المحتوى الرئيسى

«مكتبة ساسة»: كتاب «تاريخ داعش» يرويه «فوَّاز جرجس» - ساسة بوست

07/23 14:51

منذ 50 دقيقة، 23 يوليو,2016

السحر المحمول، الرفيق الأوفى، المهرب الأسمى من الواقع إلى الواقع، كثيرٌ ما قاله العظماء عن الكتاب، لكنّني أقتبس هنا ما قاله «ويليام ستايرون» «الكتاب العظيم يجب أن يترك لك الكثير من الخبرات، ويُشعرك بالإرهاق الخفيف مع نهايته؛ فأنت تعيش عدّة حيواتٍ أثناء القراءة».

ولأننا في حاجة إلى أن نرى العالم بعيون أخرى، تُقدّم لكم «مكتبة ساسة» كل سبت لمحة عن كتاب جديد، وحياة جديدة نختبرها سويًا، من تلك التي لم تُترجم بعد إلى المكتبة العربية.

«إلى النساء اليزيديات، اللاتي عانين من وطأة (التطهير الثقافي) الداعشي، وتحمَّلنه بكل هذا الجَلَد. شجاعتهنَّ، في وسط بحر الهمجية، شهادة حيَّة على قوّة النفس البشرية».

بهذا الإهداء، بدأ «فواز جرجس»، أستاذ العلاقات الدولية بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، كتابه الجديد، ISIS: A History، الصادر في إبريل (نسيان) من العام الجاري. الكتابُ دراسةٌ عن صعود تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام «داعش»، أو «الدولة الإسلامية»، والعوامل التي ساعدته في انتزاع «راية الجهاد» العالمية من تنظيم القاعدة.

لا يُهمل «جرجس» القوّة العسكرية لتنظيم الدولة، خاصّة وأن 30% من قادتها من العسكريين ورجال الشرطة السابقين، الذي استطاعوا تحويل التمرّد المحلّي المتمثّل في تنظيم القاعدة في العراق، إلى تنظيم الدولة الإسلامية المُخيف الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، وتمتدّ أذرعه في عدّة بلدان عربية، منها مصر، التي يتمركز بها تنظيم «ولاية سيناء»، المُبايع للدولة الإسلامية وخليفتها، «أبي بكر البغدادي». استطاعت داعش أيضًا  تأمين قوتها الاقتصادية عن طريق «السيطرة على منابع النفط والأراضي الزراعية الخصبة، وفرض الضرائب، والأنشطة الإجرامية».

لكن «جرجس» يرى أنَّ قوّة داعش الحقيقية، التي ميّزتها عن التنظيمات السابقة، استمدّتها من قدرتها على استغلال الفشل والفساد السياسي الذي اكتوى منه المواطنون العراقيون على مدار عقود؛ فمع مُغادرة القوات الأمريكية العراق في 2011، واشتعال ثورات الربيع العربي، توقّع الشعب العراقي أنّه سيتنفّس قليلًا من هواء الحرية أخيرًا، وأن سياسات الإقصاء والعُنف التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة ليس لها مكان في عراق ما بعد الاحتلال، لكن «نوري المالكي»، رئيس الوزراء العراقي، انتهج سياسات، وصفها العديد من معارضيه بأنها مُشابهة لسياسات «النظام البعثي»، وقائده «صدام حسين». سعى «المالكي» إلى تأمين حُكمه ونفوذه، وبسط قوّته على جميع الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقمع التظاهرات، واعتقل العديد من العراقيين، منهم نساءٌ تمّ اعتقالهن، والاعتداء عليهن، «بل إعدامهن»؛ لأن رجالهن شاركوا في فعاليات التظاهر والاحتجاج، طبقًا لتقرير المفوضية السامية للأمم المتّحدة لحقوق الإنسان. كلّ هذا، بينما ازداد الوضع الاقتصادي سوءًا؛ ليسحق المزيد من العراقيين الذي يعانون أصلًا من البطالة وارتفاع معدلات التضخم.

استغلّت داعش، بقيادة «البغدادي»، هذه الانتهاكات، وهذا الفشل الإداري والسياسي والعسكري، في إعادة بناء الجسور مع المجتمع السنّي العراقي، وخاطبت احتياجاتهم وغضبهم ضد النظام، لتكسب تأييدهم – أو حتى حيادهم – في معركتها ضد النظام. نستعرض في هذا المقال، تحليل «فواز جرجس» في كتابه للأوضاع السياسية والمجتمعية في العراق قبل وبعد الغزو الأمريكي، وكيف مثّلت الحطب الذي أشعل نيران داعش من جديد في العقد الحالي.

في أعقاب غزو التحالف الأمريكي للعراق، تحديدًا في الفترة بين عامي 2003 و2005، كانت العلاقة بين القبائل السنّية وقوات التحالف الأمريكية عدائية، أو على أفضل تقدير، غير ودّية على الإطلاق. ربّما خرج العراقيون مهللين عقب سقوط نظام صدام حسين في 2003، لكن الدولة العراقية «بقيت غير واثقة، ومتشككة في الولايات المتّحدة»، على حد قول «جرجس». ليس هذا بالأمر المستغرب؛ فالقصف  الأمريكي للعراق في أعقاب غزو الأخيرة للكويت، عام 1990، استهدف البنية التحتية العسكرية والمدنية، ومحطّات الكهرباء وتنقية المياه. وفي فبراير 1991، بعد استجابة العراقيين لمطالبة الولايات المتّحدة لهم بالثورة على نظام «صدام»، لم تقدم الولايات المتّحدة الدعم الذي وعدت به، وتركت العراقيين لبطش صدام.

ناهيك عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتّحدة، بقيادة الولايات المتّحدة، على العراق، والتي ساهمت أكثر في انهيار شبكات المياه والكهرباء، وأنظمة الرعاية الصحية والتعليم والزراعة، وفقد على إثرها الكثيرون أعمالهم، بل تم تسريح ثلثي الجيش العراقي. بين عقوبات المجتمع الدولي وسياسات الحكومة المحلية، تمزّق النسيج الاقتصادي الاجتماعي العراقي، وعانى الشعب من ارتفاع في معدلات الفقر وسوء التغذية ووفيات الأطفال. يرى جرجس أن هذا هو السياق الذي أدى إلى «الانتفاضة ضد قوات التحالف في 2003، على الجبهتين السنية والشيعية».

كيف خسرت القاعدة في العراق حاضنتها الشعبية السنّية

لكن أعوامًا من المقاومة ضدّ الاحتلال والحكومة العراقية الطائفية، أنهكت المجتمع السنّي، خاصّة مع الانقسامات الداخلية حول ما ينبغي فعله لكسب مزيد من النفوذ في عراق ما بعد صدام. بدأت المقاومة السنّية تُدرك استحالة الانتصار على التحالف الأمريكي عسكريًا، خاصة مع إعلان الولايات المتّحدة الدفع بالمزيد من قواتها إلى العراق.

تزامن هذا مع السخط المتصاعد ضد تنظيم القاعدة في العراق، ذلك الفرع الذي أنشأه «أبو مصعب الزرقاوي»، الأردني الذي هرب من أفغانستان مع رجال القاعدة في 2001، عقب الاحتلال الأمريكي. أرادت القاعدة، وفقًا لشهادة «سيف العدل»، أحد قياداتها العسكرية الرفيعة، توزيع رجالها على الدول المجاورة للحفاظ على شبكة «أسامة بن لادن» الإرهابية، والاستمرار في القتال، وهو ما نجح فيه «الزرقاوي» حين بايع تنظيمه في العراق، «التوحيد والجهاد»، بن لادن وأعلن ولاءه لتنظيم القاعدة المركزي، ليصبح اسمه تنظيم القاعدة في العراق.

يقول «جرجس» إن الغضب السنّي تصاعد ضد أساليب «الزرقاوي» شديدة الوحشية. الشيخ «أسامة الجدعان»، قائد أحد عشائر الأنبار، صرّح بالعداء لهؤلاء «الإرهابيين الأجانب»، الذين يدّعون أنّهم يضربون الاحتلال الأمريكي، بينما هم في الحقيقة يقتلون الأبرياء في الأسواق والمساجد والكنائس والمدارس، على حد قوله. أيضًا لم يرُق للمجتمع السني التجاهل الواضح من قبل «القاعدة» في العراق لسلطات العشائر والقبائل؛ إذ احتكر التنظيم الموارد في مناطق نفوذه،  في إطار استراتيجية رآها السنّيون «ليست مصممة لتحريرهم، بل للتحكم في الأرض والموارد والشعب».

سعيًا إلى تغيير نظرة العراقيين إليها على أنها تنظيم خارجي أتى ليستبدل بالاحتلال احتلالًا آخر، أنشأت القاعدة، في يناير (كانون الثاني) 2006، مجلس شورى المجاهدين، الذي انضوى تحت لوائه ستة جماعات سنّية إسلامية مسلّحة، منها «جيش الطائفة المنصورية»، و«كتائب أنصار التوحيد والسنّة». أيضًا سعى «أبو حمزة المهاجر»، وزير حرب التنظيم خلفًا للزرقاوي بعد مقتله، إلى إنقاذ العلاقات المتهاوية بين التنظيم والعشائر، فأعلن في سبتمبر (أيلول) 2006 عن استعداد القاعدة للعفو عن قادة العشائر، بشرط «التوبة» والانضمام للتنظيم. لكن الشيخ «أحمد ناجي الجبارة الجبوري»، قائد مجلس عشائر صلاح الدين، ردّ برسالة شديدة اللهجة على «المهاجر»، مصرحًا بأن العراق ليس تحت إمرة القاعدة، وأن التنظيم لم يأت لتحرير أهل العراق، وإنما لتخريب العراق وإخلائها من سكانها.

أيضًا فقد أدّى انهزام المقاتلين السنّيين أمام الميليشيات الشيعية والسلطات العراقية في 2006 إلى دفع المزيد والمزيد من الأفراد، قادة العشائر والجماعات السنّية إلى التحالف مع القوات الأمريكية، ومواجهة تنظيم القاعدة.

لم تسلم القاعدة من الانقسامات الداخلية، خاصةً بعد تولي «أبو حمزة المهاجر» القيادة؛ إذ رآه الكثير من مقاتلي القاعدة قائدًا ضعيفًا، وعارضوا استراتيجية اغتيال شيوخ القبائل، وكلّ من يختلف معه حتى من الجهاديين أنفسهم. وصل الأمر إلى المطالبة الصريحة بتغيير قيادة المنظمة؛ إذ نُشر مقطع مصوّر للجهادي «أبو أسامة العراقي» – يُزعم أنّه ضابطٌ سابق بجيش صدام حسين – يخاطب فيه تنظيم القاعدة المركزي، طالبًا حلّ بيعة تنظيم القاعدة في العراق، الذي استهدف المدنيين والمستشفيات والمدارس وقادة للعشائر، والأئمة، والعلماء، وأدّى إلى انقلاب المجتمع على التنظيم. رأى «أبو أسامة العراقي» أن عراقيًا لابد وأن يتولى قيادة التنظيم، مثلما تولى أفغاني قيادة القاعدة في أفغانستان.

لكن القاعدة المركزية، رغبةً في عدم التهويل من شأن الصدع الداخلي، شجبت تصريحات «العراقي»، وزعمت أنها كاذبة. وفي اليوم التالي، 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2006، أعلن مجلس شورى المجاهدين إنشاء «الدولة الإسلامية في العراق». بايعت الدولة الناشئة ضابطًا سابقًا بالجيش العراقي، تحت اسم «أبي عمر البغدادي»، واتّخذت «بعقوبة» عاصمة لها، وشملت مدن بغداد، والأنبار، وديالا، وكركوك، وصلاح الدين، ومناطق أخرى.

مع ذلك، استمرَّت العداوة الخارجية من قِبل العشائر، والانقسامات الداخلية والعداوات داخل الجماعات الجهادية وبين بعضها البعض، في تمزيق التيار السلفي الجهادي، طبقًا لما كشفه قائد «جيش المجاهدين»، «أبو عبد الله محمد المنصور العيسوي»، وقال أيضًا إن «الزرقاوي» وخلفاءه استخدموا أساليب الترويع ضد أي شخصٍ مختلفٍ عنهم.

بحلول عام 2005، بدأت بعض المجتمعات السنّية في مقاومة القاعدة في العراق، ومهاجمة مقاتليها، مثل «عشيرة ألبو محل»، إحدى عشائر «قبيلة الدليم» في محيط مدينة القائم. وتصاعدت المواجهات، حتى اتّخذت شكلًا رسميًا في سبتمبر (أيلول) 2006، بتشكيل مجلس إنقاذ الأنبار من قِبل عشائر مدينة الرمادي، بقيادة الشيخ «عبد الستار الريشاوي»، الذي تعرّض للاغتيال لاحقًا، في سبتمبر (أيلول) 2007، بعد عدة أيام من لقائه بالرئيس الأمريكي «جورج بوش». أتى «الريشاوي» ضمن العديد من قادة القبائل والشخصيات العامة العراقية التي اغتالتها القاعدة والدولة الإسلامية في العراق.

بعدها، في أكتوبر (تشرين الأول) 2006، انضمّت العديد من العشائر، مُشكّلة «مجالس الصحوة» في عدّة مناطق، ليتشكل تحالف كبير انضم إليه مقاتلو السنة والمقاومة الإسلامية، سُمي بتحالف «أبناء العراق». اكتسبت حركة الصحوة زخمًا وانتشارًا كبيرًا في أقل من عامٍ واحد، ودعمتها الولايات المتّحدة دعمًا عسكريًا بالسلاح، وماليًا برواتب شهرية وصلت إلى 300 دولار – راتب احتاج إليه بشدة الكثير من شباب السنّة العراقيين، وكان حافزًا كبيرًا لانضمامهم إلى الصحوة، والتعاون مع قوات التحالف الأمريكي بدلًا من مقاومتها. أحد أعضاء الصحوة أكّد التعاون بين قوّات الصحوة والولايات المتّحدة، قائلًا بأنه تقاضى 700 دولار في شهرٍ واحد: 300 راتبه الشهري، و400 مكافأة على مشاركتهم في المهمات، بالإضافة إلى خطابات تقدير.

بالإضافة إلى شيوخ القبائل السنّية، تعاونت جماعات أخرى مع سلطات الاحتلال، مثل «جيش الإسلام»، الذي طرد رجال القاعدة في العراق من «أبو غريب» و«العامرية». جماعات أخرى رفضت الانضمام إلى التحالف، مثل «جيش رجال الطارق النقشبندي»، واستمرّت في مقاومة القوات الأمريكية. ونشأت تحالفات أخرى، أحدها كان «المجلس السياسي للمقاومة العراقية»، المؤلف من «جماعة أنصار السنة»، و«جيش الإسلام»، وجماعات أخرى. أدان المجلس الاحتلال، واعتبره مرفوض شرعًا وعقلًا وقانونًا، ورفض الاعتراف بأية حكومات أو قوانين تشكّلت بعد الغزو الأمريكي، لكنه أيضًا حارب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وهو ما يكشِف «معارضة المجتمع السني الواسعة، مع تنوعه الأيديولوجي، للقاعدة في العراق»، على حد قول «جرجس».

جديرٌ بالذكر أن قوات الصحوة لم تحظ بثقة الحكومة العراقية، ولا حتى القيادة السياسية السنية، التي رأتها تهديدًا سياسيًا.

بحلول عام 2010، فقدت القاعدة في العراق ملاذها، وتراجعت أمام ضربات تحالفات الصحوة والجماعات المنافسة. مُحاصرة، مُنهكة، وفاقدة للكثير من رجالها ونفوذها، احتاجت القاعدة إلى معجزة سياسية لتُحافظ على وجودها. وهو ما وفّرته سياسات الحكم الفاشلة من قِبل النخبة العراقية، وأبرزهم «نوري المالكي»، رئيس الوزراء العراقي بين عامي 2006 و2014.

بدأ المالكي حياته السياسية معارضًا شيعيًا لنظام الرئيس الراحل «صدام حسين»، وتولى رئاسة الوزارة عام 2006. سعى «المالكي» إلى ضمّ السنيين إلى النسيج الوطني عن طريق عدّة مبادرات، لكن تحركاته السياسية كانت محسوبة، بهدف تأمين نفوذه، أو استجابةً للضغط الأمريكي. لم يثِق المالكي برجال الصحوة السنّية، وكان رافضًا لتسليحهم؛ لأن هذا في رأيه يعني تحوّلهم إلى قوّة سياسية شرعية، ولأن الدولة هي الجهة الوحيدة صاحبة الحق في حمل السلاح، كما صرّح في مؤتمر صحفي عام 2006، مُشدّدًا على أن أي شخص خارج عن القانون سيتم التعامل معه. لكن الولايات المتّحدة ألجمت المالكي ومنعته من قتال رجال الصحوة. لم يرُق المالكي لقادة العشائر أيضًا؛ إذ انتقدوا فشله الأمني والخدمي علنًا. تحوّل الانتقاد إلى عداءٍ صريح؛ عندما قررت الولايات المتّحدة وضع قوات الصحوة تحت إمرة الحكومة العراقية عام 2008؛ قرارٌ رأته القبائل السنية خيانة وطعنة في الظهر. وقد كانت خيانة بالفعل؛ إذ أجرت السلطات العراقية تحقيقات مع العديد من رجال الصحوة، بخصوص جرائم ارتكبوها قبل وأثناء مشاركتهم في التحالف، مع أن السكان المحليين اعتبروهم أبطالًا نجحوا في تقليص معدلات العنف، وطرد القاعدة في العراق، وهو ما زاد الفجوة بين السياسات المحلية والوطنية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل