المحتوى الرئيسى

سمر طاهر تكتب: يسرا.. أو كيف يكون الشرير جميل الوجه أحياناً؟!

07/16 10:47

تحذير: هذا المقال يحتوي على بعض تفاصيل عن أحداث المسلسل ونهايته.. SPOILER!

ليست قصة عبقرية أو دراما من نوع فريد أو بها حبكة غير مسبوقة، لكنها نجحت مع ذلك في جذب الانتباه رغم بساطتها وتقليديتها.. عن “فوق مستوى الشبهات” اتحدث.

لكن ما هي أسباب حب الناس للمسلسل، وبالتالي نجاحه لهذه الدرجة، رغم كل ما سبق ذكره؟

كنت في البداية غير متحمسة لمتابعته، لأنني بكل صراحة فضلت مسلسلات أخرى بدت أكثر جاذبية بسبب تقديم بعضها لأشكال درامية فريدة وغير مسبوقة في الدراما التلفزيونية المصرية، ولأن الشهر مثله مثل عقل البني آدم لا يتسع لعدة أعمال معاً، خاصة إذا كان الغرض من المشاهدة هو المتعة والتعمق في كل عمل لسبر أغواره، وليس مجرد التسلية العابرة أو فتح التلفزيون والسلام.

وكان الواضح من مسلسل “يسرا” -أو هكذا ظننت- أنه مجرد عمل تقليدي.. منذ تترات البداية المصحوبة بأغنية تكشف الكثير من مضمون العمل بكل وضوح، وحتى التصريحات التي أطلقها صناع العمل عن أن يسرا ترتدي ثوباً مختلفاً هذا العام، وصولاً لإعلان المسلسل، ثم لشكل العلاقات كما ظهرت منذ الحلقة الأولى.. سيدات المجتمع الراقي وعلاقتهن ومشكلاتهن.

مع مرور الحلقات بدأ الجميع يتحدث عن روعة الدور التي تقوم به يسرا، وعن السيناريو “المحكم جيداً”، وهذا السبب الأخير بالذات وبكل صراحة هو ما دفعني لمتابعة العمل على “يوتيوب” من باب الفضول، وحباً أيضاً في يسرا التي بالمناسبة لا أراها كما قال الكثيرون لا تغير في أدوارها، فبالعكس من ذلك، أراها قدمت خلال السنوات الأخيرة عدة تنويعات في الشكل والمضمون، وإن كانت تصب بالفعل في النهاية في خانة السيدة المحبوبة والناجحة والطيبة، ولكن هذا وحده لا يعني التكرار.

يقدم المسلسل قصة تبدو عادية كتبها عبدالله حسن وأمين جمال، وأشرف عليها درامياً مدحت العدل، مثل السائد في مسلسلات أوبرا الصابون، حيث تدور أحداثه حول مجموعة نساء يسكنّ في منازل متجاورة بكمباوند أنيق، وتتلاعب بهن إحدى الجارات “يسرا في دور رحمة حليم” سيدة المجتمع التي تبدي عكس ما تخفي من المشاعر والأسرار، والتي خلقت منها ظروف طفولتها “شريرة” وفق المفهوم السائد للشر، فهي مؤذية لكل من حولها باستمرار، ونعرف أنها كانت كذلك في شبابها أيضاً.

وبالفعل في هذا المسلسل قد خرجت يسرا عن المعتاد بجرأة أكبر، صحيح أنها لم تخرج عن إطار المرأة الجميلة واللبقة والأنيقة والمحبوبة أيضاً، إلا أن هذه الصفات لم تكن سوى غلافا خارجيا لشخصية لا أقول عنها شريرة بقدر ما أقول إنها تعاني من خلل ما أثر على تصرفاتها، وكانت الحلقة الأولى موفقة عندما أسست للخلل النفسي الذي أصابها من جراء اضطهاد بعض زميلاتها لها في المدرسة الداخلية التي ألحقها بها والدها كما روت هي.. وكنت أتوقع أن أرى في حلقات لاحقة تأكيدا أو نفيا لما حدث من وجهة نظر راوٍ مختلف، كي أستطيع الحكم على ما حدث بالفعل، خاصة أن شخصية “رحمة” فقدت مصداقيتها منذ البداية بتصرفاتها الملتوية.

لكن أجمل ما في رحمة هو رسم الشخصية الذي جعل من الصعب كراهيتها ببساطة، فيسرا المبهجة تشع ضوء طوال الحلقات، وحتى كلماتها أنيقة، وهو الأمر الذي جعل المسلسل واقعيا، فالشرير في الحياة لا يبدو عادة قبيح ظاهرياً أو فجا ومخيفا كما اعتادت الدراما المصرية أن تظهره على مر السنوات، ويسرا هنا لعبت في منطقة صعبة على أي ممثل، وهي منطقة “تجسيد مشاعر يجب إخفاؤها” وتوصيلها للمشاهد بشكل صادق، أو “التمثيل بالسلب” كما سأسميها، فكأنها تبذل جهداً مضاعفاً.. مرة بهضم الشخصية ذات النوايا السيئة واستيعابها وارتدائها، ثم بعد ذلك محاولة إخفاء هذه النوايا وسترها عن العيون بارتداء قناع المرأة الطيبة، وقد نجحت في ذلك بجدارة.

ورحمة تثير التعاطف ليس فقط لمظهرها الجميل، ولا بسبب عقدة طفولتها فحسب، بل بسبب العذاب الذي تحيا فيه ليل نهار ويجعلها في صراع مع الهواء الذي تتنفسه، فهي تكيد للجميع وتتوقع الشر من الجميع، وتثير الشفقة أيضاً بسبب أن لديها منطقا يبرر لها شرها، فتفعله بضمير مرتاح! حتى في لحظة القتل تقنع نفسها أنها تضحي بامرأة أخرى أقل أهمية منها هي نفسها، فهي التي تفيد الناس أكثر، مما يجعلها تستحق الحياة دوناً عن غيرها! والأجمل أنها تفعل ذلك ببراعة مقنعة.

ولا يسعنا سوى “الفرجة” والتعجب والاقتناع، وأحياناً التعاطف معها لحد الرغبة في إنقاذها من الآخرين ومن مصيرها المحتوم، خاصة أن الشخصية دائما ما تستدعي عقدة طفولتها وحرمانها من أمها طوال الحلقات، وهي بالمناسبة كانت صادقة في حزنها وغضبها من والدتها، فكانت تعاتبها كطفلة صغيرة تركتها أمها بالأمس، وكأن خذلان والدتها لم يمر عليه سنوات طوال، وكأن الشخصية قد تجمدت عند هذه النقطة لتشعر بظلم واضطهاد أبدي لا يفارقها، بل ويجعلها تنتقم من الجميع، ولم يكن هناك أروع من تقلب عواطفها من الغضب للندم في عدة مواقف، على رأسها مشهد موت أمها.

الجميل في الشخصيات الأخرى أنها تحمل أيضاً أطيافا من الخير والشر، وهي ليست شخصيات درامية تقليدية، فشيرين رضا أو “إنجي” التي يفترض أن نتعاطف معها، والتي تمثل النقيض من رحمة.. هي شخصية خدومة وطيبة وودودة بصدق وليس بادعاء، ورغم ذلك فهي لا تكف عن النميمة ولا تخفي أن توطيد علاقاتها بصديقاتها يتم أحياناً من أجل تحقيق مصالح أخرى، ولا ينتقص ذلك من كونها شخصية عادية وغير شريرة.. أوليست هذه سمات عادية في البشر؟ نعم.. ولكن صناع الدراما كثيرا ما يتجاهلون ذلك على عكس ما حدث في هذا العمل.

أما “سيد رجب” أو عز، فهو يحتاج لمجلدات للثناء على إتقان دوره العجيب، بحرفية لم تقلل من تلقائيته، فمن شاهدته من النساء بالتأكيد تمنت أن يرزقها الله حب رجل كـ “حب عز لرحمة”، بغض النظر عن قتله لها في الحلقة الأخيرة، فمن الحب ما قتل، والمشهد لا ينسى بجملته الشهيرة: “أنا مقدرش أبطل أحبك، وكمان مقدرش أضمنك”! والمشاهد التي جمعتهما سوياً بشكل عام كانت من أجمل مشاهد المسلسل، فهي بمثابة مباراة في التشخيص بين قمتين، وكذلك مشاهده مع شقيقته التي أدت دورها حنان يوسف المتجددة دائماً.

ومن المعتاد أن المشاهد ينتظر نجومه المفضلين الذين يمثلون نقطة الجذب لمتابعة أي عمل فني، لكن هنا قد حدث تنوع، فيسرا بنجوميتها جمعت حولها عددا من الوجوه غير المستهلكة.. مراد مكرم، لطيفة فهمي، سامية أسعد، أحمد حاتم، ناردين فرج، وآخرين، فضلاً عن الدور الجديد نسبياً لليلى عز العرب، الأمر الذي يعني أن الجمهور يحتاج أيضاً لتغيير “وشوش”، كما يحتاج لتغيير مناظر أحياناً، والتنوع كان سمة هذا العمل سواء في الوجوه أو الخطوط المتشابكة أو حتى تنوع الديكور وأماكن التصوير، والذي جعل المسلسل ممتعا بصرياً بغير مبالغة.

أما الموسيقى التصويرية لعمرو مصطفى، فجمالها أنها جمعت بين الإثارة وبين الطرافة في بعض المشاهد الخفيفة.

وبالنسبة للسيناريو والحوار الذي أثنى عليه الكل في هذا العمل، فبالفعل كان له دور كبير في إنجاحه، وإن كان البعض أحياناً يعتقد أنه طالما القصة عادية أو مقتبسة من عمل أجنبي أو أدبي، فبالتالي لا يستحق كاتب السيناريو أي إطراء، إلا أن مفهوم القصة يختلف كثيراً عن مفهوم السيناريو، فالأولى تتعلق بخط درامي به حدوتة وحبكة قد يتم تلخيصها في عدة سطور، بينما الأخير يتعلق بترتيب المشاهد وتتابعها للكشف عن الأحداث بالتدريج من أجل خلق تصاعد درامي ولإعطاء تأثير معين، وبالتالي إيقاع معين للعمل وهو ما لا يتوافر أحياناً في بعض الأعمال بالرغم من جودة القصة.

أما الحوار، فجودته لا تعتمد على كون الكلمات والعبارات التي تقال على لسان الأبطال جميلة أو رنانة، بل الحكم عليه ينبع من كونه مناسبا للشخصية أو لا، وللموقف الدرامي ثانيا، وكونه غير مباشر ثالثا، وأخيراً ربما يصبح أكثر جودة وأصعب في كتابته عندما يكون جديدا وغير مستهلك في مفرداته ومعانيه، ويا حبذا لو حمل أحياناً معانٍ مزدوجة، أو كشف عن الشخصيات بشكل غير مباشر وغير تقليدي، وأعتقد أن السيناريست محمد رجاء كان موفقا إلى حد كبير في سيناريو وحوار المسلسل، وإن كنا فقط تمنينا كمشاهدين أن نعرف تفاصيل أكثرعن حياة الأبطال السابقة “رحمة حليم وأسرتها على الأقل” من خلال فلاشات أكثر، أو أي وسيلة غير السرد المرسل على لسان الشخصيات، فليس الاستماع كالرؤية! لنعرف كيف تحولت رحمة من طفلة مظلومة، حتى وصلت لهذا التعقيد الذي رأيناه، وهل حكايتها عن مدرستها وزميلاتها القاسيات كانت دقيقة كما حكتها في الحلقة الأولى أم لا.

وبالنسبة للإخراج، فقد قدم هاني خليفة عملا بسيطا وممتعا بصريا، لا تتعب في رؤيته ولا تمل أيضاً، حيث اختار السهل الممتنع، ولم يرغب في إظهار “فتونة” إخراجية على حساب العمل، بل فضل تقديم شكل يخدم المضمون بلا استعراض للإمكانيات الفنية، وبلا تكلف.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل