المحتوى الرئيسى

صباح الخير أيتها (الدبابة)

07/23 17:20

اقرأ أيضا: هل هذا وعى إسلامى مختلف أم (مضطرب)؟ المسيرى وأنسب أوقات حضور الغياب تركيا وإسرائيل.. العالم يمضى هكذا قبل أن نصبح حديثا فى تاريخ الحكايات أقباط مصر ليسوا تعدادا للمزايدة والمقايضة

(إن هذا الانقلاب كان مخططاً له بعناية الا أنه استعان بقواعد اللعبة التي كانت شائعة في سبعينيات القرن الماضي معتبراً أن الأمر بدا كأنه في تشيلي عام 1973 أو أنقرة عام 1980 أكثر منه في دولة عصرية في سنة 2016) .. أظن أن هذا الوصف يعتبر من أدق التوصيفات لما حدث ليلة الجمعة الماضية 15/7 ..لكن مما يحيرك بالفعل أن حلف الناتو بالتأكيد كان على علم بالانقلاب .. مخابرات اوروبا الفاعلة بالطبع كانت ايضا على علم..الم يخطر ببال كل هؤلاء أن ما يجرى فى هذه الليلة هو كما يقول الشباب(فيلم ابيض واسود) ..الأمر بالفعل محير وغريب ..ففرضية أنها مجرد( قرصة أَذن) لأردوغان تبدو باهتة وخايبة فليس هكذا تدار الأمور فى  السياسة والتاريخ هو كلام أقرب ما يكون الى الغاز المغامرون الخمسة.. وليس أخيب ولا أبهت من هذا إلا القول بأن أردوغان هو الذى دبر الانقلاب ..بدليل أنه قال أن الانقلاب كان (لطف من الله) .. !!   كل التبريرات والتفسيرات جاهزة ومقبولة ويجرى نشرها على أوسع نطاق إلا القول بشيئين : الأول بأن الشعب التركى لم يعد هو ذاك الشعب الذى يقبل ويقف ساكنا أمام من يحتقره ويزدرية ويلغى إرادته فى اختيار السلطة التى تحمه  حتى ولو كان الجيش قلب الأمة التركية وتاريخها العريق ..(نهار اسود يوم أن يصبح هناك شعبا فى المنطقة العربية والإسلامية قادر على دحر الدبابة وهى تسير فى طرقات المدينة..)             والثاني القول بأن أردوغان كان يستعد لهذا اليوم جيدا ..(ونهار أكثر سوادا يوم أن يكون فى تاريخ حركات الإصلاح الاسلامى رجل أو حزب بهذه الدرجة من الوعى والدهاء والقدرة ..)هو فى الحكم من 12 سنة ويعلم أن أعداؤه فى الداخل والخارج ليسوا قليلين بل وخطرين..فهل يتخيل أحد أنه كان يجلس على البوسفور يشرب شاى بالياسمين؟ ..التفسير الأول مزعج والثانى أكثر إزعاجا... لأمريكا التى لطالما حرصت على أن ترسخ الصورة الذهنية لها بأنها تفعل ما تشاء..هذا ليس صحيحا ويتأكد كل يوم ..                             

 ولأوروبا الجارة التاريخية اللدودة للمساجد و للمأذن ..                                                           

وبالطبع للأنظمة العربية السحيقة صاحبة التاريخ العتيق فى احتقار الشعوب .                                  كى ما نستطيع أن نفهم ما يحدث الأن فى تركيا بعد 15/7/2016 علينا أن نعود قليلا الى عشرينيات القرن الماضى حين بدأت الطبقة الكمالية فى التكون بعد حرب الاستقلال التى خاضها مصطفى كمال

1919 - 1923)  على رأس تحالف كبير ضم الأتراك والأكراد والشركس والعرب وقوات الجيش العثمانى التابعة للمجلس الوطنى الكبير الذى كان يضم علماء وضباط ورجال أعمال واعيان وموظفون وإداريون من مختلف الطبقات

وما ان انتهت الحرب حتى بدأ صراع سياسى وفكرى كبير أدى فى النهاية الى إلغاء الخلافة فى 3/3/1924 وولادة الجمهورية وتكوين حزب الدولة (الشعب) الذى التف حوله عدد كبير من رجال المال والأعمال والفكر وأثرياء ما بعد الحرب وتكونت طبقة وسطى جديدة ..أحكمت الجمهورية قبضتها بالقوة المسلحة على كل شىء  واطلقت خطابها التحديثى فى التاريخ المعاصر للأمة التركية وهو الخطاب ورؤيته الذى أصبح الرواية الوحيدة للتاريخ  والواقع التركى.                                                   

  فى نهاية الثلاثينيات أدرك  مصطفى كمال أن قبضة الدولة الثقيلة أحبطت المجتمع التركى وان حرب الاستقلال لم تعد تكفى كمصدر للشرعية وان قدرا مطلوبا من الانفتاح السياسى بات ضروريا _كما يروى لنا المفكر الكبير د/بشير نافع _لكن الرجل مات عام 1938 وقامت الحرب العالمية الثانية وهو ما أدى إلى تأجيل مشروع الانفتاح السياسى ..بعد الحرب عام 1945 اتخذ حزب الشعب قرارا تاريخيا بتحويل النظام السياسى إلى التعددية ..فى أول انتخابات لم يتغير شىء فى ثانى انتخابات عام 1950 حقق الحزب الديمقراطى الذى أسسه ثلاثة من حزب الشعب السابقين(عدنان مندريس وجلال بايار وفؤاد كابروللو المؤرخ المعروف )حقق هذا الحزب فوزا كبيرا وبدأ فى تقديم رؤية تصالحية مع التاريخ العريق للأمة التركية ..حتى حدث أول انقلاب عسكرى فى تاريخ الجمهورية عام 1960 حيث سيطر على الحكم 38 ضابطا برئاسة الجنرال جمال جورسيل وأحال الانقلابيون 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد(تذكر هذه الأرقام جيدا حتى تعلم  طبيعة وحدة الصراع القائم الأن)  وتم وقف نشاط الحزب الديمقراطي واعتقل رئيس الوزراء عدنان مندريس الذى أعدم ورئيس الجمهورية جلال بايار الذى  حكم عليه بالسجن مدى الحياة وكانت  التهمة هي (اعتزامهم) قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية

بعد رؤية عدنان مندريس معلقا  على حبل المشنقة بإمكانك ان تقول أن شرخا كبيرا بين الأمة التركية وهذا الحزب(الشعب) الذى ارتبط اسمه باسم مؤسس الجمهورية قد بدأ فى التكون والاتساع ..لكن هيهات هيهات فالطبقة( الكمالية)التى حكمت وسيطرت طوال القرن العشرين كانت قد تغلغلت فى الدولة عميقا عميقا من رأسها حتى أطراف أظافرها كما يقولون ..واستطاعت ان تقبض على قلب هذه الدولة فى كلتا يديها مما أتاح لها السيطرة التامة على شئون البلاد حتى وهى خارج الحكم خاصة السيطرة على الجيش والقضاء والإعلام ..وتشكلت شبكة مصالح وعلاقات بالغة التعقيد وربطت بينها عائلات وأفراد وشركات وأعمال وصناعة ودور إعلام ونشر واستطاعت أن تتوالد وتتوارث مواقع النفوذ والتأثير..وأصبح الجيش هو أداة هذه الطبقة للقبض على مقاليد السلطة السياسية والفكرية كلما بدا أن خطرا يتهدد سيطرتها انقلابات 1971/1980/1997 أو الانقلاب الأبيض كما يوصف .

عام 2002 صعد الى الحكم حزب العدالة والتنمية ببرنامج يقوم على تعزيز الديمقراطية ودعم الحريات والسيطرة على شبكات القوة والثروة والنفوذ ..وبدأت الحرب ..حرب عسكرية وأمنية وقضائية وفكرية..هل حسمت هذه الحرب ؟؟ لا .. لكنها طالت بسبب النجاح الاقتصادي الهائل الذى حققه الحزب ..هى حرب حقيقية بل وحامية الوطيس لاقتلاع مراكز القوة القديمة والتحكم السري والعلني(حتى الأن و منذ الانقلاب الفاشل تم اعتقال عشرة آلاف شخص وأقيل 55 ألفا من القضاء و الجيش والتعليم ووزارة الرياضة)

حزب العدالة والتنمية – تاريخيًا - ينتمي إلى مدرسة الإصلاح الإسلامي - الحركي التى ظهرت فى العالم الإسلامي بعد سقوط الخلافة..

لكن الواقع المحيط به كان أكثر تعقيدًا فيما يتعلق بقبضة الدولة العميقة الكاسرة التى تحكم قبضتها على كل المجالات العامة كما ذكرنا سابقا.. وكان القضاء طوع يمينها ..مستصدرة أي حكم قضائي ضد ما تريد ومَن تريد.. وأحكمت أوصال هذه الدولة برباط متين للغاية.

سنعرف بعدها أن جماعة (الخدمة- فتح الله جولن) استطاعت اختراقها بمهارة فائقة وبقدر غير مسبوق من الترخص الفقهي (اختبارات الكحول وكشف علامات الصلاة على الركبتين والحجاب وقنوات الاتصال مع المنظمات اليهودية.. وأشياء كثيرة مثل ذلك..)

بالتطور الطبيعي والنوعي لحركة الأجيال خرج (قسم الشباب) فى الحزب بكامله تقريبًا مع مسئوله رجب أردوغان من حزب البروفيسور أربكان (الفضيلة)وأعلنوا حزبهم الجديد فى 14/8/2001 ولأن (هوى النفوس وحقدها الملحاح) كما يقول شوقي والذي سيكون حاضرًا بعدها فى المشاهد كلها..بالمناسبة كان هذا (الحقد الملحاح) يخيم بكثافة شديدة على علاقة البروفيسور أربكان بالشيخ فتح الله جولن إذ أنهما من مدرستين مختلفتين حيث الثاني من مدرسة الشيخ سعيد النورسى ومدارس النور وللحقيقة هو انحرف عنها فيما بعد ..كما أنهما من أعمار متقاربة وما يحمله ذلك من ندية وتنافس وأيضًا لأن جولن كان يعمل بنشاط مع الخصوم التقليدين لأربكان حزب الشعب الجمهورى وحزب الحركة القومية.. سيفتح جولن (والنفوس لها سراديبها ودهاليزها) ذراعيه للشباب القادم من أرض الخصوم ويمدهم بمدد من كوادره التى كانت تخرجهم مدارسه المنتشرة فى ربوع تركيا أفواجًا أفواجًا.. ليس هذا فقط ولكن سيكون له يد فى المعارك الحاسمة التى سيخوضها حزب(العدالة والتنمية )بعدها مع القضاء والجيش والشرطة.. و سيقرع له أبواب واشنطن.. ذلك أن صاحبنا (الشيخ جولن) اختار العيش فى أمريكا (بنسلفانيا) من عام  1999م ولأنه كما ذكرت أولاً له مداولات غير مسبوقة فى الترخص الفقهى والسياسى سنجده يتمتع بعلاقات وطيدة مع دوائر صهيونية نافذة فى أمريكا.. بل سيحكى الرواة عن دموعه التى سالت على مشهد الأطفال والنساء فى المخابىء فى إسرائيل حين ضرب صدام  حسين اسرائيل بالصواريخ وقت حرب تحرير الكويت.                        

سينجح حزب العدالة والتنمية فى تحويل (التدين) إلى فائض يخدم الوطن والناس فينهض بالمجتمع التركي اقتصاديًا واجتماعيًا على نحو يكفل له النجاح الانتخابي..مع ما أحدثه ذلك من تعرية رهيبة لألوان من الفساد كانت مغطاة فى الماضى.. سيصحب كل ذلك متغيرات إقليمية حادة.. فتقوم ثورات الربيع.. وسيفتح الملف المذهبى والطائفى فى سوريا على أسوأ ما تكون الفتحات أخذًا فى طريقه مشكلة من أعقد مشاكل الشرق الأوسط(الأكراد)..

 بعدها سنكون أمام (عدالة وتنمية) جديد ومتطور ومختلف و(رجب أردوغان) أكثر دهاء وأكثر قوة.. وسيكون على تحالفات الأمس أن تراجع نفسها وفق الاستحقاقات الجديدة.. ولأن هناك الكثير من الأسئلة تركت بغير إجابات مقنعة وهى الاسئلة التى تتعلق بأشياء كثيرة عن جماعة (الخدمة) وشيخها فتح الله جولن.. الذى له فى دنيا الترخصات والعلاقات المريبة سوابق كثيرة.. فقد كان محتما وضروريا أن تأتى ساعة المواجهة .                    

سيكون علينا أن ننظر باهتمام الى كثير من التقاريرالتى تتابع التطور السياسى الخطير الذى يشهده الإقليم كله وتشير بوضوح إلى أن هناك قنوات فتحت على اتساع كبير مع أطراف كثيرة.. وحوارات مكثفة دارت فى قصور عديدة وأجهزة كبيرة إقليميًا ودوليًا.وما يجمع عليه كل هؤلاء هو هدف واحد: الخلاص النهائى والتاريخى من هذا المسار (الحركى_الإصلاحي) فى الحالة الإسلامية وعلى نحو شامل وكلى.. مع الترحيب التام وإفساح المجال الكامل لباقى المسارات الدينية  لتشق طريقها فى المجتمعات بطريقة مختلفة لا تحمل فى داخلها هذه افكار هذا المسار وهذه المدرسة..(من الزوايا والتكايا وطرق الدراويش  حتى داعش والقاعدة)

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل