المحتوى الرئيسى

الانقلاب التركي و الإعلام المصري : أسامة كمال نموذجا ً

07/22 17:27

اقرأ أيضا: المسلماني يتوعد.. والفاشية تتقدم ركضًا.. مسلسل ( الخروج ) ...جرس إنذار للسلطة ! منطق الرئاسة وتجديد الخطاب الديني المجلس الأعلى للثقافة : مواصلة التجهيل وحرق البخور اللادينيون المصريون يواصلون القصف مجددًا.. خانة الديانة!

 ينقسم الإعلام , في العالم كله , إلى نموذجين متمايزين لا تجمعهما أدنى علاقة و ليس بينهما أية صلة , من قريب أو بعيد , فثمة إعلام ( مهني ) يتوخى دقة الخبر و تنوع المصادر و حيدتها و أمانة الطرح و نزاهة المعالجة و الرغبة الصادقة في المكاشفة الكاملة , و في المقابل ثمة إعلام ( عالمثالثي )  محنط متحفي غارق في التخلف مبالغ  في التلوين السياسي و الإيديولوجي ( الموتور ) , ملتصق دوما ً بجلباب الأنظمة , أقل نسمة حرية يمكن أن تحرقه , و أدنى مساحة من المهنية كفيلة بسحقه و إخراجه من أية منافسة , النوع الأول من الإعلام البناء الداعم للوعي لا تنبت زهراته و تنتعش سنابله المخضرة إلا في فضاء الحريات , أما النوع الثاني فهو ابن الاستبداد و صنيعة الدولة الشمولية وحصاد الصوت الواحد !

 و بالقطع أظهر الإعلام المصري ولاء تاما ً للمدرسة الثانية _ عبر ممارسات كثيرة و مؤشرات بلا حصر _ و لا جدال أن جوقة الإعلام المصري في مدينة الإنتاج الإعلامي , لا يمكن أن تصدق أو تقتنع أن هنالك في العالم إعلاميين مهنيين من طراز الأمريكي ( سيمور هيرش ) مثلا ً, والذي تحدى الإدارة الأمريكية و البنتاجون و فجر فضيحة معتقل ( أبو غريب ) بالعراق , و وجه لكمة صادمة للأطماع الاستعمارية الأمريكية مجددا ً بتفجير فضيحة مذبحة ( مايلي ) التي قتل فيها أكثر من خمسمائة مدني فيتنامي , على أيدي جنود أمريكيين . فكان حصوله على جائزة ( البوليتزر ) الأمريكية للتحقيقات الصحفية , شيئا ً مستحقا ً . لا تصدق جوقة مدينة الإنتاج الإعلامي أن هناك في المعمورة إعلاميين من هذا الطراز يمكن أن يتمردوا على وصاية الأنظمة ليكشفوا الحقائق للناس كاملة . فالحقائق السياسية و الاستراتيجية _ فيما ترى معاهد الإعلام و أكاديمياته في العالم كله _ يتعين أن تبقى بعيدة عن حسابات الصداقة و العداوة . و يتعين بالمثل عدم تلوينها باللون الإيديولوجي أو السياسي الحاقد الذي تفضله الأنظمة و تفرضه _ من ثم _ على إعلامييها كما يحدث في جمهوريات الموز و بلدان العالم الثالث !

 يصر الإعلام المصري _ دورانا ً مع حسابات السلطة و انقيادا ً لتحالفاتها _ على اعتبار ( الحالة التركية ) الراهنة هي _ في الجوهر _ ( حالة فشل ) اقتصادي و سياسي و استراتيجي و عسكري بخلاف ما تقرر الحقائق و العواصم الكبرى و مؤشرات التنمية الرقمية المنضبطة , لأن تركيا ( الأردوغانية ) تختلف مع مصر و تناهض سياستها و تجهر في كل مناسبة برفض ممارساتها , و لا يكف الإعلاميون المصريون عن السخرية من تركيا الراهنة و لصق كل السوءات و العيوب و الداءات ب ( أنقرة ) , حتى أصبح بعضهم يعتقد أن شتم ( أردوغان ) و التعبد في المحراب الوطني بلعن تركيا و الإصرار ( الساذج ) على تسويق  فشلها و ترسيخه , هو من قبيل الفروض الوطنية اللازمة . و الشعائر القومية التي يعد رفضها أو التحفظ بشأنها مروقا ً عن الحالة الوطنية السوية !

 و اندفع الإعلام المصري _ بعد لحظات من  الانقلاب التركي الأحدث الفاشل _ ينصب سرادقا ً ضخما ً للتصفيق و الزرغدة و القفز المنتشي فرحا ً بصرخات غوغائية لا يربطها بالإعلام المهني أية صلة و لا يجمعها _ عموما ً _ إلا حالة التشفي الواضحة ! و تلونت معظم الصحف المصرية _ صبيحة الانقلاب التركي  _ بعنوان واحد بعد ( الترويسة ) تصدر الصفحات الأولى : ( الجيش يطيح بأردوغان ..) ! و قفز ( أحمد موسى ) قفزات أكروباتية داخل الاستوديو تهللا ً بسقوط ( أردوغان ) و تهاوي الديمقراطية التركية ! و تابع ( أحمد موسى ) آخرون بغير حصر , مضوا يصفقون بانتشاء  للفشل التركي و مذابح الانقلاب القادمة مسبقا ً و يدقون دفوف النصر بروح أسماك القرش المنتشية بقطرات الدماء الأولى  ! و في هذا الحشد حاول الإعلامي ( أسامة كمال ) , أن يلون معالجته المنحازة الفجة , بقناع من الرصانة المدعاة , و أن يستر الانتشاء الإعلامي المصري العام الحاقد , بستار من الواجهة المهنية المكذوبة , لتمرير رسالة التشفي هي هي  و تلوين الواقع السياسي بطريقة أخرى لا تتخذ خط ( أحمد موسى ) و طريقته و إن كانت ماضية على الدرب نفسه , و خادمة للتوجه المزيف ذاته !

 كان أداء الإعلام المصري _ بعد تراجع الانقلاب التركي الخائب و بروز المؤشرات الأولى لفشله _ مثيرا ً للسخرية في الإعلام العالمي و الدوائر الصحفية العالمية الكبرى , بل إن الصحافة الإسرائيلية نفسها مضت تسخر من التهليل المصري المبكر و تهزأ من تسطيحه و ضحالته , و كتب البروفيسور الإسرائيلي ( يارون فريدمان ) في صحيفة ( يديعوت أحرونوت )  , ساخرا ً من الصحافة و الإعلام المصريين و قد صورا ( أردوغان ) في صورة ( محمد مرسي  الثاني ) كما قال كثيرون منهم , حتى قبل أن يتبينوا التفاعلات اللاحقة في المشهد التركي الذي أعقب الانقلاب , كان المهم تشغيل ( الدي جي ) العملاق بمكبرات الصوت الضخمة لإعلان هزيمة ( أنقرة ) بأي ثمن ! و سخر ( فريدمان ) بالقدر نفسه من ( حزب الله ) الذي ( شرب أنخاب نهاية السلطان العثماني ! ) _ بتعبير فريدمان _ و معظم العقلاء لم يروا أبدا ً في ( أردوغان ) ( سلطانا ً عثمانيا ً ) و لا ( خليفة أعظم ) , كما يروج البعض , و إنما رأوه مؤشرا ً لتجربة اقتصادية ناجحة و رمزا ً لعملية ديمقراطية مؤسسة على سيادة الشعب التركي و قراره الحر المستقل , و سياسيا ً حصيفا ً , أصاب مرات و أخطأ مرات , أبدينا إعجابنا بما أصاب من نجاحات ( ليست هينة ! ) و أبرزنا تحفظاتنا على سياساته التي رأيناها خاطئة أو ماضية في الوجهة المغلوطة . و فات الإعلام المصري أن جوهر المشهد ليس ( أردوغان ) الغريم التقليدي , و إنما التجربة الديمقراطية و الاقتصادية الشعبية الناجحة التي دافع عنها في شوارع ( إسطنبول ) أكثر أعداء أردوغان حقدا ً و كراهية !

 جربت طريقة ( أسامة كمال ) الفجة قبل أربعة أعوام تقريبا ً , حين طرحت _ مع بعض الزملاء الفضلاء _ مبادرة للمصالحة الوطنية المصرية و لم الشمل و نزع الاحتقان الداخلي , و فوجئت ب ( أسامة كمال ) _ معقبا ً على المبادرة في برنامجه _ و مطلقا ً سيلا ً من الشتائم و البذاءات غير اللائقة بأي إعلامي , و طالت بذاءاته الجميع _ و كنت أحدهم _ و لفت نظري أن دوائر في السلطة اهتمت بالمبادرة و عاودت الاهتمام بها _ قبل شهر تقريبا ً _ و من ثم مرت بذاءات ( أسامة كمال ) تحت قدمي و لم آبه لها أو أهتم بها أو به !

 لكن عاودت متابعة الأداء الإعلامي مجددا ً على هامش الانقلاب التركي الفاشل , للاطلاع على المستجدات , فوجدت التطاول هو هو , والتسطيح بعينه لم يتغيرو ربما ازداد سعارا ً , و تأليب الشرائح غير الواعية بتسريب الأكاذيب لاستثارة الحالة الشعبية بلا إبراز لأية حقائق أو معلومات  هو هو و إن تضاعف منحاه الهستيري  , لم يتغير شيء اللهم إلا مزيدا ً من السقوط المهني المروع ! و اكتفى ( أسامة كمال ) _ بعد فشل الانقلاب التركي _ بتكرار كلمة ( إردو ) _ تدليلأً ل( أردوغان ) _ و هي شبيهة صوتيا ً بكلمة ( قرده ) _ كما ينطقها العوام ! _ و بعد أن قال ( كمال ) : ( ابحث عن المستفيد ) عقب بالقول _ لا فض فوه _ : ( أردوغان انقلب على نفسه و شقلب النظام ! ..) ( يا للفصاحة ! ) ليعاود مخاطبا ً الجزء الدهمائي في الرأي العام بروح تحريضي ساذج : ( جيشه انضرب بالجزم ! ..) . كانت الحالة الإعلامية الرثة مجسدة للحالة الإعلامية العامة قصيرة اليد و هي ترى شعبا ً يحمي خياره الديمقراطي و يطهر مؤسساته و لا يقدس أشخاصا ً _ بمن فيهم ( أردوغان ) نفسه  _ و لا يقل عن فشل أسامة كمال في الأداء الشاحب المنهزم , سوى فشل رئيس تحرير برنامجه  الكاتب الصحفي ( أيمن عواد ) الذي لم يجد وثائق أو مستندات أو رؤى إعلامية تدعم ( المشتمة ) المنصوبة سوى مقالة شاردة في ( الواشنطن تايمز ) و تعليق موتور مبتسر ل ( وكالة الأنباء الفرنسية ) التي وصفت ( أردوغان ) ب ( أكثر السياسيين إثارة للانقسام ) دون أن تجرؤ على القول إن تصديه للانقلاب قد فشل أو إن مكالمته الشهيرة _ عبر السكايب _ كانت محدودة التأثير !

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل