المحتوى الرئيسى

دينا ماهر تكتب: دال لا تلعب في الشارع

07/13 10:18

في طفولتي كان ركوب الدراجة شيئاً مقدساً كمسلسل الساعة الثامنة للأمهات.

كانت جارتي دال شريكتي في اللعب تسكن في نفس عمارتي، فتاة شقراء جميلة.. كانت أصوات ضحكاتنا تغرق الشارع ونحن نركب الدراجات في الصيف قبل المغرب. كنا نقتسم الحلوى وسندوتشات اللانشون.

كانت دال تدعوني لمنزلها لألعب معها ببيت باربي ونفكر كيف سيكون مستقبلنا.

كانت دال تحلم بيوم عرسها وأن ترتدي فستاناً أبيضاً مثل باربي، بينما كان يلفت نظري زي باربي الملون وصديقها كين.

وفي أحد الأيام لم تنزل دال إلى الشارع كعادتها. ذهبت لمنزلها أسأل عنها، أخبرتني أمها أنها متعبة. كان احتقان اللوزتين المرض الشائع لنا ونحن أطفال، وتخيلت دال تتناول حبة المضاد الحيوي العملاقة وتشرب الكثير من الماء.

بعد اسبوع رأيتها تشتري حلوى من البقال وترتدي حجاباً.. سألتها ألن نلعب بالدراجة؟ فأجابتني أنها كبرت ولن تلعب في الشارع، وركوب الدراجة خطر على الفتيات، ثم أكملت أن العملية مازالت تؤلمها.

ظننتها قامت بعملية استئصال للوزتين، لكنها صححت لي المعلومة أن العملية التي أجريت لها كانت عملية ختان، وأن الختان يضمن للفتاة أن تحظى بعريس، فلا يقبل رجل على نفسه أن يتزوج فتاة غير مختنة.

ودعت دال وأنا لا أعرف ما هو الختان ولماذا لا تتزوج غير المختنة، والأهم دون أن أعرف سبب خطورة ركوب الدراجات على الفتيات!

كبرت وعرفت ما هو الختان وكنت أود أن أقول لدال أن أهلها قد قاموا بجريمة بحقها، لكن هل كانت ستصدقني دال وتكذّب كلام أمها عن العفة والشرف؟ هل كانت ستضحي دال بحلم العريس من أجل كلام صديقة قديمة تحدثها عن حقها في المتعة الجسدية؟ أم ستتهمني بالانحلال؟ رأيت دال بعد سنوات طويلة يبدو عليها الإنهاك والتعب وتجر في يدها ثلاثة أطفال، نظرت لي بإنهاك، ودعت الله أن يرزقني الزوج الصالح وتركتني.

أتابع حملات التوعية ضد الختان ولا أعرف كيف تصر الأمهات أن تختم بناتها بختم التعاسة الأبدية من أجل شعارات مزيفة، لكنني سرعان ما أسترجع كلمات الكثيرين من حولي عن الطريقة التي يجب أن تعيش بها الفتاة.

الفتيات يجب أن يضممن سيقانهن.. الفتيات لا تعلو أصواتهن، لا يلعبن الكرة، لا يخرجن ليلاً وحدهن، لا يتعلمن، لا يشربن القهوة أو يدخن السجائر، فأعرف أن الختان ما هو إلا حبة الكرز التي توضع فوق كعكة: “كيف يجب أن تعيش الفتاة؟”

أمامنا الكثير حتى يتخلى رجال الدين في بلادنا عن تحقير المرأة وتحميلها كل الذنوب، وحتى يعرف عضو لجنة الصحة بمجلس الشعب الذي يشجع الختان، أن شهادة الطب خاصته تصلح قرطاس لب، وحتى تدرك المعلمة التي تجبر الطالبات بالمدرسة على ارتداء الحجاب أن هناك فرقا بين التربية والإجبار والابتزاز الديني، وحتى يعرف المجتمع أن الحياة حق للجميع بغض النظر عن أعضائه التناسلية.

لا أعرف ما سر هذا الخوف من أن تحيا طفلة سنها وأن تعيش مراهقة في أحلام الحب الوردية وأن تختار شابة رفيقا لحياتها؟

ما العيب أن تتزوج فتاة شخصاً، ثم تمل الحياة معه وتنفصل بهدوء؟ وكأن الفتاة اذا عاشت حياة سوية، ستختل موازين الكون.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل