المحتوى الرئيسى

تأميم خطبة الجمعة بأمر وزير الأوقاف

07/19 12:20

- من النسخة الورقية لجريدة اليوم الجديد الاسبوعية 

- «الخطبة المكتوبة» هدية مجانية للإخوان والسلفيين لضرب الدولة.. وقرار جمعة وصم 80 ألفًا من الأئمة والدعاة بالفشل وحرمهم من حق الاجتهاد

- تعميم الخطبة فى «برشام شرعى» يؤكد اعتماد المسؤولين على كتالوج منع الأمن الأولتراس من حضور المبارايات «لترييح الدماغ»

-  الوزير يواصل قرارات «الشو الإعلامى» ويدارى فشله فى السيطرة على المساجد بإجراءت ترفع شعار «الخطاب الدينى» لمغازلة السلطة

 آفة التنظيمات الدينية المتطرفة والمسلحة تأميم الاجتهاد واحتكار تفسيرات ظلامية للعقيدة لا تشبع إلا فوبيا السفك والنحر والتفجير لدى عناصرها الموتورة، بيد أن انتقال الداء إلى من يفترض فيه التصدى لمثل تلك الأفكار القاتلة لهو قمة الصدمة بلا أدنى شك.. صدق أو لا تصدق وزارة الأوقاف، بقرارها تأميم «خطبة الجمعة» تنتهج اليوم ما تدعى أنها تسعى لضربه فى أوساط الجماعات المتشددة.

أول من أمس الجمعة، صعد وزير الأوقاف، مختار جمعة، والآلاف من أئمة الوزارة المنابر، حاملين خطبة موحدة معدة مسبقًا من قبل لجنة متخصصة، عن «أكل الأموال الحرام»، بينما الهدف المعلن لتلك الخطوة المفاجئة، هو سد الطريق على الدعاة من أصحاب النهج السلفى أو التكفيرى الراديكالى، فضلًا عن تجديد الخطاب الدينى، وتقديم وجه الإسلام الحضارى.

الوزير نسى أو تناسى أنه بقراره الغريب هذا، إنما يؤصل لفرضية عدم صلاحية أئمة الوزارة لمهمة الخطابة، بل وربما عدم أهليتهم لها، لدرجة أنهم احتاجوا إلى «برشام شرعى» لإلقاء خطبة الجمعة بالمساجد التابعة للدولة.

مختار جمعة يضرب كذلك كليات الدعوة وأصول الدين ومعاهد إعداد الدعاة فى مقتل، فما فائدة أن يحصل الطلاب على شهادة تجيز له التصدى للخطابة والتفسير وتوضيح أمور الدين للناس، إذا ما كانت المؤسسة الدينية الرسمية للدولة، ممثلة فى وزارة الأوقاف حصرت الاجتهاد فقط فى نفر قليل من قياداتها، بينما حولت نحو 60 ألفًا من الأئمة، وقرابة الـ20 ألفًا آخرين من المعينين بنظام المكافأة لمجرد أجهزة تسجيل تعيد إلقاء ما كتب لهم دون إضافة أو حذف أو تعديل أو مجرد إبداء رأى.

القرار يعد اعترافًا مبطنًا من جانب جمعة بالفشل فى مهمة السيطرة على منابر الأوقاف من دعاة التطرف والإرهاب، فسبق للرجل القابع فى منصبه منذ ثلاث سنوات بالتمام والكمال، وتعاقب عليه 3 رؤساء وزراء: حازم الببلاوى، وإبراهيم محلب، وشريف إسماعيل، أن سن عددًا من القوانين والإجراءات لاستعادة المساجد من قبضة السلفيين وتيارات الإسلام السياسى وما شابه، فتبنى قانون الخطابة الذى قصرها على خريجى الأزهر أو الحاصلين على تصاريح رسمية بمزاولتها.

غير أن الأيام كشفت صفقاته السرية مع قادة السلفيين، التى انتهت إلى مواصلة اعتلائهم المنابر دون تصريح رسمى بحرية تامة، باستثناء حالة ياسر برهامى.

كما لم يتمكن من تفعيل الضبطية القضائية التى ناضل كثيرًا ليحصل عليها، عبر منحها لمزيد من مفتشى الأوقاف لضبط العمل بالمساجد، حيث إن العدد الضخم للأخيرة الذى يتجاوز نحو 120 ألفًا بعموم مصر، لا تبسط الوزارة سيطرتها إلا على ثلثيها، يحول دون ذلك. ناهيك بعشرات الآلاف من الزوايا الصغيرة، تجعل من مهمة الملاحقة مجرد حبر على ورق، وأقرب إلى إجراء إعلامى يبرز فيه الوزير ما يمكن توصيفه بنشاط حاسم لمواجهة ظواهر خطرة، إلا أن الواقع يفضح عدم فاعليتها.

وحتى حين قرر حظر خطب الجمعة فى الزوايا لم يصادفه أى نجاح يذكر، فكيف تمنع وأنت لا تملك ولاية على ما يزيد على 30 ألف زاوية فى مختلف أنحاء مصر.

ثم كان إصراره على توحيد موضوعات خطب الجمعة، لعله يسيطر على الأمور، لكن لا جديد، فكان قراره المثير للسخرية بتعميم الخطبة المكتوبة، التى عانت من تجاهل ليس فقط فى مساجد فى الأرياف والقرى والمدن البعيدة، بل تحدتها معاقل سلفية شهيرة بالعاصمة على مرأى ومسمع من الجميع.

وتأميم الخطابة، ليست السقطة الإجرائية الوحيدة لجمعة، إذ إن مفهومه عن تجديد الخطاب الدينى، لا يتعدى سوى مجموعة من الأرقام لندوات ومؤتمرات وقوافل توعية، لا أحد يعرف على وجه الدقة ما هى مضامينها ولا مدى استنارتها أو قدرتها على إحداث تأثير بين المتلقين، إضافة إلى أن حالة الغيرة والخلاف والفتور المتبادل بينه وبين أستاذه السابق، شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، قد حولت فاعليات الأوقاف بشأن تطوير مفاهيم الدين، سواء على المستوى المحلى أو عبر الأحداث ذات الطابع الدولى، مجرد محاكاة سطحية لأنشطة المشيخة فاترة التأثير بالمناسبة.

يتهم كثيرون مختار جمعة بإعادة إحياء ظاهرة دعاة السلطة للوجود ولكن فى طبعة رديئة للغاية، إذ لا يعقل أن يتم الترويج مثلُا لمشروعات الدولة القومية، على طريقة أساطير وخزعبلات الإخوان الخاصة بالمساندة الإلهية والملائكية لهم ولمرشدهم ولرئيسهم المعزول.

لم يخجل جمعة من الادعاء مثلُا أن الجسر المصرى السعودى المزمع تشييده مستقبلًا، مذكورًا بالقرآن الكريم!!

العبث والمزايدة ومحاولة تسجيل أهداف فى مباريات خاسرة ومخجلة، وصل بوزير الأوقاف، الصيف الماضى، إلى منع داعية إسلامى عرف عنه التملق لمختلف العهود والنظم السياسية والحكام، من الصلاة والخطابة والإمامة بالمساجد، على خلفية متوهمة لا دليل مادى واضح عليها بأن ذلك الشيخ قد دعا على المسؤولين السياسيين وعموم الإعلام والنظام الحاكم، بنيل جزاء الظالمين والفاسدين وهو الهلاك.

نكتة جمعة تلك، تلقفها الإخوان والإسلاميون كنوع من تثبيت مظلومية أن دولة ما بعد 30 يونيو تحارب الدين، بل إنها تمنع الناس من الدعاء لربها، فى سابقة لم تحدث فى التاريخ الإسلامى الذى لم يعرف يومًا أى محاذير أو عوائق بين حديث العبد لربه، فضلًا عن الترويج إلى أن تلك الدولة مهتزة وأن بضعة كلمات قليلات كفيلة بقلبها رأسًا على عقب، فيما أن الواقع ينبئ عن تصرف وزير الأوقاف المنطلق من رغبة فردية لا تعليمات بالأحرى، لم يكن دافعه غير سياسة الدروشة والشو الإعلامى الكارثية.

عقلية كتلك من البديهى أن تصدر قرارًا بتعميم خطبة مكتوبة على المساجد، الأمر الذى لن يثمر إلا عن تمسك كثيرين أكثر بالبعد عن منابر الدولة الخاضعة للأوقاف والأزهر، وبحكم شعبية فرضيات المؤامرة والموالسة فى الذهنية الجمعية، سيبتعد الناس أكثر عن الدعاة الرسميين، بعد أن صاروا موصومين بأمر مختار جمعة بالتبعية العمياء والمطلقة.

ستبرز أسماء هامشية فى مجال الدعوة، ستكتسب شهرتها وتبنى جسورًا مع المواطنين، عبر بطولات زائفة عن تحدى قرار الخطبة المكتوبة.

مختار جمعة نفخ فى عش دبابير كان قد تم إحكام السيطرة عليه عمليا بعد أن انكشاف الوجه القبيح للاستغلال السياسى للمنابر الدينية، من قبل الإخوان والسلفيين وأنصار الفكر الوهابى المنغلق.

لكن يبقى أن ما فعله مختار جمعة بقراره العجيب، لن يعكس فقط عجزًا لدى صناع القرار على إيجاد حلول للقضايا المستعصية، ولكنه سيكشف كذلك بجلاء أن أرباب السلطة ينهالون من نفس معين الفشل القائم على الحلول الأمنية فقط، على طريقة حرمان الأولتراس من حضور مباريات كرة القدم.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل