المحتوى الرئيسى

خطوة نزيهة وشجاعة

07/18 01:30

تشكل توصيات لجنة بيطون لتعظيم تراث يهود أسبانيا والشرق في الجهاز التعليمي، معلَماً في النضال من أجل مكانة تراث القادمين من الدول الإسلامية. وبسبب أن الأمر لا يتعلق بجمهور هامشي في المجتمع الإسرائيلي، فإن في الأمر شهادة بأن المعالجة الصائبة ستحدث تغييرات عميقة في الجهاز التعليمي.

وتدعو التوصية المركزية للجنة إلى اعتبار عملية تعظيم تراث يهود أسبانيا والمشرق مهمة قومية، في إطار برنامج استراتيجي، ينفذ في كل مؤسسات التعليم. وإلى جانبها، هناك خمس توصيات تفصل مغزى الخطوة من ناحية منظومة التعليم والتلفزيون التعليمي، وثلاث توصيات تتعلق بمؤسسات التعليم العالي. وهناك مسألة واحدة طبيعية، لن أمسها أبدا، وهي هل أن التوصيات الخمس تجسد التوصية العمومية بشكل ناجع وحكيم. وأنا سأركز على المسألة الثانية، أي، على القيم التي في ضوئها ينبغي تحليل التوصيات. وأنا آمل أن توضيح هذه المسألة سيساعد في خلق حكم متزن ومنطقي للتقرير، يمنع الإمساك بهذه النقطة أو تلك ويخلق نقاشا مثمرا.

وكقاعدة، يجدر التمييز بين حافزين يقفان خلف مطلب تعظيم دور ثقافة يهود الدول الإسلامية في الجهاز التعليمي: التوق للاعتراف والتمثيل من ناحية، والبشارة التي يحمله معه هذا التعظيم للمجتمع الإسرائيلي بعموميته من ناحية أخرى.

فمطلب التمثيل والاعتراف يعبر عن الرغبة المشروعة في انتاج وضع، تكون فيه فحوى ورموز يهودية الأقطار الإسلامية باختلافاتها ممثلة كما ينبغي في المؤسسة التعليمية. وبناء على ذلك، يجدر بالتلاميذ من كل أطياف المجتمع الإسرائيلي أن يتعرفوا على ماضي من يشاركونهم المواطنة في الدولة. وإذا حصرنا أنفسنا بالتلاميذ اليهود في الدولة، فإن هذا يبدو أكثر صحة. إذ يجدر بهم أن يتعرفوا على التنوع اليهودي المركب، الذي بناه أبناء شعبهم بجهد كبيرعلى طول مئات السنين. والجهاز التعليمي اليوم لا يعبر عن تنوع هويات الذاهبين إليه. والسلك الأكاديمي، كما وصف في التقرير، تنازل عن هذه الرسالة، بعد إنجازات جوهرية تحققت في الثمانينيات والتسعينيات.

وكان بالوسع أن نتوقع أن يبدأ التقدم بشأن دمج النساء في الجهاز الأكاديمي يسري أيضا على يهود الأقطار الإسلامية. وقد تجلى هذا التوقع فعلا في إعلان اللجنة ـ «إننا نوصي بمثل ما أدركت لجنة التخطيط والموازنات أن تضع في مركز الاهتمام موضوع العرب والنساء والحريديم، ينبغي التعامل أيضا مع يهود المشرق كأقلية مقموعة، وأن تقام لجنة تبلور من أجلهم خطة خمسية». وفي ضوء ذلك، واضح أن الأمر يتعلق بخطوة شجاعة ونزيهة من جانب الوزير نفتالي بين، وبتوق حقيقي لإصلاح ما يتطلب الإصلاح.

والحافز الثاني الكامن خلف الطموح لتعظيم مكانة تراث يهود الأقطار الإسلامية، تتعلق، كما سلف، بالوعد الممثَّل بهذا التعظيم للمجتمع الإسرائيلي بأسره، والذي من نواح هامة عدة لا يعتبر وضعه مبهجا على وجه الخصوص. ونقاش التمثيل والاعتراف لا يستنفد قدرات تراث يهود الأقطار الإسلامية. وهذا يشمل أيضا تراثا يهوديا عربيا، فيه ما يمكن أن يشكل جسرا لحياة مشتركة بين العرب واليهود. ولا يتعلق الأمر بطلب التمثيل والاعتراف، وإنما بالإمكانية الكامنة في عالم محتوى يهود أسبانيا والشرق على الحياة المشتركة.

ولا نكتفي بنظرة إلى الماضي فقط. فالفكرة هي أن نبني سويا قصة مشتركة لصالح الدولة التي جزء من سكانها هم شرقيون وعرب، وهي توجد في منطقة عربية. وهذه القصة يمكن العثور عليها، مثلا، في مكامن العبرية الموجودة في الشعر وفي الحوار المثير بين علماء اللغة من المغرب والعلماء العرب.

كما أن في تعظيم تراث يهود الأقطار الإسلامية تكمن بشارة أيضا لتحسين الوضع في دولة تحكم بازدواجية بين العلمانيين والمتدينيين. فيهودية الأقطار الإسلامية لا تقدس ثنائية الديني ـ العلماني. ففيها انفتاح على العلماني وعلى الديني، وهي تعيش هذا التعقيد من دون تبسيطه، من ناحية في قومجية ضيقة، ومن دون تحويله، من جهة ثانية إلى طائفة. هذا التموضع يسمح لها بأن تتمتع من كل ما هو متوفر للعالم اليهودي وما تعرضه الثقافة الإنسانية. فهي لم تعلن الحرب على العلم وعلى الفن.

إن تشخيص الإيمان مع قيم أخلاقية، الذي تطور في الغرب المسيحي، أثار في صفوف الأرثوذكسيين مخاوف مفرطة من ذوي النزعة الإنسانية: انظروا كيف تحولت النزعة الإنسانية إلى وثنية لدى يشعياهو ليفوفيتش. ويهودية الأقطار الإسلامية تتحدث عن التراحم والتلاطف، من دون المخاوف التي ترافق الندوب التي يحملها معهم الأشكناز. هذه اليهودية، التي هاجرت إلى هنا، وجدت نفسها عاجزة أمام الهندسة البشرية التي فرضها الآباء المؤسسون، وأمام انتشار المجتمع الحريدي الأشكنازي، الذي بنفسه يتصارع مع مشاكل صعبة. إن تعظيمها سيؤثر إذن لمصلحة الجميع.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل