المحتوى الرئيسى

طرزان.. مناضلاً أفريقياً ضد الإمبريالية

07/12 00:49

تتقدّم الكاميرا في أدغال استوائية غامضة وخطرة على ضفاف نهر الكونغو، لتكشف بطلاً أشقر له جسد رشيق قوي، يتمناه كل فرد في أحلام اليقظة والنوم... إنه طرزان الذي جاء من لندن لصلة الرحم مع حنان الغوريلا ووفاء لصديق الطفولة حتى لو كان قرداً... تحلّق الكاميرا على فضاءات واسعة وتقدّم صوراً مفتوحة على الأفق، تتوالى لحظات القتال الضارية بضجيجها ولحظات الهدوء الرومانسية بصمتها بتناوب مؤثر. يريح تناوب التوتر والاسترخاء البشر.

مهما كانت قصص الأفلام جيدة، فإنها تفقد الكثير من جاذبيتها وتأثيرها إن فشلت في قراءة اللحظة وهو ما تمكن منه فيلم «أسطورة طرازان»، الذي يُموقع رحلة بطله في إطار صراع القوى الأوروبية لنهب إفريقيا وقد انعقد مؤتمر لتقسيمها برلين في 1884. نتيجة لذلك ذهب قائد الحملة البلجيكية لاحتلال الكونغو إلى لندن ليطلب من اللورد جون كلايتن (طرزان) مرافقته باسم ملك بلجيكا. يوافق لكن لأسباب خاصة.

التقط الفيلم روح العالم في 1884 حين كانت الأمبريالية في أوجها بفضل تحالف العسكر ورجال الابناك لنهب افريقيا، توصلهم السفن للشواطئ وتسمح لهم الأنهار والقطارات بالتوغل... يتقدم قائد الحملة البلجيكية بالصليب في يد والبندقية في يد أخرى، يرد على رمح بألف رصاصة، نار ودم من أجل الماس والعاج والعبيد. وقائد الحملة مرتاح ويتقدم بلا مقاومة لأنه في مواجهة زعيم افريقي (دجيمون هونسو) يفكر في الثأر لابنه أكثر من تفكيره في إنقاذ شعبه.

ولإغناء القصة وضع الأميركيون ملحهم في القدر لتصير للفيلم صلة بالجمهور الأميركي. يقدم الفيلم مبعوثاً أميركياً يحمل اسم جورج واشنطن ويليامز (صامويل جاكسون) مهمته التنديد بجرائم ملك بلجيكا في الكونغو. هكذا يتوافق الأميركي وطرزان في المهمة التحريرية.

طرزان أسطورة شعبية متفائلة تضمن نهايات سعيدة وعمرها قرن ظهرت نصاً ورسوماً متحركة وأفلاماً. وقد هضمت السينما كل ذلك. وقد صار اسم طرازان لقباً وهو طفل يتيم عاشق متخلّى عنه يقاوم الظلم ويعاقب الظالمين. حتى أنه لقب شخصية المعلم صاحب المقهى في رواية «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ. طرازان محفوظ في صفّ اللصّ وليس في صفّ الكلاب لذلك ساعد سعيد مهران ونبّهه لوجود المخبرين، إنه شخصية إيجابية في الوعي الشعبي.

يعود طرزان إلى أفريقيا حيث تربّى مع القردة تاركاً وسطه الارستقراطي، لأنه يفضل صحبة الحيوانات على صحبة أعضاء البرلمان الانجليزي...

يتمّ في أفلام طرزان الإعلاء من شأن الإنسان البدائي. طرزان نموذج الجسد الناجح في الطبيعة، يملك الرشاقة والقوة ويطرح قدوة بعيدة لأصحاب الأجساد المترهلة. يربط الوعي الشعبي بين الرشاقة والسمو الخلقي. وترتبط البدائية بالبراءة والسعادة قبل التحضر. لا يمكن اتهام هوليود بالرجعية، فحتى ماركس بنى تصوّره للشيوعية على استعادة مجتمع ما قبل ظهور الملكية والطبقية...

الحنين إلى البدائية الذهبية سلفية أخرى. حين تقدّم السينما البدائية الجميلة لا ينظر للعودة للماضي كرجعية. في فيلم «الطفل المتوحّش» وهو صيغة فرانسو تروفو التقدمية لطرزان جعل الطفل بشعاً قبل أن تمسه الحضارة. أي أن الأفضل أمامنا لا خلفنا.

في الأفلام السابقة من سلسلة طرازان نرى طفلاً يعيش في الغابة رباه قرد وله حيوانات صديقة وعدوة. غرقت سفينة والده المدرس الإنجليزي. في الفيلم استثمار بذرة في القصة الأصلية (بيتش) لأن طرزان من أصل ارستقراطي لذا بدأ الفيلم من لندن.

توجد تشابهات بصرية كثيرة بين أول فيلم في 1918 (طرزان عند القردة) من إخراج سكوت سيدني وفيلم «أسطوة طرزان» 2016 من إخراج دافييد يات. وقد تمّ استبدال تجار العبيد العرب بالبلجيكيين. كما تغير الإطار المشهدي الجغرافي لأفريقيا، لم تعد تعني القردة بل المواد الأولية الثمينة. وبدلاً من كاميرا ثابتة وإطار صورة ضيّق في الفيلم القديم، جرى التصوير بكاميرا تصعد لاكتشاف الطبيعة البكر حتى أن المتفرّج يتمنّى لو كان هناك وهو ما توفره له شاشة ضخمة لها عرض القاعة وعلوّها، لذا تنمحي الفواصل بين الواقع والخيال ويشعر المتفرّج، وكأنه طرف في ما يجري. وقد قدّم الممثل السويدي الوسيم ألكسندر سكارسكارد والممثلة الاسترالية الفاتنة مارغو روبي ثنائياً عاشقاً ساحراً للمتفرجين لن يقلّ تأثيره عن تأثير الثنائي جاك وروز (كابريو وويتسلي) في فيلم تيتانيك.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل