المحتوى الرئيسى

8 أسباب أخذت قصة "مايوه الأتاسي" لأبعد مما تستحق

07/13 17:36

في السابع من يوليو الجاري، نشرت عدد من صفحات الفيسبوك السورية صورة خاصة لعضو الائتلاف السوري المعارض سهير الأتاسي، وهي تجلس تحت أشعة الشمس في مكان، يبدو أنه مسبح عام، بلباس السباحة. ويبدو أن أحداً التقط لها الصورة من دون أن تنتبه.

سهير الأتاسي شخصية سياسية سورية من مواليد دمشق 1971. أكملت مسيرة والدها المعارض السياسي الراحل جمال الأتاسي. انضمت بعد انطلاق الثورة السورية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وترأست لاحقاً وحدة التنسيق والدعم التابعة للحكومة المؤقتة، وتولت مهمة تنسيق المساعدات المالية والعينية الآتية للشعب السوري والنازحين.

بعد مرور عدة أيام على نشر الصورة، التي حصدت الآلاف من التغريدات والمنشورات العامة والخاصة، لم يهدأ جدل السوريين حولها، وحول الأسباب التي جعلت صورة، أقل من عادية، تفجر هذا الجدل. كيف ولماذا تم اصطياد الأتاسي سياسياً على شاطئ البحر، إليكم دوافع وأسباب "هجوم" المايوه.

هي من تكتيكات تشويه السمعة، التي اتبعها ناشرو الصورة وعدد من متداوليها منذ البداية، من خلال ربطها بدلالات غير منطقية، مستغلين العاطفة السلبية للكثير من الناس تجاه ارتداء امرأة سورية "للمايوه"، والدفع بهم لتبني موقف كامل ضدها.

واحد من أوائل ناشري الصوة كتب تعليقاً عليها: "في حين يموت السوريون وأطفالهم بكل أصناف الأسلحة، تجد الأتاسي متسعاً من الوقت للاستجمام والبرونزاج!". بينما كتب آخر: "الموبايل شكله فخم هاد من دم شهداء إدلب، اللباس يلي لابسته شكله سعره غالي هاد من دم شهداء الغوطة، الكراسي يلي مبينه شكلها كراسي مسبح الفيلا هاد من دم شهداء حمص، الفيلا يلي ساكنتها هي من دماء أهل سوريا كلها". هكذا تتحول الأتاسي من امرأة عادية إلى ما يشبه الشيطان.

شارك غردكيف ولماذا تم اصطياد الأتاسي سياسياً على شاطئ البحر، إليكم دوافع وأسباب "هجوم" المايوه...

تحتضن سوريا بيئات اجتماعية متنوعة، محافظة ومتحررة، وما بينهما. ولطالما كانت الحريات الشخصية والعامة محط جدل صحي وغير معلن. لكن الجدل ظلّ مغيباً طوال السنوات الماضية لدواعي الحرب والمآسي.

وفي ظل انشغال الناس بالخسارات الكبيرة، وانعدام أشكال الحوار الاجتماعي حول الموضوع، عملت العديد من التنظيمات الإسلامية مثل "جبهة النصرة" و"داعش" وغيرهما، إلى إشاعة إيديولوجياتها الخاصة في تلك المناطق، ما أدى إلى تراجع كبير في مستوى الحريات الشخصية فيها.

هذا الجدل عاد للظهور من جديد بعد نشر الصورة، لكنه اتخذ طابعاً صدامياً أكبر، فتجد من يهاجم هذه لارتدائها المايو، ومن يهاجم ذاك لإطلاقه لحيته.

تؤمن معظم المجتمعات العربية ومنها السورية بمفهوم الوصاية الاجتماعية، شعور الناس بأنها جميعاً وصية بعضها على بعض غيّب مفهوم احترام الحريات الشخصية لدى أفراد المجتمع. ومن خلال هذه الوصاية يشعر أي كان أن من حقه انتقاد ممارسات الآخرين والتدخل في حياتهم الشخصية، بدءاً من أفراد عائلته إلى أهالي حيّه، وصولاً إلى أي من أبناء بلده.

مفهوم الوصاية هذا يحول تصوير أي امرأة سورية في مسبح ونشرها على وسائل التواصل، من تعد على خصوصيات الآخرين، إلى حق مكتسب لمجتمعها عليها.

منتقدو وجود الأتاسي في مسبح مختلط لم يلتفتوا إلى أن الشخص الذي التقط لها الصورة وتحول إلى بطل في نظرهم، كان في المسبح نفسه. ولو أن صورة مشابهة التقطت لأي شخصية سياسية ذكورية، فهي حتماً لن تحصد ردة فعل كهذه.

ومن الملاحظ أيضاً استخدام الكلمات والتعليقات العنصرية ضدها كامرأة، والتشكيك في أخلاقياتها، والتعليق على جسدها. هذه الطريقة باتت شائعة لدى الكثيرين، حين يريدون الهجوم على أي امرأة على وسائل التواصل. تعليقات أخرى ذهبت للهجوم مباشرة على زوجها، أنس العبدة، وهو الرئيس الحالي للائتلاف السوري، باعتباره وصياً عليها من وجهة نظرهم.

الحرب هي الوقت الأمثل لدى الكثيرين لتسويق أي فكرة في جموع الناس، فعندما يعيش الإنسان في ظل الخسارات الكبيرة يميل بشكل أكبر إلى تبني المواقف، وتصديق الأكاذيب التي تساق إليها بشكل أسهل، وأقل عقلانية ومنطقية، بسبب الضغوط العاطفية القوية التي يخضع لها.

فحين يقرأ شاب يعيش في مدينة منكوبة أو محاصرة مثلاً اتهاماً ساقه أحدهم لإحدى الشخصيات السياسية، فإنه يميل لتصديقه بشكل أكبر من شاب آخر يعيش في ظروف طبيعية. ولهذا فإن المجتمع السوري اليوم، يعد قابلاً بشكل أكبر للأكاذيب والشائعات والمواقف العشوائية.

مساعدات عينية ومادية بملايين الدولارات تتدفق شهرياً من خلال الممثلين السياسيين لسوريا والهيئات الإغاثية المختلفة، طوال السنوات الماضية، لم يتوقف الحديث عن حالات الفساد والسرقات الكبيرة التي يتعرض لها السوريون من قبل هذه النخب. انعدام الشفافية ووسائل المراقبة والمحاسبة على عمل هؤلاء وإدارتهم للمؤسسات السياسية والإغاثية، خلفت حالة من الاحتقان لدى الكثير من السوريين، تجاه من يشعرون أنهم يسرقون باسمهم. الأتاسي كمعظم السياسيين، دارت حولها الشكوك، ووجهت إليها اتهامات بالسرقة، خصوصاً بعد توليها رئاسة وحدة التنسيق والدعم.

ويبدو أن الصورة الأخيرة فجرت احتقاناً دفيناً لدى الكثير من السوريين تجاه كل من لا يخضعون للمحاسبة أو المراقبة. لكن هذه الطريقة بعيدة كل البعد عن الوصول إلى خطوة إيجابية في محارية الفساد. فأي سارق أو فاسد، سيفضل أن تنتشر له صور خاصة على أن يفضح فساده فيحاكم ويقاد إلى السجن.

يفقتد السوريون كغيرهم من شعوب الدول العربية لتجربة ديمقراطية حقيقية، تودي بمن يمثلونهم تمثيلاً حقيقياً إلى السلطة وتولي المناصب. انعدام هذه التجربة جعلت جميع أصحاب المناصب في المعارضة والنظام عديمي الشرعية في نظرهم، وليسوا أهلاً للثقة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل