المحتوى الرئيسى

"سينما الصراصير"..و"أزمة الجنسية"..صفحات من حياة محمد خان!

07/27 12:22

عشق الهندسة المعمارية فقادته إلى السينما

رغم كرهه للسادات أخرج فيلماً يدافع عنه

لم يقف ضد أفلام السبكي لكنه عارض الاحتكار

المرأة مظلومة وتعامل كمواطن درجة ثانية

المسرح غائب..والدراما حقل تجارب للفنانين

“طول عمرى متفاءل، ولا أعرف التشاؤم، وبداخلى شعور أن القادم أفضل، ورهانى بالأساس على الشخصية المصرية، تلك الشخصية القادرة دوما على التكيف، والمقاومة وتخطى العقبات، وبالنظر لأفلامى سنجد أن النهايات جميعها سعيدة، أو تحمل طاقة من الأمل”.

هكذا كان يؤمن المخرج الراحل محمد خان أن الأمل هو طوق النجاة، وأن المثابرة هي الطريق الحتني لتحقيق الأمنيات، فقد ظل مثابراً يطالب بالحصول على الجنسية المصرية حتى حصل عليها عام 2014، وعن ذلك يقول: “أصعب لحظة أواجهها هي تقديم جواز السفر البريطاني في مطار القاهرة. فساعتها يسألني موظف المطار عن جنسيتي فلا أدري ماذا أقول وأظل أستنكر بداخلي هذا السؤال، فأنا مصري وُلدت وتربيت في شوارع القاهرة وأحيائها الشعبية.”

“رحل المخرج الكبير محمد خان حيث وجه الله الكريم ... رحل واحدا ممن أخلصوا فيما أبدعوا وترك أثرا شديد الاحترام فى تاريخ الفن المصرى ... لجيله كل العزاء وللوطن العوض”.

هكذا نعى القاص الكبير سعيد الكفراوي المخرج المصري، محمد خان، عن عمر يناهز 74 عاما في أحد مستشفيات حي المعادي إثر تعرضه لأزمة صحية.

ويعد خان من أبرز مخرجي السينما الواقعية في مصر، فقد تناولت أعماله الواقع السياسي والاجتماعي المصري. ومن أبرز أفلامه “زوجة رجل مهم”، و”أيام السادات”، و”ضربة شمس”، الذي حصل على جائزة من مهرجان القاهرة السينمائي في أولى دوراته عام 1979، و”فتاة المصنع”، الذي حصد عديد من الجوائز العربية والدولية.

ولد خان في حي السكاكيني الشعبي بالقاهرة في 26 أكتوبر عام 1942 لأب باكستاني وأم مصرية، ورغم تميزه كمخرج وإدراج أفلامه في المهرجانات الدولية، فقد حصل على الجنسية المصرية بقرار جمهوري منذ عامين فقط، بعد سنوات طويلة من المطالبة بها بإصرار لم يفتر على تحقيق ما وصفه بـ”الأمنية الغالية”.

لم يكن الراحل بحاجة إلى أوراق ثبوتية تؤكد مصريته بل إن الـ 24 فيلما الذين صنعهم كمخرج وممثل كانت الوثيقة الأقوى والدليل الذي لا يناطحه دليل على أنه مصري حتى النخاع، وعلى أن الانتماء إلى وطن لا يمكن قصره على امتلاك ورقةٍ ما في خزينة منزلية مقفلة يكسوها التراب.

“إلى من يهمه الأمر: هل من الممكن لحكومة الدكتور الببلاوى أن تمنحنى الجنسية وأنا فى العقد السابع من عمرى قبل فوات الأوان؟”.

جملة جاءت على لسان المخرج فى عام 2013 وهو يحتفل بعيد ميلاده الحادى والسبعين!.

قبل حصوله على الجنسية المصرية يقول: “زهقت”، وأنا مصرى “غصب عنهم” ولست أجنبيًّا، مولود فى هذا البلد، أمى مصرية من أصل إيطالى، حتى إن كان والدى باكستانيًّا بريطانيًّا، حاولت من قبل ووكلت المحامى اليسارى نبيل الهلالى، وقدم أوراقى ولم يحدث شىء! وقدمت أكثر من طلب للرئيس الأسبق مبارك، ولم أجد أى استجابة، كنت ذات مرة فى النمسا ومعى يحيى الفخرانى، وكان سفيرنا هناك إبراهيم الفقى، فقابلته وسألته عن الأمر، فقال لى: “الورق فى الدرج، لأن الريِّس مش بيحبّ يدّى الجنسية لحد”!.

يواصل في أحد حواراته: هى مجرد ورقة، ولكنى أريدها بشدة، ومع ذلك فأنا لن أطلبها ثانية، نفسى أحصل عليها كتكريم لى، أنا عندى 71 سنة دلوقتى، وعايز أموت مصرى، ففى كل المهرجانات التى حضرتها عمرى ما قدمت نفسى على إنى غير مصرى، ولكن كانت هناك مواقف صغيرة تحزّ فى نفسى، كبعض المضايقات فى المطار أحيانا لأنى كنت أحمل الجنسية الباكستانية، وباكستان كانت دولة راعية للإرهاب، كما أننى كنت مشاركًا منذ سنوات فى مهرجان موسكو بفيلمين، أحدهما فيلم “يوسف وزينب” الذى أخرجته لدولة المالديف، والثانى الفيلم المصرى “الحَرِّيف”، فوجدت اسمى ضمن وفد دولة المالديف، وليس ضمن الوفد المصرى!.

نشأ الراحل في منزل مجاور لدار سينما مزدوجة وكان يرى مقاعد إحداها ولا يرى الشاشة. وكان يشاهد الأفلام في اليوم الأول ويتابع شريط الصوت بتركيز بقية الأيام. كان حريصاً على جمع إعلانات الأفلام من الصحف، وشراء مجموعات صور الأفلام. وبالرغم من ذلك، إلا أنه لم يكن يحلم يوماً بأن يصبح مخرجاً سينمائياً حيث كانت الهندسة المعمارية هي حلم طفولته.

وسافر خان في عام 1956 إلى لندن لدراسة الهندسة المعمارية، ولكن مسار حياته تغير هناك عندما التقى بشاب سويسري يدرس السينما، وأصبحا صديقين، وترك خان مجال الهندسة، والتحق بمعهد السينما في لندن. وقد أقام في العاصمة البريطانية سبع سنوات، تمكن خلالها من التعرف على مختلف تيارات السينما السائدة آنذاك في أوروبا.

وعاد إلى مصر في 1963 حيث عمل في شركة إنتاج سينمائي، تحت رعاية المخرج صلاح أبو سيف، في قسم السيناريو. ثم سافر إلى لبنان وعمل هناك مساعد مخرج مع عدد من المخرجين اللبنانين، منهم يوسف معلوف، ووديع فارس، وكوستا، وفاروق عجرمة.

وعقب حدوث نكسة 1967 توجه إلى لندن مرة أخرى، ثم عاد إلى مصر في عام 1977، ليبدأ رحلته مع الإخراج.

وكان فيلم “ضربة شمس” في عام 1978 هو أول أفلامه، ومارس خان كتابة السيناريو لبعض الأفلام مثل “سواق الأتوبيس” الذي أخرجه عاطف الطيب في 1982.

تزوج محمد خان عدة مرات، كانت الأولى من سيدة خارج مجال السينما أنجب منها ابنته المخرجة، نادين خان، ثم تزوج متزوج من وسام سليمان كاتبة السيناريو لفيلميه بنات وسط البلد و في شقة مصر الجديدة.

وكان خان يؤمن بأن “الفن هو وسيلة تعبير الفنان عن وجهة نظره في كل شيء، ويمكن للفنان أن يقول ما يريد من خلال أعماله، وهنا تكون الرسالة أوضح.”، وحصلت أفلامه على جوائز من مهرجانات عالمية.

كون محمد خان مع بشير الديك و سعيد شيمي و نادية شكري و عاطف الطيب و خيري بشارة و داوود عبد السيد جماعة سينمائية أطلق عليها (جماعة أفلام الصحبة)، جمعتها رابطة الصداقة ومجمل القضايا والهموم الفنية والثقافية بشكل عام. وكان الهدف من إنشاء هذه الجماعة هو إنتاج أفلام ذات مستوى جيد وتقدم جديداً، والفيلم الوحيد الذي قامت الجماعة بإنتاجه هو الحريف.

وتمنى أن يخرج مسلسلا بوليسياً، ولكن الفرصة لم تسنح .

يقول خان: والدى كان تاجر شاى، وكان مكتبه مقرًّا للجالية الباكستانية وغيرها من الجاليات الآسيوية، وكان من بين من يترددون علينا مأمون عبد القيُّوم، كان يدرس فى مصر بالأزهر وجامعة القاهرة، ثم أصبح رئيسًا للمالديف فى ما بعد، وبعدها بسنوات قابلته فى لندن فسألته: إنت رئيس جمهورية كويس؟ فردّ ردًّا أعجبنى وقال: “أنا مش حرامى”، وطلب منى وقتها أن أقدِّم فيلمًا للمالديف، وبالفعل صنعنا الفيلم بطولة فاروق الفيشاوى وليلى علوى وتوفيق الدقن، وأصبح أول فيلم سينمائى فى تاريخ المالديف بعد أن كانوا يعتمدون على السينما الهندية فقط.

يتابع: والدى كان شريكًا فى تجارة مع مصطفى كاظم شقيق زوجة جمال عبد الناصر، فكان ناصر يدعونا فى الاحتفالات، كان لدَىَّ صورة ضاعت منى وأنا فى الثالثة عشرة من عمرى، وأنا واقف فى الصف الثالث، والسادات فى الصف الأول، وبعدها بسنوات قدمت فيلمًا أدافع فيه عن هذا الرجل.

ورغم أنني لا أحب السادات، لكن عندما كنت أحضِّر للفيلم تغيرت نظرتى عنه بعض الشىء لقربى من الشخصية، كشخصية درامية، كما أن التاريخ يبرِّئ ساحته فى كثير من المواقف، أما الفيلم فعندما صنعته كان خارج تقييمى للشخصية سياسيًّا، بعيدًا عن حبى أو كراهيتى له.

عن تشويه أفلام الثمانينات لسمعة مصر يقول: صاحب إحدى شركات الإنتاج والتوزيع هو أول من أطلق هذا الاتهام، وقال على أفلامنا “سينما الصراصير”، بسبب وجود صرصار فى فيلم “أحلام هند وكاميليا”، يضربه أحمد زكى “بالشبشب”، رغم أننا كنّا نصوِّر واقعًا، مثلًا فى فيلم “عودة مواطن” فى مشهد سوق الحمام الزاجل كان فى السوق حمار، فالكاميرا مان قال: “استنى، مش عايز أصوّر المشهد بالحمار”، فقلت له: “إنت مالك؟ مش ده اللى موجود؟ إيه اللى فيها لما يبقى فيه حمار؟”، وتفاصيل كثيرة من هذه النوعية، لكننا لم نتعمد إظهار ذلك، لقد كنا نعكس الواقع.

وصف نفسه بأنه “عِنَدِى ومثابر، ولا أقدم إلا ما أريده، صحيح أننى أدفع ثمنه أحيانا من صحتى وأعصابى بتحضيرات لأفلام لا تنفَّذ، مثل فيلم “نسمة فى مهب الريح” الذى لم ينتج حتى الآن منذ 20 عامًا، وحدثت لى أزمة قلبية بسببه، إلا أننى لا أتنازل ولا أيأس”.

وعن أفلام السبكي يقول: لست ضد هذه الأفلام، ولكنى ضد أن تكون هى النوعية الوحيدة المفروضة على المشاهد، ممارسة الاحتكار هى الكارثة، لأن لعبة غير نظيفة تحدث، فهناك مثلًا منتجون يذهبون إلى دور العرض ويأمرون أصحابها أن لا يعرضوا أفلاما غير فيلمهم، ولكنى أرى الأمل فى السينما المستقلة، فكلما زاد عدد الأفلام المستقلة بكثافة أصبحت أمرًا واقعًا وستفرض نفسها على دور العرض، ومن ثَم سيجدها الجمهور بجوار النوعيات الأخرى من الأفلام.

أكد في حوار سابق أن الشباب الصاعد من الفنانين أو المخرجين ليس لديه صبر كاف، أو صاحب بصمة، مؤكدا أنه لا ينبغي فرض قيود أخلاقية بل تترك للفنان نفسه.

وعن رأيه في الأعمال التي تقدمها السينما حاليًا، قال خان السينما تحتوي حاليا على “الهلس، والجيد والتجاري”، وتخاطب جيمع الفئات، ففى أمريكا نجد أكثر من 500 عمل ينتج فى العام من بينهم عدد قليل صاحب هدف، ويستحق المشاهدة.

أما المسرح برأيه، ليس موجودا فى المرحلة الحالية بشكل كافٍ، ولكن يوجد شباب منتشرون يجب أن يستمروا، أما الدراما فهي في الوقت الحالي ما هي إلا حقل تجارب للفنانين مدفوع الأجر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل