المحتوى الرئيسى

سيكولوجية التحدي..كيف واجه أردوغان الإنقلاب؟

07/21 12:42

وإن السلوك السياسي للأفراد والجماعات لن يكون موضوعياً وصحيحاً دون الأخذ بالاعتبار البعد النفسي والبيئة الاجتماعية المحيطة بهذه الأحداث التاريخية الفاصلة.

ومن الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها علماء السياسة والاجتماع والتاريخ أيضاً هو تجاهلهم للبعد النفسي في تحليل الظاهرة السياسية، فمن غير المتصور عدم الوضع في الاعتبار ذلك العنصر المؤثر والفعال في التصدي للظاهرة السياسية كيف حدثت وفق تسلسل تاريخي وبعد نفسي واجتماعي محيط.

فالظاهرة السياسية تلعب دوراً مهماً في تحديد سلوك الإنسان السياسي الذي يتغير بتغير الظروف التي تواجهه، هذا يدفع إلى التمييز بين نوعين من الناس: نوع حركي واعٍ كما هو المجتمع التركي، ونوع جامد منبطح غير قادر على التغيير بل يسلم بما تصنعه الحياة من دون رد فعل تجاه ظروف الحياة، كما هي بعض المجتمعات العربية والإفريقية، أو كما هو الحال على حد وصف الرئيس التركي السابق في رد فعله على الانقلابيين في تركيا:" لسنا دولة في أميركا اللاتينية أو في إفريقيا"، وترتبط هذه المتغيرات بمقدار الوعي الاجتماعي والسياسي للفرد، وهذا أيضاً يرتبط بالخلفية العقائدية ونسق القيم والمعتقدات التي يحملها كل فرد وقدرته في الدفاع عنها.

سيكولوجية التحدي محاولة لفهم شخصية الرئيس أردوغان.

هنا أبدأ بالتعرف على سيكولوجية شخصية الرئيس أردوغان من خلال مواجهة أزمة الانقلاب، حتى الآن بشكل عام أثبت أردوغان أنه داهية سياسية محنك من الطراز الأول، يتمتع بشخصية ذكية وقادرة على ضبط السلوك الانفعالي باتزان نفسي كبير، ويستطيع الرد على المكر بمكر أشد وأنكى، يتأتى ذلك من خلال ما يتميز به شخص أردوغان من مقومات شخصية تتميز بنضج سياسي وأمني وخبرة حياتية تمكنه من مواجهة التحدي والأزمات بثقة وصمود نفسي عالٍ.

ويمكن تفسير ذلك النضج والاتزان والصمود في شخصية الرئيس أردوغان أثناء مواجهة الانقلاب في ساعاته الأولى من خلال الآتي:

أولاً: تلبيس طاقية الانقلاب لشخص مدني مبعد من خارج الجيش كان لانتزاع ولاء الأفراد من قادتهم وليظهرهم بمظهر القطيع الذي ساقه قائده إلى اتجاه خاطئ، واتهامات أردوغان لغريمه السياسي " رغم ما قد يكون لجماعة غولن من علم وتنسيق"، بقدر ما تكون حيلة سياسية للخروج من عنق الزجاجة، يظهر هذا البعد القدرة السيكولوجية لدى القائد في تشكيك أفراد العدو بقيادتهم ويجعلهم يعيشون شيئاً من التيه وعدم الثقة حتى يتمكن من السيطرة على الموقف وإعادة توجيهه لصالحة.

ثانياً: مناداته للشعب للنزول إلى الشوارع بهذه السرعة كانت سباقاً مع الزمن، والهدف منها السيطرة على الشوارع والساحات والميادين قبل وصول المدرعات والدبابات الموجودة على أطرف البلاد، ولعرقلة سير الآليات العسكرية بشتى أنواعها، وهنا تظهر قدرته على الاتزان في اتخاذ القرار السريع والحاسم.

ثالثاً: تصريحاته المتتالية هو وبعض الوزراء وإطلاقهم للتهديدات، ساعده على الظهور بمظهر المسيطر على الوضع، كانت تهدف للمحافظة على رباطة الجأش ومعنويات الموالين قبل استسلامهم للأمر الواقع، كما حدث في بعض الدول الأخرى التي سلمت للانقلاب.

رابعاً: استخدام أردوغان للتكنولوجيا كان ذكياً وسريعاً، وتقدم على خصومه في ذلك بخطوات كبيره؛ لأن التكنولوجيا أصبحت وسيلة اتصال الشباب الرسمية مقارنة مع الإذاعة والتلفزيون الذي لم يعد له جمهور من الشباب.

خامساً: الطلب من الشعب البقاء في الشوارع لمدة أسبوع ليس إلا لإحكام سيطرته على المؤسسات والوزارات والمحاكم وتنظيفها قبل أي رد فعل من خصومه، وخصوصاً الجيش، وبذلك يتمكن من إغلاق الساحات والميادين أمام قادة الجيش في حال رغبوا بنشر عناصرهم وقواتهم في المدن بحجة بسط الأمن والحفاظ على الدولة، فيقع فريسة سهلة لهم، يدل هذا التصرف على ذكاء وحساسية نفسية لأهمية أماكن السيطرة والتحكم ودورها في تغيير المعادلة.

بل إن أهم ما قام به الرئيس أردوغان كان يتمثل في قدرته على استخدام عبارات المحافظة على الديمقراطية والمدنية، فهذه من الناحية النفسية والاجتماعية أثارت حماس الواقفين على الحياد والطبقة الصامتة للنزول، ورفض تدخل الجيش في الحياة المدنية، أيضاً أثارت قبل ذلك المعارضة التي تعلم أنه إذا نجح الانقلاب لن يبقى لها أي وزن سياسي، بينما تتمتع حالياً بحضور يحسب له حساب حتى ولو كان بسيطاً، وخصوصاً أن نتائج الانتخابات الأخيرة بينت وجود منافسة قوية من الأحزاب الأخرى لحزب العدالة والتنمية، مما يعني تنامي فرصهم في الحكم، وهذا سيزول تماماً في حال نجح الانقلاب العسكري.

أجزم هنا بأن الشعب التركي مهما واجه من أزمات، فلن تكون بحجم هذا الحدث، لكن بالوقفة الصارمة للقيادة الفعالة، فالشعب الواعي الناضج المصر على حقوقه استطاع تجاوز هذه المرحلة حتى الآن.

فتاريخ الإنسان التركي وما يحمله من نضج حضاري ووعي اجتماعي يشكل شخصية المجتمع التركي وقيمه عبر تاريخه الحضاري منذ مستوطنة طروادة مروراً بتاريخ الأناضول والكارتفيلية والسامية والقسطنطينية ودولة السلاجقة والعثمانية، وصولاً إلى تركيا الحديثة تركيا اليوم، المتتبع لسيكولوجية وتاريخ الإنسان التركي يجده مقاتلاً شرساً وقائداً محنكاً وصاحب تراث وثقافة اجتماعية ناضجة.

فأعظم مرحلة بالوعي يصل لها الإنسان، هي لما تصل لمرحلة تعرف تتعامل بنضج واتزان وانفعال وصمود نفسي يمكنك من تجاوز مرحلة الخطر.

أكرر هنا أن الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها علماء السياسة هو تجاهلهم للبعد النفسي في تحليل الظاهرة السياسية، فمن غير المتصور عدم الوضع في الاعتبار ذلك العنصر المؤثر والفعال في معرفة ودراسة كيف تحدث الظاهرة.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل