المحتوى الرئيسى

في ذكرى ثورة يوليو.. لماذا حلت الأحزاب السياسية؟

07/23 10:53

دأب الضباط الأحرار على مهاجمة رجال وسياسين العهد الملكي، ودشنوا محكمة الثورة والتطهير لمحاكمتهم بتهم الفساد السياسي.

ورسخ لدى ذهن مجلس قيادة الثورة أن سبب ما حل بالبلاد قبل ثورة يوليو كان بسبب رجال الأحزاب السياسية، ومماراساتهم التي أضرت من وجهة نظرهم بالعمل السياسي برمته وأيضاً بقواعد ممعايير الديمقراطية.

وصدر قانون تنظيم الأحزاب السياسية رقم 179 لسنة 1952 باقتراح من وزير الداخلية سابقا، سليمان حافظ، وظهر جليا وقتها أن القانون يهدف إلى إلغاء الأحزاب لا تنظيمها، ولا سيما حزب الأغلبية الشعبية وقتها "الوفد"، الذي شن حملة ضد القانون وضد سليمان حافظ.

لكن الدستور المصري الصادر عام 2014 قد نص في مادته رقم 5 على أن "يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسؤولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته على الوجه المبين في الدستور"، وجاء ذلك ليكون حائلا بين ما حدث في مثل هذا اليوم 16 يناير 1953 منذ 63 عام، حينما قرر مجلس قيادة ثورة يوليو حل الأحزاب السياسية ومصادرة أموالها.

وكانت البلاد وقتها تتكون من 4 مجموعات من الأحزاب مصنفة وفقا لتبعيتها، أولها الأحزاب الليبرالية متمثلة في الوفد والأحزاب المنشقة عنه وهي الأحرار الدستوريين والحزب السعدي والكتلة الوفدية، وثانيهما أحزاب القصر "السرايا" وهما حزبي الشعب والاتحاد، والمجموعة الثالثة تتضمن الأحزاب والجماعات الدينية ومنها جماعة الإخوان وحزب الإخاء وحزب الإصلاح الإسلامي.

وتتكون المجموعة الرابعة من فئة الأحزاب المصنفة بالتوجه الاشتراكي، وتضم مصر الفتاة، والعمال الاشتراكي، والشيوعي المصري، والفلاح المصري، والحركة الديمقراطية.

لكن القانون استثنى وقتها جماعة الإخوان، التي حلها أيضا بعد ذلك بعام في يناير 1954،  معتبرا أنه لا يعد حزبا سياسيا الجمعية أو الجماعة التي تقوم على محض أغراض علمية أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية.

وتزرع مجلس قيادة الثورة وقتها بأن الأحزاب السياسية أفسدت أهداف ثورة 1919، وأرادت أن تسعى ثانية بالفرقة، ولم تتورع عناصر منها عن الاتصال بدول أجنبية وتدبير ما من شأنه الرجوع بالبلاد إلى حالة الفساد السابقة بل الفوضى المتوقعة.

ونص القانون على أن تصادر أموال تلك الأحزاب، وإعلان مرحلة انتقالية تمتد لـ3 سنوات، وفي اليوم التالي أعلن رسميا تشكيل مجلس قيادة الثورة، وفي 23 يناير أُعلن تشكيل هيئة التحرير باعتبارها الحزب الوحيد المسموح به.

بداية الأحداث يرويها محمد نجيب في كتابه كنت رئيسا لمصر، في مساء يوم 8 سبتمبر 1952 اجتمع مجلس الوزراء في أول اجتماع له برئاسة اللواء محمد نجيب واستمر الاجتماع من الساعة السادسة مساء حتى الثالثة بعد منتصف الليل، وفي أثر انتهاء الاجتماع أعلن ناطق رسمي أن مجلس الوزراء أقرّ فجر يوم 9 سبتمبر قانوني تحديد الملكية الزراعية وتنظيم الأحزاب السياسية.

وتنسب مصادر القانون إلى سليمان حافظ الذي كان وكيلا لمجلس الدولة ورئيسا لقسم التشريع آنذاك، وعارضه عبدالرازق السنهوري أحد أعلام القانون معارضة شديدة، محتجا بأنه وإن كان الدستور لا يمنع تنظيم الأحزاب على اعتبار أنها نوع من الجمعيات فإن العرف الدستوري جرى على عدم تعرض المشرع لها وترك أمر التنظيم إليها، وكانت حجة سليمان حافظ تمثلت في أن الأحزاب فسدت بما أفسد المعنى الحقيقي للديموقراطية البرلمانية واستطاع حافظ إقناع السنهوري بذلك حتى اضطر إلى إقرار المشروع مشترطا عدم تدخل الإدارة إلا عند الاقتضاء لتحقيق أغراض القانون، وأن تخضع الإدارة في تدخلها لرقابة مباشرة من مجلس الدولة.

وتبع القانون قرار بأن من يرغب في تكوين حزب سياسي عليه أن يخطر وزير الداخلية سليمان حافظ -المشرّع للقانون- بخطاب رسمي يتضمن نظام الحزب ويتدخل القانون في تحديد طريقة اختيار الرئيس ومجلس الإدارة، وأجاز القانون لوزير الداخلية أن يعترض على تكوين الحزب لمخالفته حكم من أحكام القانون، وأن تفصل محكمة القضاء الإداري في الاعتراض على وجه الاستعجال إلى آخر القانون.

وهكذا، وبنص قانوني وتشريع من الدولة اعتبرت الأحزاب السياسية القائمة محلولة، وصار وضعها وممارسة نشاطها بشكلها التقليدي مخالفا للقانون الجديد (179 لسنة 1952)، وعليه لكي تفعل ذلك أن تعيد تكوين نفسها على نحو جديد يتماشى مع القانون.

وقدم حزب الوفد برنامجه في 23 سبتمبر 1952 تنفيذا للقانون الصادر في 9 سبتمبر 1952، وعلى الرغم من موافقة الحزب عليه أو رضوخها لطلبات الدولة، أصر حافظ أصر على إبعاد مصطفى النحاس من زعامة الحزب، وعندما توجه إليه محمد صلاح الدين - الذي كان يتولى أعمال السكرتير العام لحزب الوفد خلفا لفؤاد سراج الدين الذي اعتقل في 7 سبتمبر ضمن السياسيين الذين صدر أمر باعتقالهم – بإخطار تكوين الحزب تنفيذا للقانون، قال له حافظ إن وزارة الداخلية لديها أسباب جوهرية للاعتراض على رئاسة النحاس للوفد.

وتمسك النحاس في باديء الأمر بحقه كرئيس للوفد، وأصدر بيانا يوضح فيه ملكيته للشعب، وأنه ليس هناك قوة تستطيع أن تنحيه عن هذه المكانة، ومن جهة أخرى أصر أعضاء الوفد على عدم تكوين الوفد إلا برئاسته، وكتب أحمد أبو الفتح رئيس تحرير جريدة "المصري" سلسة مقالات قال فيها إن محاولة هدم النحاس هي محاولة لتحطيم كفاح الشعب ضد الاستعمار.

وأصدرت قيادات الوفد بيانا في 27 سبتمبر وقعه 10 من أقطابه ورد فيه أنه "نظرا لما صح في يقين الوفد المصري من أن المقصود هو محاربة الوفد ومحاولة هدمه والتخلص منه؛ قرر الوفد المصرى بإجماع الآراء بجلسته المنعقدة يوم السبت ألا يقدم إلى وزير الداخلية إخطارا بإعادة تكوينه".

وتحت ضغط النحاس، نشر أحمد أبوالفتح يوم 6 أكتوبر 1952 مقالا أوضح فيه حرص مصطفى النحاس على ضرورة وجود الوفد مهما كان، وتلا ذلك صدور بيان من قيادة الوفد يوضح فيه أن النحاس أصبح لا يتمكن من مباشرة أعباء الرئاسة الفعلية للحزب، وأنه جعله رئيسا شرفيا له مدى حياته.

محمد نجيب يبرر قرار حل الأحزاب

وأذاع القائد العام للقوات المسلحة حينها،  محمد نجيب، في منتصف ليل 16 يناير 1953 بيانا قال فيه: "لقد استمدت ثورة الجيش قوتها من إيمانها الكامل بحق جميع المواطنين فى حياة قوية شريفة وعدل تام مطلق وحرية كاملة شاملة، في ظل دستور سليم يعبر عن رغبات الشعب وينظم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، ولما كان أول أهداف الثورة هو إجلاء الأجنبي عن الوطن، ولما كنا آخذين الآن في تحقيق هذا الهدف الأكبر والسير به إلى غايته مهما تكن الظروف والعقبات، فإننا كنا ننتظر من الأحزاب أن تقدر مصلحة الوطن العليا فتقلع عن الأساليب السياسية المخزية التي أودت بكيان البلاد ومزقت وحدتها، وفرقت شملها لمصلحة نفر قليل من محترفي السياسة وأدعياء الوطنية".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل