المحتوى الرئيسى

عبد الفتاح بن حمودة: «حركة نص» هي الأكثر شجاعة

07/18 01:16

لا بدّ للمتابع من أن يلاحظ أن ثمة حركة شعرية حقيقية في تونس، ومردها إلى وفرة الشعراء والنصوص من جهة، وإلى رغبة في تطوير التجربة ودفعها ما أمكن نحو أمام مختلف، بعيدا بمسافة فاصلة عما راج لعقود. هذه الرغبة في التغيير يحسها كل من يقترب أكثر من النصوص الشعرية التي ينتجها شعراء الأجيال الجديدة في تونس.

عبد الفتاح بن حمودة واحد من الأسماء التي تحمل هذا الهمّ، يكتب منذ أكثر من عقدين، وينتصر في الغالب للتجارب الجديدة. تجده في مقاهي شارع الحبيب بورقيبة أو بنهج ابن خلدون مشغولا إلى حد لافت بالنقاش الشعري، أو بما يمكن أن نسميه الحراك الشعري الذي تعرفه البلاد في الفترة الأخيرة. ما يكتب في تونس اليوم يجب أن ندير أعناقنا جميعا نحوه، فثمة نصوص لافتة بالفعل، سيما لدى العديد من الأسماء الجديدة، وثمة بالموازاة وعي بالكتابة وبمشاقها. أصدر بن حمودة عشرة كتب معظمها أعمال شعرية إضافة إلى كتاب تنظيري وأنطولوجيا للشعر التونسي. عن الشعر التونسي الآن وعن حركة «نص» التي يقف وراءها عبد الفتاح بن حمودة وأصدقاؤه، هذا الحوار.

] تضم حركة نص عددا من الشعراء الذين ينتمون إلى جيل أو جيلين جديدين في تونس؟ أما زال وجود حركة في الشعر أمرا مجديا؟ وما الذي تراهن عليه «حركة نص» في فترة أصبح الشعراء يلوذون فيها بفردانيتهم بعيدا عن كلّ تكتل جماعي؟

ـ تبدو مقولة الجيل صحيحة إلى حدّ ما، إذا نظرنا إليها من جهة تاريخ الأدب. فمن جايلك هو من عاصرك، ولكنها نقديا أعمق من ذلك. فالجيل هو الذي تجمعه الرؤى والهواجس والرغبة في التجديد والخروج عن المألوف. وتبدو «حركة نص» التونسية منسجمة من جهة الرغبة في ارتياد آفاق جديدة والقطع مع الماضي ثقافيا وإبداعيا. فقد جمعت في البداية خمسة شعراء من الألفية الثالثة تتقارب أعمارهم (صلاح بن عياد، زياد عبد القادر، خالد الهداجي، أمامة الزاير، نزار الحميدي) وشاعرين من التسعينيات (عبد الفتاح بن حمودة وشفيق طارقي) ثم انضم إلى الحركة سنة 2014 الشاعران عبد الواحد السويح (من شعراء التسعينيات) والسيد التوي (من شعراء الحركة الجديدة). لقد كان ميلاد «حركة نص» في سياق ثوري (فقد كان المخاض منذ مارس 2011 وتجلى ذلك في البيانات الشعرية التي كتبت في صيف 2011) رغم اعتمالها لسنوات قبل ذلك، إن ميلاد «حركة نص» يعتبر الأمر الأكثر شجاعة وجرأة في السياق الثوري الذي عاشته تونس آخر 2010 وأول 2011، وهو أمر مُجْدٍ إلى حدّ بعيد. فقد أنجزت «حركة نص» كتابها الدوري المزدوج (1و2) في أربع سنوات، نشر في العام 2015 ليصبح الكتاب دوريا كل سنتين. تطورت الحركة وجمعت أنصارا (من شعراء التسعينيات ومن الحركة الأدبية الجديدة ومن نقاد ومهتمين بالشأن الثقافي التونسي والعربي) وساهمت «حركة نص» في إنجاز عشرين ملفا شعريا عن الحركة الشعرية في تونس ونشرت هذه الملفات تونسيا وعربيا ودوليا وهذا لم يحدث من قَبْلُ في تاريخ الأدب التونسي.

] ما أهمية هذه الحركة؟ ما وظيفتها؟

ـ أهمية ميلاد حركة أدبية مثل «حركة نص» تكمن في أنها الحركة الأدبية الثانية في تاريخ الشعر التونسي بعد حركة الطليعة (1968/ 1972). إنها حركة ضد الفردانية الواهمة المزعومة، لأن تاريخ التيارات والحركات الأدبية في العالم قامت به جماعات أدبية خارج السرب ولم يقم به فرد مطلقا. وهذه الحركة تؤسس للاختلاف، والدليل أن شعراء هذه الحركة يكتبون بشكل مختلف عن بعضهم البعض وما يجمعهم هو الإيمان بجدوى الحركة وبضرورة القطع مع الماضي إبداعيا ونقديا وثقافيا عموما. فالتجربة الفردية لكل شاعر لا تمنعه مطلقا من الانخراط الجاد والواعي في حركة أدبية قصدها القطع مع الأساليب الشعرية البائسة والسلوك الثقافي الانتهازي الذي يسيطر على المشهد الشعري في تونس. فقد سيطرت اللوبيات القديمة طيلة عقود، وهي أسماء استمدت قوتها ليس من إبداعها مطلقا بل من انتمائها إلى الأنظمة الاستبدادية لخدمة مآرب شخصية ولا علاقة لها بالإبداع في مطلق الأحوال.

] ما هي قراءتك لراهن الشعر التونسي المعاصر؟

ـ يعيش الشعرُ التونسي اليومَ أزهى فترات تاريخه على الإطلاق، رغم النّكوص والارتداد في المشهد بعودة كل اللوبيات القديمة إلى الملتقيات وبيت الشعر والمندوبيات الثقافية ودور الثقافة والصحف ووسائل الإعلام، نظرا إلى الخلل السياسي والاجتماعي والثقافي وفشل كل السياسات في البلاد منذ 2011، رغم ذلك قد عادت بعض الأسماء الأخطر شعريا إلى النشر بعد انطوائها سنوات مثل منصف الخلادي وفتحي قمري وميلاد فايزة ورضا العبيدي وفتحي مهذّب ويوسف خديم الله. في حين أن الشعراء الجدد من حركة نصّ ومن الحركة الشعرية المعاصرة قد راكموا أعمالهم الشعرية والنقدية والسردية أيضا، باعتبار أن شعراء كثيرين كتبوا الراوية والقصة والنقد مثل السيد التوي وشفيق طارقي وصلاح بن عياد ومحمد العربي وناظم بن ابراهيم. صار المشهد الشعريّ غنيا جدا بظهور أصوات متميزة بعضهم نشروا أعمالهم الأولى وبعضهم جاهزون لنشر أعمالهم الأولى مثل سامية ساسي ومحمد جلاصية وأشرف القرقني ومنى الرزقي وعبد العزيز الهاشمي وفاطمة كرومة ومحمود طارقي وغيرهم. وبعضهم على أهبة لنشر أعمالهم الثانية مثل أمامة الزاير وصابر العبسي وصلاح بن عياد ومنصف الخلاصي وميلاد فايزة ورضا العبيدي وناظم بن ابراهيم ويوسف خديم الله وخالد الهدّاجي ونزار الحميدي وأنور اليزيدي ومحمد الناصر المولهي وغيرهم. وبعضهم جاهزون لنشر أعمالهم الثالثة مثل: فتحي قمري ومحمد العربي وأغلب هؤلاء الشعراء لديهم أيضا أعمال شعرية ونقدية وروائية وقصصية مختلفة وكثيرة. يمكن القول إن الأعمال التي لم تصدر لهؤلاء مثلا تُعدّ بالعشرات وهذا ما يجعل المدوّنة القادمة أبهى وأجمل مما وصل إليه المشهد الآن.

المشهد الشعري التونسي متنوع وثريّ جدّا فثمة أصوات شعرية خطيرة تشتغل باستمرار مثل شكري بوترعة وعادل جراد ومنذر العيني وسفيان رجب ومحمد ناصر المولهي وعبد الواحد السويح ويوسف خديم الله وعبد الوهاب الملوّح وفاطمة بن فضيلة وسعيف علي ومحمد بوحوش وغيرهم.

والمشــهد الشعري يمكن أن يضمّ ستين شاعرا مهمّا لو أنجــزنا أنطولوجيا حقيقية، وهذا ما سيعمل البعض على إنجازه بمعية الأصدقاء الشعراء والنقاد. وهــــذا العمل يتطلب في الحقيقة سنوات لقراءة المدوّنة المنشورة ورقيا أولا ومن ثمَّ القيام بالاختيارات الدقيقة.

] ما الهمّ الشعري والثقافي عموما الذي يشغلك الآن؟

ـ أعمل على جمع وترتيب ونشر الكتاب المزدوج 3 و 4 لـ «حركة نص»، وعلى إنجاز كتاب نقدي في الشعر التونسي المعاصر، وأيضا أعمل جاهدا على إنجاز كتاب مختارات أو أنطولوجيا للشعر التونسي المعاصر تضمّ أهم الأصوات خلال نصف قرن (منذ حركة الطليعة 1968 إلى الآن) وهذا العمل الشاق ستنجزه «حركة نص» خلال الفترة القادمة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل