المحتوى الرئيسى

«غرفة العنكبوت» تقرير عن المثلية

07/19 01:32

«غرفة العنكبوت» عنوان محير «لرواية» محمد عبد النبي. صحيح أن العنكبوت يظهر في ثنايا الرواية، عنكبوت يربيه الراوية بطل الرواية ويخفيه في درج، العنكبوت الضخم الذي كان معلقا في سقف الزنزانة، انه رمز بدون شك، لكننا نتعقبه بدون أن نتبين دلالته. ربما هي الحياة العنكبوتية لبطل الرواية وراويتها. مع ذلك يظل الرمز مستغلقا علينا باقيا هكذا كالرموز الشعرية التي تبقى خارج الفهم، ما دام الشعر بحد ذاته تحويلا إلى رموز.

رواية محمد عبد النبي أثارت في حينها، ولا تزال، ضجة، بوسعنا أن نفسر ذلك بسهولة. الرواية بصوت مثلي محاط بالمثليين، ونحن هنا أمام مجتمع مثلي، واللغة والتدابير والسلوكيات هي أيضاً تعابير وتصرفات مثليين. قد لا يكون لهذه الرواية سابقة من هذه الناحية وقد تكون سوابقها إن وجدت قليلة. هناك بناية يعقوبيان التي سبقت إلى فتح هذا الموضوع، لكن في رواية محمد عبد النبي ما لا نجده في بناية يعقوبيان التي كانت المثلية أحد مواضيعها، في رواية محمد عبد النبي عالم من المثليين، والرواية التي تحوي 348 صفحة تدور من أولها إلى آخرها في هذا العالم.

تبدأ الرواية بالسجن الذي ضم عدداً من المثليين جرى التقاطهم واتهامهم بمؤامرة وهمية، انهم عبدة الشيطان وحاملو جرثومة الشر في دمهم وأجسادهم، لكن حكاية السجن تفتضح وتتلقى ردود فعل عالمية من حركات حقوق الإنسان. هذه صفحة من الرواية تليها صفحة أخرى هي طفولة الراوية الذي نشأ في بيت ترزي ورث الصفة عن أبيه، وأم كانت في أول أمرها ممثلة، ولما تُوفي زوجها، وهي بعد في صباها، عادت إلى التمثيل، وحظيت هذه المرة بشهرة حقيقية. أما الصفحة الثالثة فهي ما بعد السجن وبعد وفاة الأم، والرواية هي عبارة عن تعاقب هذه الصفحات وتقاطعها. فثمة دائماً فلاش باك يردنا إلى فترة ماضيه أو حاضره نخرج منها بفلاش باك يردنا إلى فترة أخرى. بيد أن هذا التعاقب والتقاطع على درجة عالية من الحذق والحنكة، بحيث تستقيم وتستقيم معها الرواية في هندسة مائلة وبناء متماسك.

الرواية ليست فقط هذه الهندسة، فإن شروطاً أخرى للرواية تبدو مستوفية هنا ومتكاملة إلى حد بعيد. لعل أول ما يلفتنا في الرواية هو قوة السرد، فمحمد عبد النبي يملك هذه القدرة على أن يروي، وعلى أن تتسلسل حكاياته وتتعاقب وتتقاطع بسلاسة ورهافة وامتلاء. لن نقول جديداً إذا تحدثنا عن المتعة في القراءة وعن قوة الحبكة وعن التشويق. بيد أن فوق دراية الكاتب بالعالم الذي يقدمه وتحريه له ما يجعل الرواية، في جانب منها، نوعاً من سوسيولوجيا المثلية ونوعاً من بحث فيها. إلا أن ما يلفتنا أيضاً هو اللغة والأسلوب. قلما نجد الآن في رواياتنا الحديثة عملاً على اللغة وأسلوبه بالقدر الذي نجدهما في رواية محمد عبد النبي، اللغة والأسلوب هنا ليسا فقط بالدقة والقدرة على التعبير اللذين نجدهما في الرواية، بل إن في رواية عبد النبي لكوابيسه وأحلامه وفي تداعياته داخل الحمام وداخل السجن، وفي حديثه عن أمه قبل رحيلها وبعده، في كل ذلك ما يقارب الشعر خيالاً وتداعياً وبثاً وحنيناً وجواً. لن نجد في هذه الرواية الطويلة نسبيا إلا ما يشبه البستان ونحن نتنزه فيها تنزهنا في حديقة، ولا أقول غابة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل