المحتوى الرئيسى

كأن يدي مُنبَتةٌ عن أصابعي (إلى صور، مدينتي الأم)

07/20 01:21

بأيِّ بريقٍ في الكناياتِ أسْتهدي

وأيُّ غبارٍ أجتلي طلْعَهُ المعْدي؟

أنا صورُ مرآةُ الزّمانِ الذي خلا

ومَنْ شجَّ بطْنَ البحر كالخنجرِ الصَّلْدِ

فأنجبَني من ضلعه مثل آدمٍ

من الملح توّاقٌ إلى العَسَل الشّهْدِ

ونوديَ بي: يا صورُ كوني مدينةَ

المجازِ الذي ربّى الجمالَ على الصدِّ

فكنتُ كما شاءتْ رؤايَ، صبيَّة

من الألَقِ المكْنون ناحلةَ القدِّ

فلا نثرَ إلاّ من صدى ما اجترحْتُهُ

ولا شعرَ إلا خِلْتُهُ خادماً عندي

أنا صورُ، أمُّ الأبجديّات كلِّها

ومسرى هبوبِ الأرجوانِ على الورْدِ

فمن شاطئي صاغتْ أليسارُ عالَماً

وما ابتُكِرَتْ قرطاجُ إلا لأفتدي

بنفسي الأساطيرَ التي حفظَتْ عهْدي

على جلْدِ ثيرانِ الجنونِ رسمتُها

لتفصلَ عطرَ الروح عن خُوَذِ الجُنْدِ

وفي دَرَكِ الخَلْقِ الأخير تعهّدَتْ

خطايَ بروقاً لا تؤولُ إلى غمدِ

أنا صورُ، رمْلي من حُلِيِّ تهجُّدي

أيا صخرةَ الغرْقى الذين توسّلوا

مجاهيلَ، أعفتْها السماءُ من الرَّدِّ

هَبيني عروجاً نحوَ ليل وساوسي

يصفّي لهيبَ الشِّعرِ من وطأةِ السَّردِ

فإنْ خانني المعنى فكلُّ مدينةٍ

ظَهيرُ عَماء الشّكلِ في رمْية النَّردِ

وما مُدُنُ العشّاق إلا قصائدٌ

وهل غيرُ نهرِ الشّاعريّاتِ مَن رعى

انحلالَ الأسى المصريّ في وَرَق البُردي

تعهَّدَها بالنّأْي لفْحُ صَبا نجْدِ

وألَّفَ من بحرينِ صورينِ للرّؤى

كأنّهما شَطْرا جمالٍ بلا حدِّ

بما أوْدعتْهُ الشّمسُ في الحُجُب الرُّمْدِ

وأخرى اجتباها من عذاباتِ أهلها

كما يُجتبى الينبوعُ من مِزقِ الرّعْدِ

الى ما تبقّى من شذى الزّمنِ الرّغْدِ

هنا حيثُ نامَ العُشْبُ في راحَتَيْ أبي

لينمو، وآخى البيلسانُ ثرى جَدّي

هنا حيث يبني الناسُ من حجر الأسى

بيوتاً، وحيث الدّمعُ فاكهةُ الفَقْدِ

يقول شهيدٌ لابنه البكْر: كُنْ غدي

لأحيا، وأَكمِلْ دورةَ الأرضِ من بَعْدي

ويَسْرونَ في نُسْغِ التّراب كأنّهمْ

رنينُ تجلّي الله في سورة الحَمْدِ

مُصيخاً إلى ما فاتَ من أَلقِ الحَصى

ومن وخْزِ غصَّات أُكابرها وحْدي

أسائلني: ما الشّعر؟ ما ذلك الذي

تربَّص بي، مُذْ رحْتُ أحبو، صهيلُهُ

وزيَّن لي طفلاً نجوماً بلا عَدِّ

وما انفكَّ في السّتين يرفو بنصْلِه

حنايايَ، حيث الأرضُ تلمعُ عن بُعدِ

كأنّ يدي مُنْبَتّةٌ عن أصابعي

وصوْتي تشظِّي النّايِ في أحرف المَدِّ

وتُبعدُني عنّي ظِلالي فهل أنا

شريدُ المرايا أم نزيلٌ على جلْدي؟

على أنّه منذ اتَّقاني بعصْفِه

ولو لم أُجرَّعْ كأسَه المرَّ عن عمْدِ

تغشّى الصبابات التي عزَّ لمسُها

بما لا يُجارى من ضفائرِها الجُعْدِ

وهيَّأَ لي مع كلّ ثغرٍ لثمتُهُ

مهبَّ اشتهاءاتٍ عصيًّا على الفصْدِ

حفيفَ هبوط الحُورِ من جَنّةِ الخُلْدِ

وأوْكلَ لي ما لمْ أُحَمَّلْهُ طائِعاً

وما لمْ يعنِّي كي أتوبَ إلى رُشْدي

كأنْ كلُّ شَهدِ الأرض سالَ على فَمي

وكلُّ بناتِ الشِّعر نِمْنَ على زِندي

وحيداً على مدِّ النّساء أقودُني

إلى كلِّ جَمْرٍ في المخادِعِ مُشتَدِّ

وأُرهِفُ سَمْعي للعُصور التي نأَتْ

فأَسْمَعُ ديكَ الجِنِّ يبكي على ورْدِ

فإنْ شاقَني بَرْقٌ بَتَرْتُ وميضَهُ

وإن حالَفَتْني الرّيحُ ألَّبْتُها ضِدّي

وإمّا انحَنى نَهْدٌ على الجَمْر خِلتُني

تَنهُّدَ حَرْفِ الهاءِ في حُرْقةِ النَّهْدِ

أيا صورُ رُدّي عن صبيٍّ تخلَّعَتْ

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل