المحتوى الرئيسى

أحلى الأقدار | المصري اليوم

07/14 00:38

لا أنوى أن أعاود الحديث عن فيلم الطيور. فقد سبق لى أن كتبت عنه. ولكنى أشعر أننى سأجن لو لم أحدثكم عن بداية الفيلم. لماذا أفعل هذا؟ بصراحة لا يوجد سبب محدد سوى أنه راق لى. لشد ما أعشق عذوبة البدايات.الفتاة الجميلة الشقراء جدا حين وقعت فى الحب. لكنه لم يكن مجرد شعر أصفر تملكه «تيبيهيدرن»، تلك التى جن بها هتشكوك، ولكنه لون سنابل القمح قبل أن تنضجه الشمس، فراحت تهتز شوائبها مع الرياح.

بطلة الفيلم غنية جدا، ومدللة، والدها صاحب جريدة مشهورة، ورائقة ومتفتحة للحياة. فتاة كهذه خُلقت كى تحب وتُحب، وتحقق وجودها بالحب حين يقدح شرارته السحرية، فيصبح كل شىء جميلا فى عينيها، وفى عينينا كذلك.

دعك من عقدة الفيلم ونهايته السوداوية. الطريف أن قصة الطيور الأصلية التى اشتراها هتشكوك من صاحبها المغمور لا علاقة لها البتة بأحداث الفيلم. هتشكوك الديكتاتور الجميل قرأها مرة واحدة ثم أغلقها وأنتج الفيلم من دماغه هو. لا توجد رابطة بين القصة الأصلية والفيلم سوى هجوم الطيور على المدينة. الكائنات المستضعفة التى قررت أن تثور!

لا تحاول أن تستدرجنى–أرجوك- للرمز الاجتماعى فى القصة، وتشابه الطيور التى قررت الهجوم فجأة بالطبقات المطحونة التى طال استغلالها. مزاجى الآن رائق وأنا أكتب المقال. وأسمع تغريد البلابل وهى ترحب بالصباح الجديد. و«تيبيهيدرن»، التى زادها مقاما عندى هوس هتشكوك بها، تمشى فى الشارع الآن بخطوات جادة، ولكنها مليئة بالأنوثة. فاتنة، ساحرة، ممشوقة القوام، تعرف أنها تأسر القلب وتسحر الألباب. ولكنها لا تدرى أنها على بعد خطوات من الحب.

غنية وجميلة، ولكنها أيضا امرأة. وبالغا ما بلغ جمالها وفتنتها فهى تتوق إلى الرجل اللائق بها، به يصبحان واحدا كاملا، به يمنحنا الوجود مسراته الصغيرة، به تتجمل الحياة.

تدخل إلى محل لبيع الطيور، وتنشغل البائعة فى شأن ما. وتشاهد شابا وسيما يبدو أنه أعجبها. ولماذا أقول (يبدو). من المحتم أنه أعجبها؟ وإلا فلماذا تقمصت دور بائعة المحل وهكذا عرفت أنه يبحث عن بغبغاوين هدية لشقيقته الصغرى، وهكذا راحت تطوف به– فى مكر محبب- على الطيور؟

وهكذا تتبعته لتعرف رقم لوحة سيارته؟ وهكذا عرفت الفتاة المدللة، الجميلة جدا، التى حابتها الأقدار كثيرا، مكان بيته. وهكذا تذهب إلى بيته لتترك له– على باب البيت- قفص الببغاوين مع رسالة رقيقة موجهة لشقيقته، ولكنها تعرف من جاره أنه ذهب لقضاء عطلة نهاية الأسبوع فى مدينة ساحلية قريبة.

المرأة اللعوب الباحثة عن مغامرة تقرر أن تقود سيارتها وتذهب إلى هناك. وهناك تتحايل: تؤجر قاربا لتصل إلى بيته بغير الطريق المرصوف لكيلا يفطن إليها. تتسلل إلى بيته، تترك البغبغاوين مع الرسالة الرقيقة، ثم تهرب إلى القارب، لتبتعد قليلا وتراقب، والابتسامة لا تفارق شفتيها، كيف يدخل إلى البيت ويكتشف الهدية، وكيف يستقل سيارته ليسبقها قبل أن تصل إلى مرفأ القوارب.

لا شأن لنا الآن بالطيور. لا شأن لنا بنهاية العالم. هاجمت الطبقات المطحونة مستغليها أم لم تهاجم. دعونا- ولو للحظة- ننعم بالحب. دعونا ننعم بروعة البدايات قبل أن تنقلب الأحداث إلى غم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل