المحتوى الرئيسى

أردوغان.. إني أرى الخليفة عاريًا | المصري اليوم

07/22 23:17

لعل الأزمة الكبرى في تلقينا أنباء الانقلاب الفاشل في تركيا هي أننا قرأناه بعيون مصرية، مغرقة في الذاتية ومنكفئة على نفسها، ولا تدرك ما يجري حواليها في الكوكب إلا على ضوء الثنائيات التي أوقعنا أنفسنا في إسارها.. (مرسي وسيسي) (يناير ويونيو) (عسكري ومدني) (إسلامي وعلماني).

فأردوغان وهو تحت وطأة محاولة الانقلاب هو مرسي في عين الإخوان، إن سقط الخليفة سقط من ورائه المشروع الإسلامي في الحكم، وانهارت آخر دعاماته وآخر دليل قطعي على إمكانية أن يعتلي أفراد التنظيم سدة الحكم في بلد ما.

ومن ثم بلغت قلوب الجماعة (وأذيالها) الحناجر وهم يفقدون آخر حليف قوي وصلب، ويتهاوى بسقوطه الحلم الإسلامي الذي ظل يداعب خيالاتهم عقودا وعقودا.

أما من امتعضوا من الانقلاب- في طوره كمحاولة ثم في تأكد فشلة كأمر واقع- من خارج الصف الإخواني كانوا خليطًا من كارهي الانقلابات لأسباب تتعلق بقناعاتهم السياسية (والأخلاقية بدرجة ما)، ثم قطاع من التيار المدني المصري المعارض للرئيس السيسي والذي يرى في رفضه الانقلاب التركي تكفيرًا بأثر رجعي على مؤازرته لـ30 يونيو قبل أن تتحول لـ3 يوليو!

كأنهم في رحلة سفر تعويضية ستصلح «جناية» الماضي بأثر مستقبلي على اللحظة الراهنة في بلد غير الذي يعيشون فيه.

لقد كان أغلبنا مستغرقًا في أمور عاطفية بأكثر مما كنا مهمومين بتقليب التجربة وفهمها من أوجهها السياسية والفلسفية.

غير أن الأكثر غرابة هو خضوع خليط متباين الهوى السياسي من ليبرالين ويسار لرواية الإخوان وانسحاقهم أمامها أخلاقيا ليتبنوا الرواية ذاتها والطرح نفسه في معرض دفاعهم عن بقاء أردوغان في الحكم.

ذات الهذي الذي يشيعه الإخوان عن وعي الشعب التركي وعن روعة التجربة الاقتصادية الأردوغانية وعن ارتفاع مستوى التعليم، ردده كتاب ومثقفون من اليسار الذي كان موقفه التاريخي معارضًا لتجارب الحكم الديني، فما بالك والحكم ديني واقتصاده نيوليبرال متحرر مرتم في أحضان الرأسمالية العالمية!

لقد كان تأييدا بائسًا سرعان ما تهاوى، والخليفة ينكل بالجميع بعد أن استقامت قدماه، يعكس كراهية للسيسي لا حبا لأردوغان، في واحدة من مسلسلات العبث التي نعايشها في السياسة المصرية.

انخرست الأفواه التي أطلقت صيحات الإعجاب الرقيع بوعي وتعليم الشعب التركي، بينما ينكل الخليفة بالجميع، يقيل الآلاف المؤلفة من كل الجهات، ويحيل القضاة للتقاعد ويرفض سفر الأكاديميين ويعتقل الناس بالظُنة، ويحرم «الانقلابيين» من حق الصلاة على جثامينهم، بعدما قتل أنصاره بعضهم في الشوارع دون محاكمة أو استبيان، كأنه يقسم رحمة ربك حين يوزعها.

ذات الإعجاب «المايص» بالخليفة المخبول لم يغفر للسيسي نفس ما برروه لأردوغان تحت مسميات مختلفة التجأت للمعايير الزلقة والكلمات المطاطة من نوعية (اختلاف السياق- انعدام الصلة- سيولة المشهد- فروق التجربتين- تفاوت الدوافع).

وأدنى العدل أو أدنى الاتساق مع الذات يقول بإدانة كليهما أو الالتماس لكليهما.

أما في مصر، فالكيد والهوى يفسران ويفصلان الأمور على مقاس الموقف السياسي، لا على مقاس حقيقة كالشمس في العيون المبصرات.

أردوغان هو النسخة الأكثر انسلاخا وتحررًا من مشاريع إسلامية كلاسيكية.

هو الطراز المعدل جينيًا من الإسلاميين بحيث يصبح أكثر مطاطية وبراجماتية وقدرة على ركوب الأمواج والانحناء للرياح والتخلص من أثقاله الأيديولوجية وفق ما تفرض الظروف وحسب ما يقتضي الحال.

بدأ الأمر على يدي نجم الدين أربكان، الرجل صاحب المشروع الوطني التحرري ذي الخلفية الإسلامية وذي الميول الشوفينية، التي ترى خلاص تركيا في ابتعادها عن الهيمنة الغربية بالتوازي مع إعادة اختراع حلف إسلامي ضخم تمارس فيه دور الزعامة.

أربكان خليط بين الإسلامية والوطنية المحلية التي ترى تركيا اللاعب المؤهل لقيادة العالم الإسلامي ويرى في القيادة مردودين.

أولهما: الانعتاق من إملاءات الغرب.

وثانيهما: توفير القيادة لبلاده التي يؤمن أن بمقدورها أن تقود.

وحين انقلب أردوغان ورفاقه على أستاذهم أربكان، تحرروا من أساس المشروع الذي يقول بضرورة التقريب مع العالم الإسلامي، واتجهوا غربًا ثم نظروا بعين الرضا لإسرائيل، تعاونًا عسكريًا وتطبيعًا سياسيًا وقبولًا جغرافيًا.

وحين قلبوا النظر في البند الثاني أعادوا إنتاجه بما يوائم مزاج الخليفة العثماني الذي يرى في دول العالم الإسلامي بقايا رعايا أسلافه العثمانيين، ويرى نفسه بحق خليفةً عليهم ويعتقد في أفضلية عرقه على عرقهم!

فحين جاء الرجل لمصر في عهد الرئيس المطاح به محمد مرسي وجه له بعض النصائح بصيغة أقرب للتوبيخ المتعالي منها إلى تبادل الخبرات السياسية، فقال: أنت تقضم بأكثر مما تستطيع أن تهضم!

وهو مما يثير الضحك أيضًا، فالخليفة يحتقر أبناء تنظيمه من العرب، غير أن الأتباع يولونه الولاء والاحترام في خضوع وانسحاق جديرين بمثل هذا الصلف.

مع تقدم أردوغان في العمر ومع ازدياد عصبيته واتجاهه لتحويل نظام بلاده لنظام رئاسي، يزداد ارتداده لأسلافه العثمانيين ويمضي في تذويب الهويتين «الإسلامية» و«التركية» في نسخة تستأثر بالأفضليتين (الإسلامية والعرقية) وتحتقر ما عداها أيضًا.

ومع ذلك يصر الأتباع على الدفاع عن الخليفة الذي يزداد خبالًا وعن نسخة «الإسلاموية» المتفلتة من بين يديه لصالح «العثمانية» التي تصيغ إسلاما تركيا، فيه من الكبر والعنطزة ما يجعله وجها من وجوه الأتاتوركية بكل ما فيها من شوفينية واعتزاز نرجسي بالذات.

لم ولن يلتقي المشروع المصري والتركي في المنطقة، لذا فالإسلامية أو العسكرية الوطنية التي يتنازعها الطرفان للتعبير عن ذواتهما في معرض الصراع، ليست إلا تجل دقيق لإرادتين جغرافيتين متناحرتين ولتاريخين يتجهان إلى صدام مباشر وفق شواهد كثيرة.

إذ أن الغابة لا تحتمل إلا (Alfa male) واحد فقط.

هذا إذا ما استثنينا اللاعب الإيراني الذي ينافس كلتا الأمتين على ذات المقعد، بخلفيته الساسانية الأكثر تعصبا من الخلفية العثمانية والأكثر كراهية للعرب من نظرائه الأتراك.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل