأيدى أمام تحديات باتت مزمنة مستعصية على الحل. وأصبح من الطبيعى أن تتشابه البنود على جدول أعمالها عاما تلو الآخر، فالأولوية لتطورات القضية الفلسطينية، ومسألة تفعيل مبادرة السلام العربية، ومشكلات القدس، والاستيطان، والجدار العازل، واللاجئين، والمعتقلين، وعمل الأونروا، وتعزيز عمليات التنمية فى الأراضى الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلى للجولان، والأراضى المحتلة فى جنوب لبنان. ويأتى بعدها بنود حول تطورات الأزمة المتفاقمة فى سوريا، والوضع فى ليبيا، واليمن، ومبادرة السودان حول سلة الغذاء العربى، ودعم الصومال.

ويتلو ذلك بحث التدخلات الإيرانية فى الشئون الداخلية للدول العربية، وانتهاكات تركيا لسيادة العراق، وصيانة الأمن القومى ومكافحة الإرهاب، وموضوع اجتماعات فرق العمل المنبثقة عن اللجنة المعنية بإصلاح الجامعة، فضلا عن الموضوعات الاقتصادية المتعلقة بتطوير منطقة التجارة العربية الحرة والربط البرى والكهربائى.

أصبح من المعروف أن الجامعة محكومة بجمع حسابى لإرادات الدول الأعضاء، وما هى إلا مرآة تعكس أوضاع الدول العربية، والعلاقات الجدلية فيما بينها، وعلاقاتها الإقليمية والدولية. ففى غياب إرادة عربية موحدة من القضايا الرئيسية، وتباين المواقف من التدخلات الإيرانية والتركية فى شئون دول عربية، وضعف الدور العربى فى معالجة الأزمات الدامية العربية، وإفساح مجال أكبر لتدخل الدول الخارجية فى سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان، بل ومما يدعو للأسف أن تكون دول عربية طرفا مسببا لهذه الأزمات. وخفتت القضية الفلسطينية خلال السنوات الماضية نتيجة لانكفاء العديد من الدول العربية على مشاكلها الداخلية، وكانت من قبل محورا لاهتمام الجميع، وعلى رأس سلم أولويات العمل العربى.

لقد دأبت مصر على أن تقدم للجامعة أفضل رجالها المختصين بالشئون الخارجية لتولى منصب الأمين العام، وتبدأ مع قمة موريتانيا مهام أحمد أبوالغيط والذى يتميز بالخبرة العريضة والمثابرة والذهن المتقد، تلك الصفات التى تؤهله للإسهام فى دفع العمل العربى المشترك إلى آفاق أرحب. ولقد قدم أبوالغيط فى مستهل عمله أمام القمة أفكارا تسترعى الانتباه؛ من بينها تأكيده على ضرورة إعلاء دور الجامعة العربية قولا وفعلا، وحتمية التكامل العربى بمفهومه الواسع مع أهمية التجديد والتطوير وتوفير التمويل اللازم، والعمل على وقف التدهور العربى وألا تترك الدول العربية مصيرها لغيرها، وإعادة النظر فى أساليب معالجة المشكلات بعد أن غيبت الجامعة عنها، وضرورة العمل على بناء مجتمعات عربية متقدمة آمنة تتحاور دون أن تتقاتل، وشن حرب ضروس ضد الإرهاب الذى يهدد سلامة الدول العربية ويشوه الصورة السمحة للإسلام، وإيلاء العناية الواجبة للقضية الفلسطينية واتباع مناهج سياسية جديدة للاستفاده من زخم صيغة حل الدولتين، والتأكيد على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، وإنشاء آلية عربية تنسيقية اقتصادية.

ويمكن القول، بعد أن اختتمت القمة أعمالها بصدور إعلان نواكشوط، إنها نجحت فى العبور، والحفاظ على إيقاع العمل العربى المشترك حتى ولو فى حده الأدنى، وبدت بالفعل بعض علامات الأمل التى تستحق التمسك بها وتشجيعها، فالجامعة العربية إن لم تكن كيانا قائما لكنا اليوم ندعو إلى إقامته، فلقد تصدت القمة لكل بنود جدول الأعمال واتخذت قرارات بشأنها لا تخلو من الصراحة والوضوح، وبذلك تكون حققت ما نصبو اليه كخطوة مهمة على الطريق ألا وهو التوافق وتوحيد الرؤية العربية بشأن القضايا والاشكاليات التى تواجه الأمة فى هذه المرحلة. فالقضية الفلسطينية عادت لتطرح نفسها بقوة على جدول أعمال قمة نواكشوط فقد شدد الإعلان على مركزيتها، وحث على تكريس الجهود للتوصل لحل شامل وعادل ودائم يستند إلى المبادرة العربية، ورحب القادة العرب بالمبادرة الفرنسية الداعية إلى عقد مؤتمر دولى للسلام قبل نهاية العام الحالى يمهد له بوقف جميع أنشطة الاستيطان الإسرائيلية لتحقيق حلم الشعب الفلسطينى فى اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية كاملة السيادة فى مجالها الجوى ومياهها الاقليمية وحدودها الدولية وفق اطار زمنى. وجدد القادة العرب الدعوة إلى الزام إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووى واخضاع منشآتها وبرامجها النووية للمراقبة الدولية ونظام الضمانات الشامل، والدعوة إلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.

وضح حرص القمة فى الإعلان الختامى على تأكيد وحدة الأراضى والسلامة الاقليمية للدول العربية التى تشهد صراعات دامية تهدد كيانها، ودعوتها إلى تسوية هذه النزاعات من خلال الحلول السياسية والعمل على الوصول إلى مصالحة وطنية. وكان موقفها قويا وصريحا فى الدعوة إلى القضاء على الإرهاب وبخاصة تنظيم داعش الإرهابى. وأعلن القادة العرب عن دعمهم لجهود الإغاثة الإنسانية العربية والدولية الرامية إلى تقديم المساعدات العاجلة للمتضررين من الحروب والنزاعات من لاجئين ومهاجرين ونازحين، وتطوير آليات العمل الإنسانى والإغاثى العربى، واستحداث الآليات اللازمة داخل المنظومة العربية لتلبية الاحتياجات الانسانية الملحة ومساعدة المتضررين والدول المضيفة لهم.

وكان حضور الرئيس التشادى للقمة مميزا باعتباره رئيسا للاتحاد الأفريقى، اتصالا بالبعد الأفريقى فى النسيج الموريتانى، وانعكاسا لأهمية العلاقات العربية الأفريقية.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل