المحتوى الرئيسى

«لسنا عرباً لتقتلونا ونسكت» | المصري اليوم

07/15 01:14

على غرار ما قالت أُم الفتى الإيطالى «جوليو ريجينى»، فى كلمتها أمام البرلمان هناك: «عذبوه كما لو كان مصرياً»، تداولت مواقع التواصل الاجتماعى فى الولايات المتحدة مناقشات الأمريكيين السود حول أحداث العنف فى مدينة دالاس، بولاية تكساس، والتى دارت حول جُملة صاعقة ومُعبرة فى الوقت نفسه حملتها لافتات المتظاهرين هناك: «لسنا عرباً حتى تقتلونا ونسكت»، هذه الجملة التى تناقلتها المواقع العربية على الفور، لأسباب متفاوتة، تجمع بينها فى النهاية أنها جاءت على الجرح، كما يقولون.

اختلف المفسرون حول أبعاد هذا التعبير، البعض رأى أن المواطن الأمريكى هنا يقصد القتلى العرب على أيدى القوات الأمريكية، سواء فى العراق، أو فى ليبيا، أو سوريا، أو اليمن، أو الصومال، البعض الآخر يرى أن المقصود هو القتلى العرب على أيدى قوات بلادهم، وهم فى ذلك كُثر أيضاً، أحياناً برصاص الشرطة، أحياناً أخرى برصاص قواتهم الوطنية، أحياناً ثالثة بفعل قناصة لا أحد يعلم تبعيتهم سوى من قام بتكليفهم، فتتفرق الدماء بين القبائل.

المهم أننا أصبحنا مضرب الأمثال، الأرواح التى بلا ثمن، الدماء التى تسيل، العدوان المستمر على المواطن من الداخل والخارج على السواء، سجون ومعتقلات هى الأكثر عدداً فى العالم لحساب المواطن العربى من المحيط إلى الخليج، بعضها تجاوز اليابسة العربية إلى أخرى، من جوانتانامو وحتى إيطاليا، لم تسأل عنهم عواصمهم ذات يوم، قد ترى أنه من الأفضل أن يظلوا بعيداً، لدينا منهم الكثير.

خبر القتل فى العالم العربى لم يعد خبراً ذا أهمية بعد أن أصبح خبراً يومياً، ليس ذلك فقط، أصبح متكرراً على مدار اليوم، عدد القتلى فى كل مرة أصبح هو الخبر، قد يكون من تم قتلهم من العرب بأيدى قوات بلادهم أكبر بكثير ممن قُتلوا بأيدى الآخرين، القوات الأمريكية قتلت من العراقيين نحو مائتى ألف مواطن، قتل العراقيون من بعضهم البعض أربعة أضعاف هذا الرقم، فى سوريا الجميع يَقتلون، ٤٨ جنسية تقتل الشعب السورى الشقيق، اليمنيون يقتلون بعضهم قدر ما يستطيعون، والعرب يقتلون البقية الباقية هناك، المواجهات يومية مع الإرهابيين فى سيناء مصر، هكذا دواليك، الدماء العربية محور أحداث العالم.

سواء كان الأمريكيون السود يستشهدون بالقتلى العرب بفعل الطائرات والقنابل الأمريكية، أو بفعل الرصاص والبنادق المحلية لدينا، النتيجة واحدة، هم فى النهاية على حق، عبّروا عن واقع أليم، وهو أن العرب يُقتلون بدم بارد، يتنازلون عن حقوق قتلاهم، أياً كان القاتل، أمريكياً كان أو غير ذلك، المواطن العربى هو الأرخص، هو الأقل سعراً فى العالم، ربما بلا ثمن، لذا كان هو النموذج، من إيطاليا وحتى الولايات المتحدة، الحقيقة واضحة للجميع، من أُم ريجينى، حتى السود فى دالاس.

فى القرآن الكريم «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً»، فى القرآن الكريم «ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب»، كان إذن على الأمة أن تنتفض لخبر القتل فى حد ذاته، خبر قتل شخص، أى شخص، أياً كان الشخص، على أيدى الأجنبى، كما على أيدى السلطة الرسمية، كما على أيدى مسجل خطر، النتيجة واحدة: إزهاق روح، كان يجب أن تقوم الدنيا ولا تقعد إلا بالقصاص، للأسف أصبحنا نعيش متوالية الدم والقتل، دون أى قصاص، بالتالى تستمر المتوالية.

جرائم القتل، أيها السادة، لا تسقط أبداً بالتقادم، ويجب ألا تسقط، يجب أن تظل مُعلقة فى رقبة فاعلها، أو المحرض عليها، ما دامت هناك حياة، يجب أن تتوارثها ذريته بالتعويض وحمل الكفن، أياً كان منصبه، كما هو حال الأشقاء فى صعيد مصر.

أعتقد أن تعبير السيدة الإيطالية، كما تعبير المواطنين الأمريكيين، يجب أن نتوقف أمامهما طويلاً، كيف نضع حداً لتلك التجاوزات الأمنية، سواء بالسجون أو أقسام الشرطة، وكيف نضع حداً لمتوالية الدم فى المجتمع، بالتأكيد الأمر يحتاج إلى أفكار وأطروحات جديدة خارج الصندوق، بدلاً من تلك التى لم تحقق أى نتائج على امتداد سنوات طويلة، الأمر يحتاج إلى مواجهة من نوع خاص، تضع فى الاعتبار ذلك التطور الحاصل فى العالم اجتماعياً وإنسانياً وسياسياً، تضع فى الاعتبار أن من أفلتوا من العقاب أكثر من الذين أُدينوا، بل هناك أكثر من هؤلاء وأولئك لم يُقدموا إلى المحاكمة أصلاً.

أتصور أننا فى حاجة إلى مؤتمر موسع يضم كل الجهات التى تربطها علاقة بهذه القضية، بدءاً من علماء النفس والاجتماع، مروراً برجال القانون وعلماء الدين، وحتى السلطة التنفيذية بكل محاورها أيضاً، لوضع استراتيجية متكاملة، سريعة التنفيذ، تضع فى الاعتبار إعادة النظر فى المواد الدراسية الشرطية، والحالة النفسية والاجتماعية للطلاب، مع مراجعات دورية فى هذا الصدد، إضافة إلى إعادة النظر فى القوانين الحالية، ودرجات التقاضى، بما يحقق عدالة ناجزة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل