المحتوى الرئيسى

أحن إلى صينية بطاطس أمي

07/26 08:54

7 سنوات كاملة مَرَّت على زواجي وما زلت أُصَنِّف نفسي بأني "مليش في الطبخ أوي"، لي وصفات مميزة بالطبع لكنني في نهاية الأمر أظل عادية جدًا، فأنا لست من هواة الطبخ ولست ممن يكرهونه، لكنني بوضوح لا أحب أن أطبخ إلا لزوجي وابنتي، دون أن أميل للطبخ للأهل أو الغرباء، بل ونادرًا ما أطبخ لأصدقائي.

وعلى الرغم من أن زوجي نادرًا ما يشكو مما أطهو، ولا يُعايرني بتقصيري متى قَصَّرَت، لكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من الشعور بالغبطة تجاه هؤلاء من يُمكن وصفهن بأن نَفَسهن حلو في الطبخ، حَد تهافت من يعرفهن على الأكل من أياديهن في كل وأي مُناسبة، كذلك أشعر بالشفقة تجاه زوجي وابنتي لأنني لست واحدة من تلك النساء.

على أي حال يُمكنني أن أحمد الله لأنني -على الأقل- كنت محظوظة بما يكفي ليكون في حياتي عدة نساء ممن آكل أصابعي وراء وصفاتهن، حتى أنني ما زلت -رغم مرور سنوات منذ أكلت من أيدي بعضهن- أتذكر أكلاتهن المميزة ومذاقها الممتع حَد جريان ريقي الآن وشعوري بالجوع.

طنط منال.. زوجة عمي الأصغر، والتي لها مكانة خاصة بقلبي، وتشتهر في العائلة بطعامها الشهي المطبوخ بمنتهى الحُب والمزاج، ما يجعل الجميع لا يُفَوِّت أبدًا عزومة رمضان التي تُقام في بيتها كل عام، بسبب وصفاتها التي تحبها العائلة أجمعها أجيالاً بعد أجيال. ومن أشهر وصفاتها مثلاً طاجن لسان العصفور بالكبدة، وصينية الأرز بالبشاميل التي رغم مُحاولتي تقليدها ظلت من يديها الألذ والأجمل.

هناك كذلك طنط هدى، زوجة عم آخر لي، والتي اعتادت أن تصنع لنا صينية فريك بالدجاج لم نعرفها قبل أن تُقدمها هي لنا. كانت تصنعها بامتياز فنأكلها بنَهَم، حتى صرنا جميعنا نطلبها من أمهاتنا، لكن ولا واحدة منهن استطاعت أن تتفوق على طنط هدى.

أما أُمي فلها  نصيب الأسد بالطبع بين تلك النسوة، بوصفات قد تبدو شديدة الاعتيادية، لكنها على ذلك تخرج ذات مذاق مميز ومختلف، لم أستطع تقليده أو الوصول إليه مهما حاولت. أبسط وأشهى تلك الوصفات صينية البطاطس بالفراخ، وصينية الخضار المِشّكِّل، اللذان لطالما كانت أمي تُقدمهما لنا من وقتٍ لآخر.

أسأل أمي عما تفعله تحديدًا لتخرج وصفاتها بهذا الشكل، فتضحك، لأنها من وجهة نظرها لا تفعل شيئًا غريبًا أو غير متوقع، فالوصفة عادية تمامًا دون أي "افتكاس". أكرر الخطوات بحذافيرها ولكن يأتي الطعم مُختلفًا.. دومًا مُختلف.

ليتأكد لي أن الحكاية أولاً وأخيرًا مسألة نَفَس، ما يضعني على أعتاب تساؤل حول إذا ما كانت ابنتي قد تعشق يومًا أكلات معينة من يدي، أصنعها أنا واضعة بها جزءًا من روحي ووقتي وحياتي، فتطلبها مني على وجه الخصوص، وحين تطبخها بنفسها فيما بعد تترحَّم على طعم وصفتي؟!

فالطبخ معادلة كيميائية مهما تشابهت مكوناتها أتت نتائجها مختلفة، ذلك لأن كل مَن يطبخ يضع جزءًا نورانيًا منه في وصفته، يضعه دون قَصد، بل ورُبما حتى دون أن يدري، لكنه يتجلَّى بوضوح حين يتم تَذّوق الطعام.

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل