المحتوى الرئيسى

قمة عربية فى زمن غير عربى

07/23 22:15

تُعقد القمة العربية فى موريتانيا فى ظروف محلية وإقليمية ودولية، تؤكد أننا نحيا فى زمن غير عربى، ولكى نفهم ذلك؛ فإنه من المفيد الرجوع إلى أصل مؤسسة القمة العربية، فقد دعت مصر إلى إنشاء مؤسسة القمة العربية، والتى لم ينص عليها ميثاق جامعة الدول العربية فى أعقاب قرارات إسرائيل، بتحويل مجرى مياه نهر الأردن، وعُقدت القمة العربية الأولى فى القاهرة يناير 1964، والثانية بالإسكندرية فى سبتمبر 1964، وهى القمة التى قررت تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى، والتى عُقدت بين الدول العربية عام 1950، وقررت القمة إنشاء قيادة عسكرية مشتركة مقرها عمان بالأردن، لمواجهة المخططات الإسرائيلية، وفى أعقاب نكسة 1967، عُقدت القمة العربية بالخرطوم، والتى اتخذت قرارات باللاءات الثلاث؛ لا تفاوض ولا اعتراف ولا سلام بإسرائيل، واستمرت تلك الاستراتيجية حتى عقدت مصر وإسرائيل اتفاقية السلام فى مارس 1979، ثم القمة العربية يناير 1992، والتى قررت استخدام القوات العربية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقى، وقمة بيروت 2002 التى وضعت استراتيجية السلام مقابل الأرض بين العرب وإسرائيل؛ فما الذى حدث؟

منذ الغزو الأمريكى للعراق، وانقسام العرب حوله، والثورات العربية عام 2011 فى تونس ومصر وليبيا وسوريا، وتنازع العرب بشأنها إلى الحد الذى دفع الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية، إلى تحميل هذه الثورات ــ خطأــ مسئولية فشل العمل العربى المشترك، وعلى رأسه الجامعة ذاتها، انفرط العقد العربى، ولم يعد له وجود سوى فى مبنى الجامعة المطل على النيل الخالد، على الرغم من أن جامعة الدول العربية لم تغنِ فقيرا، ولم تشبع جوعانا، ولم تكسِ عريانا، ولم تعلم أُميا، ولم تيسر السفر والعمل والتملك داخل أراضى أعضائها، ولم تحافظ ــ وهذا هام على سلامة وسيادة الدول العربية أعضائها، بل على العكس تماما، باركت ــ وربما دعت حلف الناتو للإجهاز على الدولة الليبية، ولم تتخذ موقفا موحدا إزاء ما يدور فى الوطن العربى.

وعلى الرغم من أن الأهمية القصوى للقمة العربية فى نواكشوط، إلا أنها ــ عكس القمم العربية الأخرى تُعقد فى زمن غير عربى، وذلك بالنظر إلى عدة تطورات هامة، أدت إلى تهميش الدول العربية وإبعادها عن أى دور فعلى فى النظام الدولى؛ فمن ناحية، لا يزال النظام الدولى يقوم على التوازن الدقيق بين الفاعلين الخمسة الكبار؛ الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبى واليابان، وهو نظام مبنى على القوة والتنسيق وعزل الأطراف غير الفاعلة وعلى رأسها الدول العربية، ومن جانب آخر؛ فإن النظام الدولى لن يعود مرة أخرى إلى الهوية القومية المتشددة، فى الوقت الذى تنهار فيه الهوية العربية، وتنشأ هويات عربية فرعية متشددة تهدد الدول العربية التى تتسم بالهشاشة أصلا، مثل داعش والإخوان والسلفيين واليسار الجديد كالاشتراكيين الثوريين وغيرها، ويضاف إلى ذلك أن دول الجوار المتمثلة فى إسرائيل وتركيا وإيران قررت لم الشمل والتنسيق الاستراتيجى فيما بينها لتطويق ما بقى من النظام الإقليمى العربى، وهكذا بدأت دول عربية تهرول إلى إسرائيل وأخرى تسرع الخطى إلى طهران وثالثة تلهث إلى إسطنبول، والاستراتيجية المشتركة لدول الجوار تكمن فى؛ أولا: عزل الدول العربية عن مجريات السياسة الدولية، وثانيا: إعادة السيطرة المشتركة على الدول العربية، وثالثا: التأكيد على مفهوم الدولة الفاشلة فى الوطن العربى، وفوق كل ذلك إعلان فشل الدولة القومية، وهو ما يعنى إعادة تجزئة الدول العربية على أسس تحقق مصالح هذا التحالف الثلاثى والقوى الكبرى المساندة له، وأخيرا: دعم ومساندة قوى التطرف الدينى بكافة صوره حتى تشكل، ليس فقط تهديدا لأمن الدول العربية، وإنما لتغيير مفهوم العدو والتهديد الرئيسى من دول الجوار، خاصة إسرائيل إلى كيانات أخرى داخل الإقليم العربى.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل