المحتوى الرئيسى

نرمين حلمي تكتب: كاتب أم أديب | ساسة بوست

07/26 20:23

منذ 1 دقيقة، 26 يوليو,2016

أراك تتجول بين أطياف الكتب والروايات وتتعثر في ألقاب مؤلفيها، بخلاف أنك لست في موضعِ للحكم على أحد ولا خُلقت من أجل ذلك، ولكنك يجب أن تُنمي بداخلك قدرًا من الوعي كَفيلًا أن يبني بداخلك القُدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة وإعطاء كل ذي حق حقه، دون أدنى توبيخ أو إهانة.

هناك من يكتب، وهناك من يكتب ويوثق، وهناك من يكتب بإبداع وهناك من يكتب ويوثق ويبدع.

فإن تطرقنا إلى الحديث عن الكتابة بشكل عامِ وأشمل، فأي كائن حي وبشري يستطيع أن يكتب، كل شخصِ منا لديه ما يريد أن يقصه أو يتحدث عنه، فالطفل الصغير حين يذهب إلى مدرسته يعود ليقص يومياته على أمه كي يسمعها ويستشيرها أو في المطلق لكي يمارس هواية القص والحكي، فبذرة التلاوة تنشأ في صدورنا منذ طفولتنا باختلاف أعمارنا، ومع اختلاف نسبة الحديث من شخصِ لآخر ناتجة عن طبيعته وصفاته الشخصية وأسلوبه وما يفضله.

وإن اتجهنا لآليات الكتابة وتقنيتها وفنونها، فهي تختلف وتتنوع لهدف ما يُكتب إليه، مثل الكتابة الصحفية التي تتطرق لهدف بعينيه تسعى لتوصيله للقارئ، وأغلبها يسيطر عليه الميول التعريفية للأشياء المحيطة من سياسة واقتصاد وشؤون المجتمع، أما عن كتابة مقالات الرأي وما شابه مثلما يُنشر على مواقع الإخبارية المختلفة أو مواقع التواصل الاجتماعية وأشهرها الفيس بوك، فما هي إلا محاولات تعبيرية حول الحياه ومفاهيمها ومشاكلها ومواضيعها التي تدور حول الحب والخير والجمال والشر أيضًا والعدل والظلم وكثير من القيم والأخلاق التي لا تُفنى ذكرها في المجتمعات المختلفة والأجيال المتعاقبة على مر العصور، فهي تمتد بضوءِ سرمدي، لا يُمكن الاستغناء عنه عَبر مختلف الأزمنة، ولكن الفيصل فيما يدور هو أسلوب كل شخص وتعبيراته التي يوصل بها كل تلك المعاني والقيم وعلى قدر قوة هذا الأسلوب وطريقة معالجته «سواء عاطفية أو تهكمية أو ساخرة»  يؤدي إلى ترسيخها في عقول قرائها.

ولكن دَعنا نتفق على شيء ما، أن كل هذا وأكثر يندرج تحت قائمة «الكتابة» أو «الكتابة التوثيقية» فقط، ولم يصل إلى مرحلة الإبداع الذي يتفرع منه فروعِ كثيرة لعناصر إبداعية مُختلفة مثل التشويق والإثارة والمتعة وكل ما يثير في النفس البشرية دعوة للتأمل في كل معاني ومبهجات الحياة، وصولًا إلى خبايا النفس البشرية وما تعانيه من ضيق وحزن وفرح ومشاعر عدة.

فالأديب هو الشخص القادر على أن يخلق لك هذا العالم، وحده هو القادر على نَسج معان جديدة لا يصل إليها أحد، أو بالأحرى معان جديدة تستطيع أن تُحرك مشاعرك وتدفعها من مكانها، تخلق بك شيئًا جديدًا، من أفكارِ جديدة، من أساليب جديدة، من عوالم جديدة، تأخذ بعقلك لأقرب بابِ للمعرفة، وقلبك لأقرب حفلة للمشاعر الصادقة، هو الوحيد القادر أن يكتب ويوثق ويبدع في اَن واحد، في عمل واحد، نظرته للأمور تُنقل لك عَبر كتاباته لتخلق لك عالمك النقدي الفريد الذي وإن لم يبن بك عالمًا لم تعرفه فهو بالطبع يكاد يجعل منك محاربًا ومدافعَا عن فكرة ما بعينيها، ينضج ما في فكرك من نبتة قوة وخيال قادر على استيعاب ما يحدث بالواقع ولا يمت للواقعية بصلة، قادر أن يأخذك بيدك لينشأ منك إنسانًا سويًا يعلم المعاني والمشاعر والمعرفة.

الأديب هو الذي يقرأ في شتى المجالات المختلفة، في التاريخ والفن والعلوم والآداب، هو من لا يسفه من شيء لدرجة التحقير لأنه على قدر كبير من الرقي و الثقافة والوعي الذي عَلمه أن لكل كلمة جملة تحتويها وتبرز قيمتها،  يكاد يمسك بكتاب يكرهه ويمله حتى يصل لآخره ويستفيد بمعلومة ما كاد يهضمها ثم يرسلها لك على طبقِ من فضة في رواياته وأعماله الأدبية، لديه بذرة الشر القادرة على خلق عالم اقتراضي كاد أن يصل إلى حَد الواقعية والخيال معًا.

هو من لم يجعلك تتأثر بحياته الشخصية فقط، بل يتمعن ويتلبس الشخصيات المختلفة ويبتكر عوالم لم يعرفها ولا يعيشها من قبل حتى يرسلها لك، يخلق حالة فريدة مكتملة العناصر الإبداعية ويرسلها لك.

أدعوك عزيزتي- عزيزي القارئ أن تقرأ كثيرًا، ولا تنفر من كتاب ولا تسيء من سمعته، فلكل كتاب قدر من المعرفة تركض خلفك حين تنتهي من قراءاته جيدًا، فهو صديق مخلص لا يضيع وقتك هباءً ولا يتركك وحيدًا دون فائدة، ولكنك يجب أن تعلم الفارق الكبير بين «الكاتب» و«الأديب» ومن يرسل لك العالم كالناسخ له كما هو ومن يرسل لك العالم في وجبة دَسمة مُشبعة بالجمال اللغوي والتشبيهات الفائقة الدقة والتفاصيل التي تُجذبك لأفكار ولعوالم لم تذهب إليها بعد.

واقتضاء بمثل المتحدث التحفيزي «جيم رون» وجملته الشهيرة:

«we are the average of the five people we spend the most time with.»

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل