المحتوى الرئيسى

أشجان يوليوية | المصري اليوم

07/16 23:29

■ سُمى الشهر السابع من السنة «يوليو»، على اسم «يوليوس قيصر»، حاكم الإمبراطورية الرومانية، الذى اغتيل غدرا بيد ربيبه، «بروتوس»، وزملائه. هو شهر الحرارة الشديدة.. شهر الغضب.. الثورات.. الانتفاضات.. الانقلابات.. سَمِّها ما شئت.

4 يوليو 1776 «الأمريكية». 14 يوليو 1789 «الفرنسية»، وفى 23 يوليو 1952 عبدالناصر ورفاقه. 14 يوليو 1958 عبدالكريم قاسم ورفاقه فى العراق. 3 يوليو 2013 الجيش والشعب فى مصر ضد حكم «مكتب إرشاد الإخوان المسلمين».

■ مبدئياً، ننزه غالبية مَن حكم مصر من سوء النوايا تجاه مصر. باستثناء فترة حكم مكتب إرشاد جماعة «طظ فى مصر».. فى سبيل الخلافة.

■ وباستثناء سنة حكم «مكتب الإرشاد» أيضا، فإننا لا نستثنى عهدا من عهود «مصر الأسرة العلوية» و«مصر الجمهورية» من مآثر حميدة، وإن اختلفنا على «المآثم»..

■ فى 23 يوليو 1952 قام ما يقرب من 90 ضابطا (الضباط الأحرار)، بقيادة البكباشى «عبدالناصر» وبرئاسة شرفية للواء «نجيب»، قاموا بما وصفوه هم أنفسهم أولاً بـ«حركة الجيش المباركة». وهى فى واقع الأمر كانت «انقلابا عسكريا محمودا»، (فليست كل الانقلابات إثماً). بمرور الأيام والمتغيرات، تحولت «الحركة/ الانقلاب»- بدعم جماهيرى- إلى «ثورة».. بمعنى التغيير الجذرى فى النظام السياسى وتوجهاته الاقتصادية وهياكله الاجتماعية. (وليست كل الثورات محمودة).

■ كان «سيد قطب» من أوائل مَن خلعوا على «الحركة» وصف «ثورة». وكان شديد القرب من قادتها، قبل قيامها وبعد قيامها، أثناء «شهور العسل» الأولى بين الإخوان المسلمين و«الضباط الأحرار».

■ كانت بالفعل حركة «مباركة» فى بداياتها، إذ باركتها غالبية المصريين من مختلف الفئات. «الضباط الأحرار» غامروا بحياتهم من أجل ما اعتقدوا أن فيه صالح بلادهم. مع ملاحظة- والقياس مع الفارق- أن ليس كل مَن يغامر بحياته أو يضحى بها من أجل اعتقاد ما يستحق «المباركة» والإشادة، فغلاة المتطرفين من كل نوع، كالدواعش على سبيل المثال، يغامرون ويضحون بحياتهم.

■ مع كر الأيام، اختلف «الثوار».. «الباشوات» الجدد.. ظهرت التناقضات والغيرة الإنسانية. وكما حدث، ومازال يحدث فى كل الثورات، بدأت الانشقاقات والتخلص من بعضهم البعض.. وفى نهاية الأمر، استقر «عبدالناصر» زعيماً أوحد وحاكماً مطلقاً لا شريك له. تزايد طموحه مع تصاعد شعبيته.. «مصر صغرت عليه».. أراد أن يفرض زعامته، ويمد نفوذه على كل المنطقة، وذلك تحت مظلة «القومية العربية». هاجم الهيمنة الإمبريالية الغربية. وفى ذات الوقت مارس سلوك الهيمنة الإمبريالى فى المنطقة العربية. دفعت قراراته وتوجهاته الأجانب والمتمصرين إلى ترك البلاد، فأفقر المناخ المصرى الثقافى التفاعلى. واختفى تدريجيا المجتمع «الكوزموبوليتانى» المتنوع فى كل المجالات. وكان ذلك من أكبر أخطائه، بل خطاياه.

■ بعد نجاحات وإخفاقات، انتهى مشروع «ناصر»، أو قل مشروع «ناصر/ هيكل» إلى كارثة 1967. انتهى المشروع، ولكن ظلت أدبياته وشعاراته حية.. تقودنا من فشل إلى فشل بدون أن نكل.

■ لا يمكن الحديث عن «الناصرية» دون أن نذكر كاهنها الأكبر.. و«مرشدها» «هيكل». وقدرات «هيكل» المتفردة لا يمكن تجاهلها: الذكاء.. المعرفة السياسية والثقافية الواسعة.. أسلوب الكتابة المبدع.. والحكى الجذاب. ولكن «هيكل» وظف كل ذلك من أجل إبراز تفرده.. استعراض عضلات مواهبه المتعددة، دون إحداث أثر إيجابى فى واقع مجتمعه.. بل على العكس تماما. مارس بمهارة شديدة دور «محامى الشيطان». افتقد إلى «الصدق السياسى».. كان «مرشدا» للضلال السياسى، فقد كان أسلوب حياته ذاته نموذجا فجا للتناقض مع شعاراته وشعارات «إمامه».. «ناصر». و«هيكل»، بعيدا عن المعايير «الأخلاقية/ السياسية»، كان أستاذا حقا، ولكن بدون تلاميذ.. «هيكل» «اشتغل على نفسه كثيرا».. حتى من قبل لقائه بناصر.. لا أحد ممن أحاطوا به حظى بمكونات تأسيسية مهنية مثيلة. كانت له «ميليشيات إعلامية».. «كورس».. لا تلاميذ. رحل المتفردان.. «ناصر» و«هيكل»، ومازال البعض فى انتظار «مهدى الناصرية المنتظر».

■ التقت الأصولية والسلفية السياسية، مع الأصولية والسلفية الدينية، فى بلدنا، فى مسألة «الاجتهاد».. كلتاهما تكره الاجتهاد.. لا اجتهاد سياسياً مع النص الموروث.. نص «الميثاق» 1962.. لا اجتهاد مع كل نصوص «ناصر/ هيكل».. فهى مازالت مهيمنة.. بمقولاتها العبثية الخادعة والمدمرة.

■ أثارت زيارة وزير الخارجية المصرى لإسرائيل، الأسبوع الماضى، غضب بعض من الإعلاميين، ومن أعضاء البرلمان، بالإضافة إلى بعض النشطاء السياسيين. سارعت الأقلام والحناجر فى مواجهة هذه الزيارة، باجترار أساليب الاستنكار ذاتها. واستخدام ذات المفردات، وذات الشعارات، التى اعتدنا سماعها عبر ما يقرب من سبعين عاما. حقا إنها «بلد شعارات».. شعارات انقرضت من معظم أنحاء العالم تقريبا، مع نهاية الألفية الثانية، ولكنها مازالت رائجة وحاكمة لمساراتنا السياسية والاقتصادية المرتبكة. لا شىء يتغير فى بلادنا.. الزمن متوقف.. شعارات مسمِّمة للعقول.. فاسدة.. منتهية الصلاحية.. لا تموت، وإن مات بسببها عشرات الألوف. نخبتنا لا تدفع ثمن الشعارات المضلِّلة والجعجعة والمنظرة. ولكن مَن يدفع الثمن هم عشرات الملايين من المخدوعين البسطاء، المحرومين من المعرفة والتعليم وأدنى سبل العيش الكريم. يدفعون ثمن تضليل نخبتهم السياسية والثقافية، مزيدا من الفقر والجهل والمرض.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل