المحتوى الرئيسى

ماذا لو استبدلت إيران سليماني بسعدي الشيرازي

07/21 07:35

ليت سعدي الشيرازي يقوم من قبره ليرى بأم عينيه أن أبناء جلدته بقيادة قاسم سليماني، هم المغول الجدد الذين يدمرون العراق، وبصورة أبشع من دمار هولاكو ورفاقه

تشهد المنطقة، بل والعالم بأسره، عبثا إيرانيا فجّا.

تصدير للطائفية، ودعم للإرهاب، وزرع للخلايا النائمة والنشطة، وتدخلات لا متناهية في الشؤون الداخلية للدول، وعمل على خلق ولاءات عابرة للحدود بين بعض أبناء الأقليات الشيعة في آسيا وإفريقيا، واستغلال لورقة الإرهاب لتشعل النار ثم تقدم نفسها كرجل إطفاء، واعتداءات على البعثات الدبلوماسية وأعضائها داخل إيران وخارجها، وتصرفات غوغائية أخرى كثيرة. 

ما الذي يجعل النظام الإيراني يصنع هذا الواقع المؤلم لنفسه وللمنطقة، بينما يملك من أدوات النفوذ ما هو أفضل من ذلك بمراحل؟ 

مما لا شك فيه، أن هناك أجوبة متعددة ومتباينة لهذا السؤال، بعضها يحاول التبرير، وأخرى تشرح أهداف هذه الأعمال بواقعية وحيادية، ولن أخوض في ذلك في هذه المقالة.

ولكن الأهم في نظري هو، هل كان لإيران أن تصنع لنفسها صورة أفضل في المنطقة، وتخلق نفوذا جيدا يمكنها استخدامه كورقة ناعمة تخدم مصالحها السياسية والاقتصادية؟ 

نجيب عن ذلك بنعم كبيرة. ولكن عندما تسيطر الأيديولوجيا الراديكالية على عقلية ساسة طهران، فإنهم لا يرون سوى الطرق الملتوية والخطيرة عليهم وعلى المنطقة بأسرها، مدفوعة في الغالب بنفس طائفي مقيت وشيفونية عرقية إقصائية. 

الواقع أن إيران تمتلك كثيرا من الأدوات الجاذبة لو أحسن النظام استثمارها والتركيز عليها كوسيلة نفوذ في المنطقة بدلا مما تقوم به حاليا. فهناك كثير من المنتجات والمحاصيل الزراعية التي تجتذب كثيرين مثل الزعفران والفستق والكافيار، وهناك السجاد والمصنوعات اليدوية المختلفة. 

الأهم من هذا كله أنه كان بإمكانها استثمار السينما والأدب لخلق القوة الناعمة والصورة الحسنة لها، كما أن هناك قامات في الشعر الفارسي مثل سعدي وحافظ الشيرازيين وعمر الخيام، وجميع هذه الأسماء وغيرها ليست غريبة على الأذن العربية، وتسهم في خلق صورة جيدة لإيران والإيرانيين. 

لكن النظام الإيراني تخلى عن ذلك كله، وأحرقه في نار الطائفية والإرهاب وخلايا التجسس.

نعم، لقد ارتسمت صورة إيران في المخيلة العربية منذ 1979 مدفوعة بمئات الشواهد السلبية التي تسبب فيها النظام الإيراني دون غيره، فإذا انخدع البعض بأكذوبة حرب تموز 2006 لحزب الله الإيراني في لبنان، وانعكس ذلك إيجابا على صورة إيران في بعض الدول العربية، فإن الثورة السورية وما جاء بعدها من أحداث قد بددت ما تبقى من صورة إيجابية، وكشفت للجميع مخادعة النظام الإيراني وأهدافه.

وبالتالي حتى وإن تراجعت طهران عن مواقفها الحالية وعادت إلى رشدها وصوابها واستيقظت من أحلام "الهيمنة السرابية"، فإنها بحاجة إلى عشرات السنين لمحو هذه الصورة الظلامية عنها وعن ساستها، لكن خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة على الطريق الصحيح. 

وللتذكير والمقارنة، عندما سقطت عاصمة الخلافة العباسية بغداد على يد المغول عام 1258م، وتم قتل الخليفة العباسي المستعصم بالله، فاضت مدامع الشاعر الإيراني المعروف سعدي الشيرازي شعرا فقال:

حبست بجفني المدامع لا تجري    فلما طغى الماء استطال على السكر

نسيم صبا بغداد بعد خرابها    تمنيت لو كانت تمر على قبري

لأن هلاك النفس عند أولي النهى    أحب لهم من عيش منقبض الصدر

زجرت طبيبا جس نبضي مداويا    إليك، فما شكواي من مرض يبري

لزمت اصطبارا حيث كنت مفارقا    وهذا فراق لا يعالج بالصبر

وسعدي هو أيضا صاحب الأبيات التي مطلعها "بنى آدم اعضای یک پیکرند" المستنبطة من معنى الحديث الشريف: "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمَّى"، وقد ترجمها جبرائيل المخلّع كالتالي:

في الحكم حتم باتحاد لازم    تواصل الأعضاء في ابن آدم

تلقى الجميع يشتكي ولا جرم

فإن يقع في بعضها بعض الألم

فما له خير ولا في نفسه

من لم يجدها بخطب جنسه

فيا ليت سعدي الشيرازي يقوم من قبره ليرى بأم عينيه أن أبناء جلدته بقيادة قاسم سليماني، هم المغول الجدد الذين يدمرون العراق، وبصورة أبشع من دمار هولاكو ورفاقه. ولعل توضيح ما تفعله إيران حاليا في المنطقة والعراق يأتي تحديدا في هذه الأبيات من الشعر الحداثي للشاعر الإيراني المعاصر فريدون مشيري حيث يقول: 

آهٍ على الغابة التي حوّلوها إلى صحراء

إنهم يُخفون عن عيون الناس أيديهم الملطخة بالدماء 

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل