المحتوى الرئيسى

يسرى فودة: خيروني بين السقوط أو الخروج

07/19 14:56

كشف الإعلامي يسرى فودة، عن الكواليس الأخيرة في برنامجه "آخر كلام"، الذي كان يقدمه على قناة "أون تي في"، ولم يستطع نشرها في كتابه "أخر كلام" مشيرًا إلى أن أنه عندما حل صيف عام 2014، أدرك أخيرًا  زملاؤه في برنامج "آخر كلام" وهو منهم أن ما تبقّى من الخيط المهني الأخلاقي، الذي تشبّثوا به لأكثر من عام بين أصحاب الصدمة وأصحاب الهستيريا، لم يعد يتحملهم شيء من اثنين، لا ثالث لهما، كان لابد من أن يحدث: إما السقوط أو الخروج.

وأشار إلى أنه منذ خروجهم فى سبتمبر من ذلك العام، وهو يعكف على توثيق تجربة إعلامية نادرة، وقعت في قلب ثورة لم يسبق لها مثيل لافتًا إلى أن الأمر استغرق الأمر عامًا كاملًا، قبل أن يبعث بمسودة الكتاب إلى دار الشروق.

وأضاف فى مقاله الذي نشره على موقع "دويتشه فيله" الألمانى بعنوان "ما لم يُنشر فى كتاب آخر كلام": نظرًا لحساسية ما ورد في الكتاب أمام نظام لا يؤمن بأهمية الكلمة الحرة فى بناء مجتمع صحيح البنية فحسب، بل إنه أثبت استعدادًا فوريًّا للعصف بأصحابها بالقانون أو بغيره، اجتمع على مراجعة الكتاب ثلاثة مستشارين قانونيين محترمين، اثنان من طرف دار الشروق وواحد من طرفي. فضلًا عن مراجعات الناشر النمطية المعتادة، كان لهم جميعًا أن يقيسوا كل كلمة على هذه المستويات: مستوى الدقة في نقل الحقائق، مستوى الالتزام بالقوانين، مستوى "المناخ" السياسي و"المزاج" العام.

ونوه إلى أنه التزم بمسئوليته عن المستويين الأولين؛ فهو فى صالحه شخصيًّا على أية حال، رغم اختلافه على تفسير بعض القوانين. غير أن الاختلاف الأكبر كان حول تعريف دقيق للمستوى الثالث، وهو ما أخّر ظهور الكتاب لأكثر من ثلاثة أضعاف المدة المعتادة في مثل هذه الأمور.

وأشار إلى أنه في اليوم التالي جمعه لقاء برئيس مجلس إدارتها، المهندس إبراهيم المعلم، الذى يضعه دائمًا فى منزلة الوالد والصديق لافتًا إلى أنه تعرض هو شخصيًّا، إلى ضغوط ظالمة من قبْل الثورة ومن بعدها، فقد منحته حقًّا مطلقًا فى الامتناع عن النشر فى أي لحطة دون أن يكون حتى مضطرًا إلى شرح الأسباب.

وأوضح أنه عند خروجه من مصر كان يدرك أنهم يعلمون أن لديّه بدائل أخرى، داخل مصر وخارجها، أبسطها أن ما يمكن أن يتاح على موقع إلكتروني أو حتى على فيسبوك قائلاً: و"هم" أيضًا كانوا يعلمون أنني أعلم أنهم يعلمون. كان رهانه على ذلك، وكان من ضمن الحسابات فى ذهنى أن دولة الرقابة، من الخمسينات حتى الآن، رتبت أولوياتها من حيث الغلظة فى ما تسمح بوصوله إلى الناس هكذا بشكل عام: التليفزيون - الراديو - السينما - المسرح - الجريدة - المجلة - الكتاب.

وتابع فى مقاله: لم يمسس أحد فى دار الشروق ولا بين المستشارين القانونيين رأيى أو رؤيتى إلا حين نشأ إحساس باصطدام أى منهما بأى من المستويات المذكورة. وبرغم كل الإرهاق الذهنى والعصبى الذى أصابنا جميعًا على مدى تسعة أشهر، سأحتفظ دائمًا باحترامى وتقديرى لدار الشروق التى أقبلت على عمل يبدو عاديًّا كنشر كتاب وإن كان أقرب إلى عمل انتحارى فى ظل ذلك "المناخ" السياسى و"المزاج" العام. حين بلغ الإحباط منى مبلغه طلبت فسخ العقد رسميًّا خمس مرات فى مواضع مختلفة كى أستطيع البحث عن طريقة أخرى للنشر. وفى كل مرة كانت دار الشروق تتمسك بالكتاب وكان ما يجمعنا من ود واحترام يعيدنى إلى تفكير مشترك يبحث فى حلول خلاقة محتملة.

وأوضح أنه وجد نفسه فى نهاية المطاف أمام طريق من اثنين: فإما أن يضحى بحرصه على نشر هذه الوثيقة بين دفتى كتاب من داخل مصر فى سبيل أن يصل إلى الناس كل حرف كما كتبت، أو أن "يتنازل " قليلًا أمام "نصائح" المستشارين القانونيين فى سبيل أن يكون له مكان فى مكتبة هذا الجيل والأجيال القادمة.

واستطرد أنه كانت الملاحظة الأولى تتعلق بالتسريبات التى قيل إنها خرجت من مكتب وزير الدفاع وقتها، عبد الفتاح السيسي. وكانت النصيحة أن أضيف إليها دائمًا كلمة "المزعومة".لافتا إلى أنه لم يعترض؛ فهذا مصطلح قانونى بحت يمكن أن يشكل فارقًا كبيرًا فى أى تحقيق محتمل.

وقال فودة أن المكان الوحيد الذى ينبغى أن يبقى دائمًا فى بقعة الضوء هو المكتب الذى خرجت منه التسريبات "المزعومة" قائلا: لا يعنينى فى هذا المقام أن طرفًا آخر يحاول توظيف الأمر فى إطار صراع على السلطة، وإنما يعنيني، كمواطن مصرى يؤمن بضرورة خضوع الحاكم لرقابة الشعب، ألا يستهزئ الحاكم بحق الشعب فيتجاهل الأمر تمامًا إلا فى استصدار قرار من النائب العام بتجريم الحديث فيه، أو فى غيره من أمور كما حدث بعد ذلك. سيبقى السؤال على طاولة السيسى: لماذا - إذا كانت التسريبات "المزعومة" مفبركة - قدمتَ اعتذارًا لأمير قطر عن إهانة والدته التى أتت فى سياق أحد تلك التسريبات "المزعومة"؟

وأكمل فودة مقاله: الملاحظة الثانية كانت فى وصف ما حدث يوم 14 أغسطس 2013 بأنه "مذبحة" كما ورد فى مسودة الكتاب. إذا كان الأمر يتعلق بالكم فإن أقل التقديرات - وقد جاءت من مجلس تابع للدولة - تعدت ستمائة قتيل فى غضون ساعات قليلة. وإذا كان الأمر يتعلق بالكيف فإن أحدًا لم يتحمل المسؤولية بعد فى الإجابة على هذه الأسئلة: هل كان ثمة من سبيل آخر للتعامل مع جانب من شعب مصر اعتصم فى ميدان عام أو ميدانين دون قتل؟ ولماذا؟ ماذا كانت الخطة؟ وكم كانت التقديرات النظرية للخسائر فى الأرواح؟ ومن اتخذ القرار؟ ما طبيعة العتاد والسلاح الذى نزل به الجنود والضباط؟ وماذا كانت قواعد الاشتباك الموكلة إليهم؟

ثم كم لترًا من الدم تمامًا كافية لتسويغ استخدام هذا المصطلح؟ ولا يصح أخلاقيًّا ربط الإجابة على هذه الأسئلة الحاسمة بأن جانبًا من المعتصمين، أو حتى كلهم، كان يحرّض بالكلمة على أعمال عنف. عنف المواطن سيئ وله فى القانون ما يقابله، وعنف الدولة أسوأ ولا ينبغى أن يمر دون حساب، وإلا فليرحمنا الله جميعًا.

ونوه إلى أن الملاحظة الثالثة كانت تتعلق بحساسية مفرطة كلما أتى ذكر القوات المسلحة أو أى من قادتها. ورغم أننا قضّينا سنوات طويلة منذ بداية الثورة نحاول أن نشرح للناس أن احترامنا لجيش بلادنا لا يتناقض مع انتقادنا للدور السياسى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، بل إنه جزء لا يتجزأ منه، فإن عجز البعض عن قبول هذا المبدأ - خاصةً فى قمة السلطة - خلق أجواءً من شأنها إرهاب التفكير الحر.

على سبيل المثال، فى الفصل الذى يحمل عنوان "فجأة .. انتهى شهر العسل"، قادنى تقييمى لتطور المنهج الإعلامى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة - وقد كان يدير شؤون البلاد - أمام حال الثورة إلى هذه الفقرة:

وتابع أنه إذا اعتبرنا أن تلك كانت أولى مراحل الأوجه المختلفة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى تطور اشتباكه مع الحياة المدنية فى العام الأول للثورة، فلابد أن المرحلة الثانية كانت مرحلة عتمان/شاهين (مرحلة المدخل)، ولا بد أن المرحلة الثالثة كانت مرحلة العصار/حجازى (مرحلة الاستيعاب)، ولا بد أن المرحلة الرابعة كانت مرحلة الفنجري/الروينى (مرحلة الإصبع)، ولا بد أن المرحلة الخامسة كانت مرحلة "مفيش/مفيش" (مرحلة العزوف)".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل