المحتوى الرئيسى

خريجو غزة.. أعمال شاقة لمواجهة البطالة

07/18 23:50

يتصبب جبين الشاب أحمد البلعاوي عرقا وهو يحرك الحديد على نار ملتهبة، لكن لهيبها يظل أهون كثيرا على نفسه من نار العوز والفاقة، فالابتسامة التي لا تغادر محياه وهو يلين الحديد قبل طرقه بقوة تذكر المارة من حوله بأنه "لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة".

ولم يجد الشاب الثلاثيني ملاذا بعد تخرجه من الجامعة سوى مخلفات المنازل والمركبات المدمرة، ينزع من أشلائها قطعا حديدية ليعيد تدويرها بطريقة بدائية شاقة، طمعا في توفير قوت أسرته، وهربا من جحيم البطالة التي تفتك بعشرات آلاف الخريجين أمثاله.

ويحمل البلعاوي أثقاله من الحديد وينطلق بها نحو بلدة المغراقة الزراعية (وسط قطاع غزة)، حيث ورشته الصغيرة، فيشعل على مدخلها النار ويضع عليها القطع الحديدية ويبدأ طرقها وتطويعها، ليخرج منها أدوات حديدية يستخدمها أهل غزة في حياتهم اليومية.

ولجأ أحمد إلى مهنة سحب الحديد بالنار وطرقه يدويا بعد أن فقد الأمل في العثور على عمل في مجال تدريس الجغرافيا، فآثر اللجوء إلى مهنة لا يتجاوز عدد من يتقنونها في القطاع أصابع اليد الواحدة.

وإن كانت مهنة البلعاوي التي ورثها عن جده منحته فرصة توفير لقمة العيش، فإنها لا تعينه على ادخار المال لتحسين وضعه المعيشي وتوفير متطلبات الزواج.

ورغم ذلك فهو مسرور بما قسمه الله له من رزق في منطقة محاصرة يعتمد 80% من سكانها على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وفي ضوء ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 60%.

ولا يكل البلعاوي الذي يطلق عليه في حيه اسم "أبو النار" من إشعال موقد الكير والوقوف أمامه ساعات طويلة، مكررا طرق الحديد الملتهب تارة ومعيده إلى الموقد تارة أخرى، إلى حين تشكيل أدوات يستخدمها المزارعون والصيادون والجزارون وغيرهم من الحرفيين والصناع وربات البيوت.

ويقول أبو النار في حديثه للجزيرة نت إن إصراره على تأمين لقمة العيش لأسرته بعد استشهاد والده وشقيقه التوأم، كان دافعا قويا للقبول بأي مهنة توفر له العيش الكريم وتغنيه عن السؤال.

وليس بعيدا عن حالة البلعاوي عمل خريج كلية الآداب محمد العماوي في حقل البناء على مدار عشر سنوات، حتى احترف تشييد المنازل وبات من البنائين المهرة، ويعتمد على عمله في توفير قوت أطفاله الخمسة.

وكان على العماوي بعد أن يئس من كثرة التقدم بطلبات للتوظيف، أن يختار بين العمل في أي مجال بعيدا عن تخصصه الجامعي، أو يلق مصيره المحتوم مع العاطلين الجامعيين الذين تجاوزت نسبتهم 70% من مجمل خريجي غزة البالغ عددهم 150 ألف خريج.

ولا يبدو الشاب العماوي منزعجا من اختياره العمل في حرفة شاقة، لأنه -حسب وصفه- يبقى أفضل حالا من جيش الخريجين القابعين في غزة دون أمل في الحصول على فرصة عمل في أي مجال كان.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل