المحتوى الرئيسى

فورين أفيرز: لماذا نجح الجيش في مصر وفشل في تركيا؟

07/22 15:37

في أوائل يوليو 2013 نقلت وسائل إعلام العالم صور احتفالات المصريين بخروج جيش بلادهم من ثكناته لعزل رئيس البلاد المنتخب محمد مرسي، وإنهاء تجربة الإخوان المسلمين في حكم طال تطلعهم إليه سنوات طويلة، واستعاد الجيش بتدخله الهيبة والنفوذ والسلطة في النظام السياسي المصري.

وقبل أيام نقلت وسائل الإعلام مشاهد مماثلة في شوارع اسطنبول وأنقرة؛ مع الفارق، فبدلا من الفرح، كان الأتراك غاضبين من سعي أفراد من الجيش سعى لعزل الرئيس رجب طيب أردوغان، السياسي الذي يفوز في الانتخابات منذ ١٩٩٤ رئيسا لبلدية اسطنبول، ثم رئيس وزراء تركيا، ورئيس الدولة منذ عام 1994.

وفشلت محاولة الانقلاب، وبدأت عملية تطهير، تركت القوات المسلحة التركية، ثاني أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي، في حالة من الفوضى.

فكيف نجح الضباط المصريون، فيما فشل فيه فصيل من الجيش التركي، مع ما يزخر به تاريخ تركيا من الانقلابات؟

يقول "ستيفن كوك" في مجلة "فورين أفيرز" إن الجواب يكمن في طبيعة كل من التدخلين، وموقف العالم من كل منهما.

ويشير محللون إلى مجموعة متنوعة من الأسباب التقنية تفسر فشل محاولة الانقلاب، في تركيا، حيث لم يتمكن المتآمرون من اعتقال أردوغان، كما لم يتمكنوا من فرض سيطرتهم على الاتصالات، واستمر العمل بالمطارات، واستمر وزراء الحكومة في أماكنهم.

أما في مصر، فقد نجح عبد الفتاح السيسي، كوزير للدفاع وقتها ـ في التعامل مع جميع هذه المهام بكفاءة نسبيا.

وخلافا لما حدث في تركيا، حيث ظهر رئيس الوراء بن علي يلدريم خلال الساعة الأولى من نشر القوات، على شاشات التلفزيون ليعلن عدم مشروعية التحركات العسكرية، ويتعهد بمعاقبة المسؤولين، كان القادة المدنيين في مصر تحت الحراسة من اللحظة الأولى.

كما أظهر الضباط المصريون أيضا وحدة في الهدف على النقيض من القوات التركية التي كانت، منقسمة بشدة، ولم يكن هدفها معلوما للغالبية.

ويرى كوك أن هذه التفسيرات منطقية، ولكنها تغفل فارقا أعمق، وأكثر أهمية بين الجيش التركي ودوره في الحياة السياسية ونظيره المصرية. فطالما صور المراقبون الأكاديميون والصحفيون هيئة الأركان العامة التركية باعتبارها صاحبة النفوذ الكامل في البلاد.

وكان القادة بارعون في ترهيب السياسيين، المطلوب امتثالهم لمطالب الجيش أو إزاحتهم عن السلطة.

وفي أواخر التسعينيات، ألمح بولنت أجاويد، الذي كان سيتولى منصب رئيس الوزراء إلى أن صلاحيته لتولي المنصب تستند في جزء منها على قدرته على كسب قبول الجيش.

أما بالنسبة لمصر، فيعتقد المراقبون لكبار قادة مصر ودورهم في الحياة السياسية، أنهم تابعين نسبيا.

ويرون أن إقالة الرئيس السابق حسني مبارك للمشير عبد الحليم أبو غزالة ـ صاحبة الشخصية الكاريزمية للغاية ـ في عام 1989 (وان كانت ازاحته جاءت في صورة ترقية) لحظة تم فيها حل مشكلة العلاقات المدنية العسكرية في مصر.

وفي خلال السنوات العشر تقريبا التي سبقت الإطاحة بمبارك أوائل 2011، بدا صعود وزارة الداخلية في مصر.

وبدأ المحللون المصريون والغربيون يعتقدون أن الهيمنة العسكرية التي بدأت مع جمال عبد الناصر والضباط الأحرار تفسح المجال لدولة بوليسية.

ويشكك كوك في دقة تقدير المراقبين لهيئة الأركان العامة التركي أو الجيش المصري، ويرى أن تصوير الجيش التركي على أنه كان قويا وأنه نظيره المصري سلبيا، تصويرا كاذبا أيضا. ففي رأيه أن الجيش التركي ضعيف ياسيا منذ فترة طويلة، مما كان سببا في فشل أربعة انقلابات سابقة وفشل محاولة الانقلاب الأخيرة.

أما نجاح الجيش التركي في اسقاط حكومات أعوام 1960، 1971، 1980، و 1997، فيرجعه إلى تبرير كل هذه التدخلات بحماية الطابع الجمهوري للنظام السياسي المستند إلى مبادئ ، مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة.

ففي عام 1960، كان رئيس الوزراء عدنان مندريس والحزب الديمقراطي الحاكم، وفقا للعسكريين الذين خلعوه، قد انحرف عن قيم المجتمع وقلل من شأن القوات المسلحة .

وفي "انقلاب المذكرة" 1971 طالب القادة العسكريين المدنيين بتغيير أجزاء من الدستور الصادر بعد عام 1960، اعتبرتها هيئة الأركان العامة مغالية في الليبرالية.

وأمر المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في 12 سبتمبر 1980، وأدار البلاد ثلاث سنوات، بكتابة دستور جديد تماما، وعلى الرغم من أنه منح الأتراك مجموعة متنوعة من الحريات الشخصية، إلا أنه كان موجها نحو حماية الدولة التركية من الشعب، والسياسيين المدنيين الذين لا يمكن الوثوق بهم لإعلاء القيم الكمالية- العلمانية ، والجمهورية والقومية والدولانية، والإصلاحية، والشعبوية. في عام 1997، أجبر الضباط الحكومة على إقرار مجموعة من المطالب ـ تتعلق في المقام الأول بالعلمانية ـ ولكن لم يتم الوفاء بها.

وهكذا، تحركت هيئة الأركان العامة، بمساعدة من منظمات المجتمع المدني والصحافة والشركات الكبيرة، والأكاديميين، والسياسيين، لاسقاط الحكومة.

ومن ثم، يمكن للمرء أن يفهم سبب اعتقاد المراقبين أن الجيش التركي يمتلك كامل النفوذ، ولكن عليهم أن يتفهموا أيضا السبب في اعتقاد الجيش بضرورة هذه التدخلات .

ومع مرور الوقت، تتزايد أعداد الأتراك الرافضين الالتزام بالسياسات التي يطالب بها الكماليون والجيش.

فإذا كان الضباط وحلفاؤهم من المدنيين نجحوا في ترسيخ الأفكار الكمالية وكأنها أمر طبيعي في أذهان الأتراك، لما كانت هناك حاجة لوضع ضباط في قيادة المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع، ومجلس التعليم العالي أو للمادة الدستورية التي تطالب الحكومة "إعطاء الأولوية" لتوصيات مجلس الأمن القومي الذي يهيمن عليه ضابط، ولم تكن هناك حاجة أيضا للتخلص من أربع حكومات على مدى أربعة عقود.

وبالمنطق العادي، لم يقتنع الأتراك بما تروج له هيئة الاركان العامة، لذلك اضطر الضباط إلى اجبار الجميع للامتثال. 

وبصرف النظر عن الأسلحة المتطورة والقوة التدميرية للجيش التركي، لا يكشف التدخل المتكرر في السياسة عن قوة، وإنما ضعف واضح على نحو ما. ولم يعد هناك معنى لدى معظم الناس لتدخل الجيش من أجل الكمالية، عقيدته الموجهة، ومنبع قوته المزعومة.

وعلى النقيض من ذلك، لم تكن هناك حاجة لدى الجيش المصري، إلى التدخل علنا في النظام السياسي المصري، باستثناء عامي 2011 و 2013، والتخلي قوة الدعم الشعبي للضباط الذين لم يكن لهم ظهور غالبا خارج ثكناتهم ونواديهم، وليسوا مضطرين لذلك على عكس نظرائهم الأتراك. وظل دور الجيش في البلاد دون تغير في إطار النظام الحاكم، فمنذ إلى لحظة تكريس الضباط الأحرار سلطتهم في أبريل 1954، مع تمتعه باستثناءات ملحوظة، لا يجال فيها أحد تقريبا.

فقد سارت الامور على النحو التالي: في عام 1952، أطاح الجيش سلالة حاكمة أجنبية وفاسدة. وبعد أربع سنوات، دافعت القوات المسلحة ببطولة عن استقلال لمصر عندما صدت العدوان الثلاثي الإسرائيلي، البريطاني، الفرنسي. وكانت الخسائر في شبه جزيرة سيناء في عام 1967 نتيجة العدوان الإسرائيلي. ونتيجة لبطولة جنود الجيش المصري في عبور قناة السويس في أكتوبر 1973، تمت استعادة الكرامة الوطنية المصرية، ثم الأرض المصرية بنجاح. ويبقى الجيش المصري ضامنا للاستقرار الوطني وقوة للتحديث تتسق دائما مع المثل الإسلامية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل