المحتوى الرئيسى

غسان شربل يكتب: العرب و«المتنبى» والقطار | المصري اليوم

07/27 02:47

نقلاً عن جريدة «الحياة» اللندنية

قال زميلى: «القمة العربية تنعقد الإثنين (اليوم). لا يجوز لافتتاحية (الحياة) فى اليوم نفسه أن تتجاهل الحدث. صحيح أن أوضاع العرب لا تسر إلا العدو لكن الصحيح أيضاً هو أننا صحيفة عربية قبل كل شىء». وأدركت سريعاً أنه يخشى أن أتذرع بأهمية الحدث التركى أو الذئاب المنفردة لأهرب إلى موضوع آخر.

والحقيقة أن الكتابة عن القمم العربية تُربكنى. يُفرحنى أن العرب احتفظوا بقدرتهم على الاجتماع فى خيمة واحدة بعدما تبددت قدرات كثيرة أخرى كان يفترض أن تكون لديهم. لكن لدىّ مشكلة، فكلما كتبت عن أحوال العرب ينتهى بى الأمر إلى الرثاء. وأنا أصلاً لا أحب الرثاء. وقعت فيه أحياناً من فرط ما اغتيل من رجال أعرفهم. ومن فرط ما اغتيل من مدن أحبها كنت أزورها حاملاً دفتراً صغيراً وآلة تسجيل. ثم إننى لا أعتقد أن من مهمة الصحفى توضيب الدموع أو رش السكر على الموت.

لدىّ مشكلة فى الكتابة. كلما انعقدت قمة عربية يراودنى شعور بأن الوضع كان أقل هولاً فى موعد القمة التى سبقتها. وأن السنة الفاصلة بين الموعدين لم تكن أكثر من فرصة جديدة لمواصلة الاندحار وتسريع الانحدار.

ولدىّ أيضاً فى السنوات الأخيرة شكوك عميقة فى معانى عبارات ومفردات كنا نخالها واضحة أو قاطعة. لم أعد أعرف مثلاً ماذا نقصد حين نقول «العالم العربى». هل لايزال هذا العالم العربى موجوداً وحياً أم أنه كائن منهك يقيم فى دار العجزة ويسعل دماً بانتظار لحظة إطباق الجفون؟، لا أقصد أبداً أن العرب فى طريقهم إلى الانقراض لكننى أشعر بأن استخدام تعبير «العالم العربى» بات استفزازياً أو مثيراً للسخرية أو الأسى. وأشعر بقدر من الارتباك حين يستوقفنى سؤال من قماشة: ماذا يريد «العربى»؟، لا أحب التفجع لكننى أسأل: هل لايزال هذا «العربى» حياً، وما هو عنوانه، أم أنه يتغطى الآن بوصف آخر وينام تحت هويات صغيرة فى الجزر الانتحارية المتناحرة؟.

تربكنى الكتابة عن القمة. هل فشل «العربى» فى بناء مؤسسة ودولة وفى الانتماء إلى العصر والتصالح معه؟، وهل دفعه الفشل إلى اعتناق الظلام وخيار الاصطدام بالعالم والعصر؟. أفكر فى الإرهاب الجوال والسنوات المقبلة وأخاف. هل سيتكتل العالم ضدنا ويعتبرنا «إمبراطورية الشر»؟، وهل سيستدعينا مرغمين لتبديل ثيابنا وما يتدفق فى شراييننا من ميول انتحارية ورفض للآخر؟.

لست متشائماً، لكن عبارة «الأمن القومى العربى» تربكنى. أرى تونسياً ينفجر فى خيمة عزاء عراقية. أرى شيشانياً يقتل سورياً موالياً. وأرى أفغانياً يقتل سورياً معارضاً. وأرى خبراء إيرانيين فى عاصمة العباسيين وعاصمة الأمويين. وأرى «الفضاء العربى» مرصعاً بالانتحاريين والإعلام والميليشيات والخرائط المتهالكة والدويلات المقيدة وبقايا الجيوش.

يربكنى أيضاً هذا «الثقل العربى» الذى يعجز عن إقناع «فتح» و«حماس» بالتعايش فى مؤسسة واحدة لإنقاذ ما تبقى من أشبار من أرض فلسطين والقضية المركزية. الثقل الذى يعجز عن وقف عملية احتقار اللبنانيين بإبقاء جمهوريتهم مقطوعة الرأس بانتظار استجماع شروط تنصيب «المنقذ».

لست متشائماً لكن الأرقام هى الأرقام. فى المسافة بين قمة شرم الشيخ وقمة نواكشوط سجل العالم العربى أرقاماً قياسية فى أعداد القتلى واللاجئين، والأمية والبطالة والعيش تحت خط الفقر، والمدن المحروقة والسيارات المفخخة والانغماسيين.

ما أصعب الكتابة عن قمة نواكشوط. يحتاج العرب إلى ورشة تنمية فعلية لتعويض ما ضاع من قرون. يحتاجون إلى قرارات مؤلمة لابد منها للصعود إلى قطار التقدم والأمل والاستقرار. عبثاً نهرب من أثمان القرارات المؤلمة ونتعلق بالأفكار الحجرية والسفن المثقوبة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل