المحتوى الرئيسى

معركة الدين والعلمنة في الجيش الإسرائيلي

07/25 00:48

بين قضيتين وقفتا في مركز العلاقات بين الجيش والصهيونية الدينية في الأسبوع الأخير – تعيين العقيد إيال كريم حاخاماً أكبر للجيش والعاصفة حول خطاب الحاخام يجئال ليفنشتاين، من رؤساء الإعدادية العسكرية في مستوطنة عاليه - توجد صلة واضحة. كلتاهما تجسدان شدة الخلاف بين الجيش وبين حاخامات التيار الحريدي القومي. ومن القضيتين يبدو أن رئيس الأركان غادي آيزنكوت، خرج منتصراً. ولكن هذه مجرد نتيجة مؤقتة في معركة واحدة من معارك كثيرة، وصفها الحاخام ليفنشتاين حقاً بأنها حرب ثقافية. الجولات المقبلة سوف تأتي.

فتعيين كريم حاخاماً أكبر للجيش خطط له بشكل خاطف. إذ أراد رئيس الأركان أن يوفر على نفسه المشهد المعروف للمؤامرات والضغوط من جانب الحاخامات ورجال السياسة، التي رافقت تعيين كبير الحاخامات في الماضي. ولكن شيئاً ما تشوش في الطريق، فحقق بالضبط النتيجة المعاكسة، عاصفة كبيرة جداً. والفحص الذي نفذه رجاله حول كريم تمّ داخل الجيش، حيث يوجد كل من سئلوا عنه – وبينهم مستشارة رئيس الأركان السابقة لشؤون النساء، العقيد راحيل تابت فيزل - وقد امتدحوا اعتدال وجوهرية كريم منذ عودته للخدمة النظامية في الحاخامية. وخدمت كريم فترة خدمته كمقتل. في شبابه كان قائداً متميزاً لسييرت المظليين. والفكرة كانت أنه الشخص الأنسب لإتمام الخطوة التي يقودها رئيس الأركان لإعادة الحاخامية العسكرية إلى حجمها الطبيعي ووقف معارك السيطرة التي أدارتها مع سلاح التعليم. وما نسوا فعله في هيئة الأركان العامة هو الفحص عبر غوغل. فمحرك البحث متوفر، بداهة، لوسائل الإعلام وبعدهم لرجال السياسة من اليسار الذين وجدوا فيه غنيمة كبرى: مجموعة فتاوى لكريم قبل 12-14 عاماً، حينما كان خارج الخدمة العسكرية، وبينها مواقف متطرفة عن اغتصاب النساء وقت الحرب، وقتل مخرّبين جرحى والخدمة العسكرية للنساء.

ووقع رئيس الأركان في شرك، بين مطالب اليسار لإلغاء التعيين وبين الدعم الواسع الذي وفرته الصهيونية الدينية لكريم. وفي الخلفية تدخل ضباط كبار من القوات الاحتياطية، وقدامى المظليين، الذين رأوا في كريم واحداً منهم بسبب ماضيه. ولو ألغى آيزنكوت التعيين، لأقام على نفسه المعسكر الديني، الذي كان قد وقف له بالمرصاد منذ قراره إخراج مجال الوعي اليهودي من مسؤولية الحاخامية، وبسبب الأنظمة الجديدة للجيش التي قيّدت طول اللحى. فلا تملك رئيسة ميرتس، زهافا غالئون، التي خرجت ضد التعيين، فرقاً متماثلة معها في الجيش، فيما توجد مثلها للبيت اليهودي ولحاخامات الإعداديات العسكرية.

وآيزنكوت لم يحب تصريحات كريم. ومنطقي الافتراض أنه لو كان يعلم بها مسبقاً لما صادق على التعيين. ولكن رئيس الأركان اتخذ قراراً بارداً – عدم التراجع عن التعيين وتحمّل الأضرار. وفي الطريق، فرض على الحاخام الأكبر الجديد رسالة إذعان. فقد نشر كريم رسالة مفصلة للجنود شدّد فيها على خضوع الحاخامية العسكرية لرئيس الأركان وللتراتبية العسكرية، وواجب الانصياع للأوامر واعترافه بـ «المغاير والمختلف» القائم في الجيش وبمساهمة كل جندي وجندية، «من دون ارتباط بميوله الجنسية أو طائفته أو القومية التي ينتمي لها». صحيح أن رئيس الأركان تلقى انتقادات من اليسار، لكنه هدّأ لوقت ما الجبهة مع الصهيونية الدينية. وعلى الطريق ربح حاخام أكبر مطيع، يعرف جيداً أنه مدين له تمرير المنصب.

وحينها جاء ليفنشتاين. فخطاب الحاخام من إعدادية عاليه العسكرية في مؤتمر «صهيون القدس» عبر، كما وصف ذلك يائير أتينجر، مزيج من الترهيب، الخوف والمرارة. وليفنشتاين هو اليد اليمنى وشريك رئيس الإعدادية الحاخام إيلي سدان، الذي فاز هذا العام بجائزة إسرائيل، معتاد على نيل العناق من الجيش. والإعدادية ربّت وأهلت مئات كثيرة من المقاتلين والضباط، الذين يملأون صفوف وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي. وسقط عدد من متخرجيها في المعارك ـ المقدم عمانويل مورنو، الرائد روعي كلاين، الرائد أليراز بيرتس ـ تحولوا في العقد الأخير إلى رموز قومية جراء بطولاتهم. وبرز متخرجون آخرون كقادة ألوية وكتائب ممتازين. ومنذ سنوات ووزراء الدفاع ورؤساء الأركان يزورون الإعدادية للإعراب عن تقديرهم لدورها التربوي. والحاخام سدان، له انتقادات كثيرة تجاه سلوك الحكومة والجيش في مواضيع شتى، وقد حرص على تغليف أقواله بطبقات من الديبلوماسية والتشديد على رغبته في وحدة إسرائيل. ومرت حالات، مثل الخلاف حول غناء النساء في مراسم عسكرية، قرر فيها سدان التراجع التكتيكي من أجل منع صدام مباشر مع قيادة الجيش.

ولكنه في خطاب ليفنشتاين أخرج الأفعى من الكيس. وللمهتمين ننصح بمشاهدة الخطاب كاملاً. وقد بدا ليفنشتاين في بعض المقاطع عدوانياً ومستفزاً للجيش. وفي مقاطع أخرى بدا مهاناً، وتقريباً ضحية. والعاصفة الأولى أثارتها انتقادات الحاخام للمثليين، الذين وصفهم بـ «الشاذين». واشتكى ليفنشتاين من أن الجيش يفرض على متخرجي معسكرات الأغرار التعرف إلى هذه الظاهرة عن قرب – وحينها تفاخر كيف أنه أفلح في التدخل ووقف محاضرات الشذوذ أمام قادة المستقبل. وبالمناسبة فإن المبادرة للمحضارات، ولدت قبل خمس سنوات في أيام العقيد يهودا فوكس (حالياً عميد وقائد فرقة غزة) كقائد لكلية الضباط. وفوكس الذي نشأ في بيت متدين، توصل لاستنتاج بأنه إذا كانت نسبة لا بأس بها من السكان تدرج ضمن المثليين، فتقريباً كل قائد سيكون آمراً على شخص من المثليين ومن الأفضل أن يكون مستعداً سلفاً للتعامل مع التعقيدات الناجمة عن ذلك.

وكان الخطاب أكثر من هجوم على المثليين، حيث وصف الإصلاحيين بأنهم «تيار مسيحي»، وزعم أن الجيش الإسرائيلي يلزم جنوده بمشاهدة مسرحيات تطفح بالدنس. وعرض الحاخام شرخاً هائلاً بين مواقف التيار الحريدي القومي وبين سياسة الجيش الإسرائيلي. واتهم ليفنشتاين الجيش بتشجيع مقاربة التعددية الدينية، والثقافية، والتسامح المفرط مع «الآخر» وبداهة – بالضعف إزاء العدو في ميدان القتال، الذي يتجلى في الحساسية الزائدة تجاه أرواح المدنيين العرب في الحرب، عبر تعريض أرواح جنودنا للخطر. وقبل سبع أو ثماني سنوات، في هيئة عسكرية، تحدث الحاخام سدان بشكل مشابه جداً. وألمح سدان إلى أن غرس قيم الديموقراطية والتعددية يجري كجزء من محاولة مدروسة من جانب الغرب لتقويض المشروع الصهيوني. ومن أجل صد هجمتهم، ينبغي التمسك بالقيم اليهودية. وهذا يتصل أيضاً بالأخلاق العسكرية البديلة، التي ستحرر الجيش من قيود الأخلاق الغربية التي تعرض للخطر حياة جنوده دون اضطرار.

وكرّر ليفنشتاين هذا الموقف حالياً، بفظاظة أكبر. وزعم في محاضرته أن الجيش لم يعد معنا، نحن المتدينين. فقد سيطرت جهات ما بعد صهيونية على سلاح التعليم، الذي ينال من رئيس الأركان تفويضاً حصرياً لتربية الجنود ويدير حرباً ضدنا. في البداية عملوا على تعزيزنا، واليوم يرون فينا خطراً. لا يزال المقاتلون المتدينون مطلوبين، وبشكل أقل كقادة كبار. الجيش يضع بشكل مخطط عراقيل أمام تقدمهم. وقال إن الحل سيكون بتأهيل كوادر إضافية من صفوف متخرجي الإعداديات ومدارس التسوية الدينية، ممن لا يخضعون لهذه الإملاءات، ويناضلون من أجل مواقعهم في الجيش. وإذا ظهرت حاجة، يتم إرسال المتخرجين إلى النيابة العسكرية، من أجل المساعدة في إزالة الكوابح المفروضة على القادة في الحرب.

وكثير من مزاعم ليفنشتاين من دون أساس. فعملية «الرصاص المسكوب» في قطاع غزة، التي اشتكى الحاخام من تردّد الجيش الإسرائيلي خلالها، برزت تحديداً بتبنيها سياسة غير رسمية بـ «الحد الأدنى من المجازفة لجنودنا» وكبد هذا المدنيين الفلسطينيين أرواحاً. في «الجرف الصامد» قبل عامين، قتل ما لا يقل عن 500 طفل وصبي فلسطيني (من بين 2200 قتيل، وفق معطيات الأمم المتحدة)، قلة قليلة منهم شاركوا في القتال. وآيزنكوت لا يخوض جهاداً ضد الصهيونية الدينية، وإنما يقود في أحسن الأحوال معركة ضد ظواهر عدة في الحاخامية تؤثر سلباً، حسب رأيه، على الجيش. ولا أساس أيضاً للاتهام بشأن ظلم مقصود ضد القادة المتدينين. في المضي خدم جنرالات متدينون في هيئة الأركان. ومشروع الإعداديات الدينية، التي عاليه كانت الأولى بينها، ابتدأ في 1988. فقط حالياً يصل أول متخرجيها إلى رتبة عميد. وبقدر مرور الزمن، فإن عددهم في المراتب العليا سوف يزداد. ويصعب تصديق أن هيئة الأركان، أو أياً من الجنرالات، يقلق نفسه بمسائل الإيمان الديني لضابط قبل ترفيعه. والضباط معتمرو «الكيبا» بعيدون عن أن يكونوا في سلة واحدة. وليسوا جميعهم متخرجي إعداديات، كما أن معظمهم، على مر السنين، يتبنون الرواية العسكرية، حتى في الأماكن التي يصطدمون فيها بمعسكرهم. كما أن نفوذ الحاخامات محدود. والبرهان الأفضل هو التزايد الهائل في نسبة الفتيات المتدينات اللواتي يتجنّدن للجيش، رغم المعارضة الواسعة من جانب الحاخامات.

وقد أثارت أقوال ليفنشتاين العاصفة المعهودة للإدانات والتأييد. رئيس شعبة الأفراد، الجنرال حاجاي طوبلنسكي، الذي يمرّ حالياً بمرحلة تحرر معين جراء صراعاته المتكاثرة مع الوسط الديني، أوقف مؤقتاً محاضرات ليفنشتاين في الهيئات العسكرية. ويتوقع قريباً المزيد من التدقيق في دعوة محاضرين للوحدات العسكرية في قضايا مختلفة. بالمقابل، فإن 380 حاخاماً وقعوا على عريضة تأييد لمواقف ليفنشتاين. الوزير نفتالي بينت، زعيم البيت اليهودي، نشر بيان تحفظ من أقواله. وعدا عن معارضة بينت لمهاجمة المثليين، فهناك اعتبار سياسي. إذا كان بينت يطمح لتزعم الدولة مستقبلاً، فلا يمكنه أن يتماثل مع الجناح المتعصب في حزبه. ليس هكذا يشقون الطريق للمركز.

أما رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، فأطلق تحفظات رخوة في الكنيست رداً على أسئلة. وعند سؤاله عن سبب عدم إصداره مبكراً بيان إدانة حاسماً، بالسرعة التي رد فيها على تصريحات الناقد السينمائي من إذاعة الجيش، غيدي أورسار، رد غاضباً: «لست مغرداً». كما أن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، لم يخرج عن طوره. وقال رداً على أقوال ليفنشتاين: «في كل منظومة هناك خلل وأعشاب ضارة» – وفقط أمس تم استدعاء ليفنشتاين وسدان لحوار استيضاحي لدى مدير عام وزارة الدفاع الجنرال أودي آدم. وليبرمان ليس نصيراً لحاخامات، ولديه خلافات معهم في قضايا دينية تتعلق بالمهاجرين الروس، لكن من الأفضل عدم حبس الأنفاس. مشكوك أن يخرج في صدام جبهوي مع حاخامات الإعداديات العسكرية. ومن يوجد في الجبهة هما آيزنكوت وطوبلنسكي، اللذان وجدا نفسيهما في قرب واحد ليس فقط مع سلاح التعليم، وإنما – حسب ليفنشتاين وأنصاره ـ أيضاً مع الاتحاد الأوروبي، والصندوق الجديد لإسرائيل وباقي أعداء الدولة.

إن الرد البطيء لنتنياهو وليبرمان على تصريحات الحاخامين يتناقض مع ردود الفعل في الحكومة على العاصفة المناوبة التي خلقتها هذا الأسبوع محطة الإذاعة العسكرية، وهذه المرة حول بث البرنامج قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

وأمس ظهراً استدعي قائد إذاعة الجيش، يارون ديكل، لحديث توبيخ لدى وزير الدفاع، حيث قال له ليبرمان بأنه وفق المنطق الذي أدى إلى بث البرنامج حول الشاعر الفلسطيني، يمكن أيضاً أن يدرج في الرواية الإسرائيلية تراث المفتي الحاج أمين الحسيني، أو الثناء في الإذاعة على البلاغة الأدبية لكتاب أدولف هتلر، «كفاحي».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل