المحتوى الرئيسى

مجدي منصور يكتب: تركيا من آل عثمان حتى مولانا أردوغان! | ساسة بوست

07/20 23:39

منذ 5 دقائق، 21 يوليو,2016

تركيا الحائرة بين الجغرافيا والتاريخ!

فجأة أصبح المشهد التركي وأصبحت تركيا ملاء السمع، وموضع الأنظار، ومحط الأبصار بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع بها في اليومين الماضيين، وتحدث الجميع عن الانقلاب في تركيا وما قبله، وماذا سيحدث بعده غافلين عن أن الانقلاب الأخير في تركيا هو نتيجة لاحقة لمقدمة سابقة، ودون معرفة السابق يصُعب فهم اللاحق.

إن تركيا قوة مهمة في الشرق الأوسط وإستراتيجياته، ولاعب رئيسي في سياساته وتوجهاته، لكن المشكلة أن تركيا قوة حائرة وسط جغرافيا معقدة، ولاعب حائر لا يعرف تاريخيًّا إلى أي فريق ينتمي وفي أي موقع يلعب. وفي ظروف طبيعية فإن الحيرة لدى أي إنسان، أو أي كيان حتى في حجم دولة يُمكن تأجيل البت فيها، لكنه في الأزمات الحادة كما هو الحال في الشرق الأوسط الآن فإن الحيرتين الجغرافية والتاريخية، وما قد يصدر على أساسهما من توجهات أو قرارات سياسية يمكن أن تدفع أصحابها إلى أكثر مما هو في طاقة احتمالهم موضوعيًّا، ذلك أن كل كيان اجتماعي وإنساني له طاقة على الاحتمال، فإذا تعدتها الضغوط تمزق النسيج وهذه بالضبط أزمة تركيا الآن، والخطر الذي يتهددها. وبدون تفاصيل عديدة أو عقد التاريخ فيمكن القول:

إن تركيا الحديثة هي وريثة الدولة العثمانية التي ظهرت في القرن الخامس عشر، وأنشأت لأول مرة دولة تركية تحولت بسرعة إلى دولة للخلافة الإسلامية رضى بها العالم الإسلامي كله، خصوصًا بعد فتح إسطنبول. وفي ذلك الوقت تصورت شعوب إسلامية كثيرة «خصوصًا في العالم العربي» أن القوة العثمانية هي الحامي لديار الإسلام من محاولات الاستعمار الأوروبي «المسيحي».

ومثل كل الإمبراطوريات فإن الخلافة العثمانية ضعفت، وظلت طوال القرن التاسع عشر غنيمة تنتظر من يرثها، وكان الإرث في النهاية من نصيب بريطانيا وفرنسا في التسويات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى. وفي أعقاب هذه الحرب مباشرة فقد ظهر بطل وطني هو «كمال أتاتورك» الذي قبل بنهاية الإمبراطورية العثمانية، ولكنه تصور إمكانية إنقاذ تركيا نفسها في شبه جزيرة الأناضول على شواطئ البحر الأسود، وعلى اتصال بالبحر الأبيض عبر مضيق البسفور إلى بحر مرمرة.

خطأ أتاتورك القاتل والذي ما زالت تركيا تُعانى منه حتى الآن

وكان الخطأ الذي وقع فيه «أتاتورك»، وهو خطأ فادح بالجغرافيا والتاريخ، أنه أراد إنشاء دولة أوروبية في تركيا. بينما تركيا بالجغرافيا آسيوية فيما عدا رأس جسر صغير على الضفة الغربية الأوروبية للبسفور. كما أنه أراد إنشاء دولة علمانية في تركيا، بينما حقيقة قيام دولة تركية قوية لأول مرة بواسطة العثمانيين أوجد امتزاجًا بين الدين والوطنية يصعب فصله بقرار، رغم تصور أتاتورك أنه يكفيه أن يجعل «الجيش التركي مسئولًا بالدستور عن بقاء تركيا أوروبية وبقاء تركيا علمانية».

إن التناقضات مع الجغرافيا والتاريخ والمسئولية الخاصة التي أُعطيت للجيش التركي، كانت سببًا مباشرًا في دخول الجيش التركي إلى العمل السياسي الداخلي في تركيا، سواء بالانقلابات التي تكررت ثلاث مرات قبل ذلك في تركيا في مايو عام 1960 بقيادة «جمال جورسيل»، ومارس عام 1971، وسبتمبر عام 1980 بقيادة «كنعان إيفرين» أو بقيام مخابرات الجيش وقوات الأمن الخاصة بالعمل المباشر في حماية المستقبل الأوروبي والعلماني للأمة التركية! وذلك أدى إلى مشاكل كثيرة في الحياة المدنية التركية التي أصبحت تحت وصاية مؤسسة عسكرية لها سياستها المعنية بها لا.

الجيش التركي حامى العلمانية بنص الدستور التركي

إن الأمة التركية التي يحمل الجيش التركي مسئولية وحدتها قضية معقدة، وإذا كان أتاتورك بهيبته وسلطته قد استطاع أن يُغطي عليها، فإن الحقائق لها سلطان مستمر بعد أي فرد، وأبرز تلك الحقائق:

إن تركيا من ناحية بلد من تسعة وسبعين مليون نسمة، يوجد فيه ما لا يقل عن اثني عشر مليون كُردي «وكانوا وقت أتاتورك وإلى عهد قريب يسمونهم أتراك الجبال»، ومع أن الأكراد مسلمون فإن لهم هوية قومية مختلفة يصعب إنكارها، ومن ناحية أخرى فإن هؤلاء التسعة وسبعين مليون نسمة بينهم ثلاثة وعشرون مليون نسمة من الشيعة «معظمهم من العلويين»، وهم أيضًا مسلمون لكنهم يتبعون مذهبًا يختلف عن المذهب السني، الذي ساد في تركيا منذ أيام الخلافة العثمانية.

إن هذه الخطوط الرئيسية التي تشير إلى تركيبة إنسانية معقدة، تجعل فكرة الأمة في تركيا إلى رعاية خاصة حتى لا تؤدي الاختلافات إلى انقسامات، فإذا أُضيف إلى ذلك ما جاءت به حقائق التطور من تناقضات اجتماعية زادت حدتها. إذن فنحن أمام كتل إنسانية حرجة يصعب أن تُعالج تناقضاتها بسلاح الجيش، حتى وإن لجأ إلى إنشاء فرق تصفية تتولى معالجة أمر النشيطين بين الجماعات السياسية، أو العرقية، أو الدينية.

إن الأزمة بدأت تزيد حدة نتيجة لعدة عوامل ظهرت أو طرأت في الثمانينات:

العامل الأول: إن تركيا وإن أصبحت عضوًا في حلف الأطلنطي عسكريًّا إلا أن أوروبا رفضت بإصرار أن تقبلها عضوًا في السوق الأوروبية، وذلك عن إدراك أكثر للجغرافيا والتاريخ، وذلك أدى إلى صدمة للحكومات التركية التي كانت مصرة على تجاهل الحقائق.

العامل الثاني: إن قيام الثورة الإسلامية في إيران أدى إلى هزات في تركيا، خصوصًا إذا أخذ في الحسبان وجود تلك الكتلة الضخمة من الشيعة.

العامل الثالث: مع زيادة المطالب الاجتماعية المؤجلة نتيجة إنكار الحقائق، أو التعسف في فهمها وعلاج آثارها! فإن المدن التركية وقتها من إسطنبول إلى أزمير، ومن أضنه إلى بورما بدأت تشهد قلاقل، كما أن مناطق الجبال الجنوبية ومعظمها مجاور لإيران والعراق بدأت تشهد عمليات مقاومة مسلحة ضد النظام في إسطنبول ذاتها.

العامل الرابع: هو التجاذبات السياسية بين الأحزاب التركية بعضها ببعض، والتي وصلت إلى حد الاحتراب.

وكانت تلك هي الخلفية التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أتى عليها رجب «طيب أردوغان».

حينما بدأ «أردوغان» في الحكم قام باتباع سياسة ذكية سُميت سياسة «صفر مشاكل»، وقد جنت تركيا من ورائها مكاسب اقتصادية كبرى، استشعر بها المواطن التركي البسيط، ورفعت من شعبية حزب العدالة والتنمية ومن شخصية أردوغان نفسه. مع ملاحظة أنه كان هناك مساعدة أوروبية قوية وتحديدًا من ألمانيا لتقديم صورة نموذج إسلام معتدل متقدم يقف أمام الإسلام المتشدد من القاعدة، وغيرها.

إلا أن الأمر تغير جذريًّا بميلاد موجة الربيع العربي، وبروز تيار الإسلام السياسي على رأس هذه الموجات في تونس ومصر، وبداية القلاقل في سوريا. كانت رؤية «أردوغان» وفيلسوفه «أحمد داوود أوغلو» استغلال الربيع العربي؛ كي تصبح تركيا «هي الوكيل الحصري للإسلام المستنير في الشرق الأوسط أمام الغرب، وبهذا تنفتح أمامها أبواب الاتحاد الأوروبي المغلقة في وجهها منذ سنين، وتصبح هي المطلوبة بعد أن كانت طالبة».

إلا أن الشعب المصري مع الجيش المصري في (30/6 و3/7) أسقطوا حلم الخليفة العثماني في إسطنبول بعد أن أسقطوا أهم حلفاء الخليفة «جماعة الإخوان المسلمين» في مصر ورئيسهم من على كرسي العرش في مصر المحروسة. ومن يومها والرجل غير قادر على تصديق ما حدث، وقام بالتصعيد على كل الجبهات عله يستطيع الحفاظ على مشروعه الذي ذهب أدراج الرياح!

فالرجل منذ سقوط الإخوان في مصر وإنهاء حكمهم، بل وحظرهم يُشبه لاعب القمار، رغم خسارته يعاود اللعب من جديد عله يربح. ويُجمع الكثيرين على أن «أردوغان» قبل سقوط الإخوان في مصر ليس هو أردوغان بعد سقوطهم.

«سوف أنشئ جيلًا متدينًا»، هكذا صرح أردوغان بعد أن أصبح حزبه يفوز بالانتخابات تلو الانتخابات. لم يعد يهتم أن يبدو رئيسًا للأتراك جميعًا، ولم تعد تعنيه العلمانية التي كانت عماد الدولة لمدة 90 عامًا، ولم يعد يرى ضرورة للاهتمام بآراء الليبراليين أو حتى تمثيلهم. الأفعال التي تدل على ذلك كثيرة، منها أنه لم يكتفِ بتصريحات ضد الإجهاض، لكنه اعتبر حتى العمليات القيصرية ضد مشيئة الله. ازدادت جرائم القتل ضد النساء بمعدل 1400%، لم يهتم بالبحث في أسباب هذا، لكنه طلب من النساء أن يبقين في منازلهن وينجبن 3 أطفال.

وكذلك فإن أردوغان لم يعد يهتم أيضًا أن يبدو حكمه ديمقراطيًّا، متجاهلًا حقيقة أن الشعب اختاره بدافع العداء ضد الجيش. بدأت انتفاضة منتزه «جيزي» عام 2013 بمظاهرة صغيرة مناهضة لاقتلاع الأشجار ومدافعة عن البيئة، لكن الرد العنيف من الشرطة طور الأمر لما هو أكثر بكثير. بدا بعد أن حاول الرئيس التركي «عبد الله غول» أن يهدأ الأمور، بدا وأن أردوغان يحاول إشعال النيران عمدًا.

الغطرسة نفسها امتدت للصحافة، أصبح انتقاد بسيط يوقع في مشاكل قانونية حقيقة، طبقًا لـ «فورين بوليسي» تبين الأتراك أن التزام أردوغان بالإصلاح لم يكن حقيقيًّا، وأنه لا يؤمن بالصحافة الحرة، بل يريدها صحافة يتم توجيهها. اليوم تمتلك تركيا أكبر عدد من الصحفيين في السجن بالنسبة لتعداد السكان في العالم.

الغريب أن الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي الذين كان أردوغان يهاجمهم كثيرًا في الفترة الماضية، بل ويجهز لسن تشريعات للحد من حريتهما كانوا من أهم أسلحته لمناهضة الانقلاب الأخير.

وصلت عنجهية أردوغان إلى أصدقائه أيضًا. «فتح الله كولن» لاهوتي تركي يحض على التسامح والسلام، عانى مثل أردوغان من سلطة الجيش، وعمل مع أردوغان لفضح سيطرة الجيش على البلاد. بعد أن استتب الأمر لأردوغان، قرر أنه حان الوقت للتخلص من «كولن» وأتباعه، صادر أصولهم وأموالهم، وألقى القبض عليهم بتهم ملفقة ووصمهم بالإرهاب.

وفعل نفس الشيء مع صديقه ووزير خارجيته ورئيس وزرائه بعد ذلك «أحمد داوود أوغلو»، حينما اختلف معه اضطره للابتعاد عن السياسة.

الأكراد لهم قصة مشابهة، لقد دعموه ورأوا فيه أملًا قد يُنقذهم من مظالم عمرها عقود. كان «أردوغان» قد بدأ مفاوضات سرية مع «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وزعيمهم المسجون «عبد الله أوجلان». بعد الانتخابات لم تتحقق الوعود، فحاول الأكراد البحث عن أمل آخر، فصوتوا لـ«حزب الشعب الديمقراطي»، بدلًا من العدالة والتنمية؛ ما جعل أردوغان ينقلب عليهم منتقمًا، ليحول منطقة جنوب شرق تركيا إلى منطقة حرب مثلما كانت عليه في ثمانينات القرن الماضي.

انتهى وعد أردوغان «لا مشاكل مع الجيران» بتركيا تعاني من مشاكل مع كل جيرانها تقريبًا. وكان هذا سببًا في انخفاض كبير في عائدات السياحة، البداية كانت من إحجام السياح الإسرائيليين، تبعهم الروس، ثم جاءت تفجيرات إسطنبول لتبعد الجميع تقريبًا عن شواطئ إسطنبول.

فالنظام البعثي في دمشق وعلى رأسه «بشار الأسد»، لم يسقط رغم كل محاولات العثمانيين الجدد بقيادة الخليفة الجديد «أردوغان» وأمنياته أن يصلي في الجامع الأموي لم تتحقق، رغم مرور كل تلك السنوات. وخطته فرض منطقة حظر جوي داخل سوريا ذهبت أدراج الرياح بدخول «الدب» الروسي إلى ساحة الصراع السوري بشكل علني. وكابوس أردوغان من الأكراد بدأ يتحقق.

الدخول الروسي قضى على مشروع أردوغان في سوريا

وبالطبع ارتدت تدخلاته الخارجية في صورة انفجارات وهجمات انتحارية على الأراضي التركية. ما أقنع العديد من الأتراك أن وعود الرجل بتحقيق الأمن والسلام كانت وهمًا.

دلالات ما حدث.. وكيف فشل؟

«في تركيا لدينا تزاوج بين الإسلام والديمقراطية، الطفل الناتج عن هذا الزواج هو العلمانية. هذا الطفل يمرض من حين لآخر، القوات المسلحة التركية تكون حينها الطبيب الذي ينقذه. بحسب درجة المرض نقرر الدواء اللازم للتأكد من تعافي الطفل». شفيق بير- أحد الضباط المخططين لانقلاب 1997

إن ما حدث أظهر كذب وزيف الصورة التي كان يحاول أردوغان تصويرها للعالم على أنه «السيد الكبير المُسيطر» على المقاليد داخليًّا.

إن ما حدث كان دليلًا واضحًا على فشل سياسات أردوغان على المستويين الداخلي والخارجي؛ لأن الانقلاب كان أثرًا مرتدًا لتلك السياسات.

إن الصور التي ظهرت لمواطنين أتراك وهم يضربون ويهينون، بل ويذبحون أفرادًا من الجيش سوف تُحدث إن لم تكن أحدثت بالفعل شرخًا بين الشعب والجيش، لا أحد يعلم متى سينجبر أو يطيب!

إن تلك الصور التي أراد أردوغان وزمرته بإخراجها أن تكون فزاعةً للعسكريين حتى لا يكرروا ما جرى مرةً أخرى، ستكون أكبر مُحرض للكثير من أفراد الجيش وقواده لتكرار المحاولة لإنهاء حكم أردوغان، والثأر لكرامة المؤسسة العسكرية التركية التي انتُهك شرفها على أيدى البعض من أتباع مولانا أردوغان في شوارع تركيا.

إنه من غير المتوقع استمرار رئيس الأركان «خلوصي أكار» في منصبه، إنني أتوقع أن الرجل بعد قليل سيبتعد بإرادته أو بإزاحته من المشهد «إن لم يُغتال»، فالرجل في رأيي يعيش حاليًا في حالة صراع داخلي سيزداد بمرور الوقت، وكلما زادت مشاهد إهانة الجيش من قبل زُمرة أردوغان، وسيجد من داخل المؤسسة العسكرية التركية من يتهمه بالمشاركة فيما حدث، وسيستمر حدوثه من إهانة الجيش وجعل رأسه في الوحل.

إن الكثير من الأتراك لا زالوا يراهنون على سياسات أردوغان الاقتصادية، والدليل وقوف قطاع عريض من الشعب التركي معه.

رغم فشل الانقلاب فإن أردوغان يظل هو الخاسر الأكبر في كل تلك الأحداث تأسيسًا على كل ما سبق ذكره.

فقد افتقر الانقلاب الأخير إلى الوحدانية في المؤسسة العسكرية، ولعل الأنباء المبكرة للانقلاب بقصف رئاسة الأركان التركية، واحتجاز رئيس الأركان خلوصي أكار كانت مؤشرًا واضحًا على أن الانقلابيين كانوا على خلاف مع قيادة الجيش. والجدير بالذكر أن منصب وزير الدفاع في تركيا الذي يشغله حاليًا الجنرال فكري «إيشيك» هو منصب سياسي، في حين يبقى المنصب العسكري الأرفع منعقدًا عند رئاسة أركان الجيش التركي. بالإجمال، وبمقارنة الانقلاب الفاشل الأخير بالانقلابات الأربعة الناجحة، يتضح أن شرط اصطفاف قطاع كبير ومؤثر في المؤسسة العسكرية خلف الانقلاب كشرط أساس للنجاح كان أمرًا غير متوافر في الانقلاب الأخير.

والمفتقد في الانقلاب الأخير تمثل في عدم الإعلان عن شخصيات عسكرية كبيرة كقيادة للانقلاب، مقارنة بالجنرال «جمال غورسيل» في انقلاب 1960، والجنرال «ممدوح تاغماش» رئيس الأركان عام 1971، والجنرال «كنعان إفرين» رئيس الأركان عام 1980، وكوكبة من أرفع الضباط الأتراك عام 1997 على رأسهم الجنرال «إسماعيل حقي قره داي» والجنرال «شفيق بير» والجنرال «شيتين دوغان». في الانقلاب الأخير ظهرت لاحقًا أسماء رئيس أركان القوات الجوية الأسبق «أكين أوزتورك»، والكولونيل «محرم كوسا» مستشار رئاسة الأركان، وصهره «أوزتورك هلكان قراقوش» وهو طيار مروحيات متوسط الرتبة. ومن ضمن المعتقلين بعد فشل الانقلاب يظهر اسم قائد الجيش الثاني الجنرال «آدم حدوتي»، وقائد منطقة ملاطيا «عوني إنغون»، وقائد الجيش الثالث «إردال أوزتورك». والمقارنة بين هذه الأسماء وموقعها في الجيش أثناء الانقلاب الفاشل مع أسماء وموقع كبار الضباط في الانقلابات الناجحة خير دليل على التناقض الصارخ في عدم توافر الاشتراط الثاني.

قائد القوات الجوية التركية السابق أكين أوزتورك

3- في الانقلاب الأخير غابت الحاضنة الشعبية للانقلاب، لأن الانقلابات الأربعة الناجحة في تركيا تميّزت بانحياز تجمّعات وأحزاب سياسية للانقلاب على خلفية استقطاب سياسي واسع. ربما كان الاستقطاب السياسي الواسع متوافرًا في الحالة التركية راهنًا، إلا أن رفض الأحزاب المعارضة الثلاثة للانقلاب منذ لحظاته الأولى («حزب الشعب الجمهوري» العلماني و«حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي و«حزب الحركة القومية» اليميني) ساهم إلى حد كبير في نزع الشرعية عن الانقلاب.

أفراد من الشعب تضرب الجيش!

عدم سيطرة الانقلابيين على الحكومة والبرلمان ورموز الحكومة المنتَخبة، على العكس من الانقلابات الأربعة الناجحة السابقة التي تحققت لها سيطرة كاملة على الرموز والمؤسسات. ولعل أداء الرئيس «أردوغان» ورئيس الوزراء «بن علي يلدريم» ومناشدتهما الأتراك بالنزول إلى الشوارع عبر التواصل مع وسائل الإعلام، واستجابة الجماهير لهم كان العامل الحاسم في فشل الانقلاب الأخير.

رئيس الوزراء بن علي يلدريم

فشل الانقلابيون في السيطرة على وسائل الإعلام، وظهر ذلك في إيكال مسؤولية إلقاء «البيان الأول» للانقلاب إلى إحدى المذيعات عشوائيًّا في قناة «تي أر تي»، تلك التي أعلنته أولًا ثم عادت وأعلنت فشل الانقلاب بعد إخلاء مقر التلفزيون من الانقلابيين.

فشل الانقلابيون في تمثُل للأيديولوجيا الكمالية العلمانية باعتبار «الجيش حامي الجمهورية»، ويمكن رؤية ذلك من الخطاب المستخدم في بيانات الانقلابيين للتأثير في الرأي العام التركي. افتقر «البيان الأول» للانقلاب الفاشل، وبحسب تحليل مضمونه والمقارنة المدققة مع «البيان الأول» للانقلابات الأربعة الناجحة، إلى ذلك المحتوى الأيديولوجي الصارم، برغم انتزاع جمل أتاتوركية مثل «سلام في الداخل والخارج» و«الحفاظ على العلمانية». ووشت صياغة «البيان الأول» للانقلاب الفاشل بقلة الحرفية، وضيق الوقت المُعَدّ لصياغته، والأهم بعدم انتماء أصيل لكاتب البيان للقيم الأتاتوركية، ما قد يدعم فرضية أردوغان بوقوف فتح الله كولن وراء بعض الانقلابيين.

الانقلابات الناجحة في تركيا تمثّلت في وجود تنسيق مسبق للانقلابيين مع أفرع «الدولة العميقة» من مؤسسات الشرطة والقضاء والإعلام، وتجلّى عكس ذلك في الانقلاب الأخير مع قيام الشرطة التركية الموالية «لأردوغان» بمناهضة الانقلاب، وصولًا إلى مشاركتها في القبض على الجنود والضباط المشاركين فيه.

المفتقر إليه في الانقلاب الأخير تمظهر في قلة عديد الجنود المشاركين بالانقلاب والمنتشرين بالشوارع، على العكس من الانقلابات الأربعة الناجحة؛ ما سهّل مهمة المتظاهرين المعادين للانقلاب في عرقلتهم، ومن ثم اعتقالهم لاحقًا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل