المحتوى الرئيسى

«عنتر وعبلة».. حبّ جاهلي على أنغام الأوبرا

07/12 00:49

حين نقول «أوبرا» قد يُخيّل إلينا البلاط وقصور النبلاء، قد نلمح ذلك الفنان الإيطالي في ذهننا أو تلك الروسية الشقراء، لن يخطر ببال أحدنا أن تلك الموسيقى التي تتميّز بالرفاهية قد تدخل إلى جمهور عربي ببساطة، ويصدح صوت مؤديها بقصة عربية، تروي قصة حب عربي جاهلي لطالما عرفنا عنها، ولكننا لم نعكسها بوجه موسيقي فني مسرحي راق.

الحديث اليوم عن أوبرا «عنتر وعبلة» التي أطلقتها شركة «أوبرا لبنان» على مسرح كازينو لبنان مساء الجمعة الفائت، يشبه الحديث عن حلم بات حقيقة بعد أن عمل عليه منذ أكثر من مئة عام مارون النقاش، لكن لم يكن حينها متاحاً عكس هذه التجربة الموسيقية بالشكل المرجو منه اليوم.

إذاً فعلها المايسترو مارون الراعي، الذي سبق وأسس برنامج إنتاج الأوبرا في المعهد الوطني العالي للموسيقى، فكما في إيطاليا استطاع جاكوبو بيري قبل قرون ابتكار الأوبرا، جاهد الراعي بابتكار أوبرا عربية مع أنطوان معلوف، ليصنع مشهداً ثقافياً عربياً جديداً، ومحطة موسيقية مهمة في عالمنا العربي.

بالانتقال إلى العرض الأول لأوبرا عنتر وعبلة، قد يبدو من الظلم بمكان تقسيم العمل وتجزئته والحكم على كل قسم على حدة، لكن لو أخذنا العمل ككتلة متكاملة، لأعطي علامة متفوقة، خصوصاً في خلقه نوعاً ثقافياً جديداً. ومع هذا كله، لا بدّ من الحديث وبشكل جدي عن أصوات أوبرالية عربية كشف عنها الستار خلال العمل، من التينور بيار سميا، بدور شيبوب، الذي أبدع بشكل لافت خلال العمل، أداء وتمثيلاً وتهريجاً وصوتاً، فبدا وكأنه نجم أزيح عنه كل الغيوم، وقد كان لافتاً انبهار الجمهور بأدائه المميز، بالإضافة إلى السوبرانو لارا جوخدار، بدور عبلة التي لفتت الجمهور بصوتها المتألق القوي وتمثيلها المميز، مروراً بإبراهيم إبراهيم بدور شداد، كونسويل الحاج بدور سلمى، ووصولاً إلى مكسيم الشامي بدور مارد طي، النجم الذي يفرض نفسه على الخشبة من دون استئذان وشربل عقيقي بدور عمارة عبس، الذي بدا متألقاً شكلاً وأداء. وطبعاً لا يمكن أن ننسى حضور الفنان غسان صليبا، الذي يبدع في كل تجربة جديدة يقدّمها ومع كل إطلالة له، يقف الجمهور مصفقاً ومهللاً لإطلالته. صليبا الذي لم يتعدَّ على موسيقى الأوبرا، فلم يحاول الوصول لمرتبة تينور، ووقف بكل تواضع ليقدم دور عنتر بنجوميته المحببة اللطيفة، ولو أننا لا يمكن أن ننكر أن العمل وبرغم أهميته ثقافياً ما كان لينجح لولا وجود صليبا، الذي لا ينازعه عليه أحد على لقب البطل دائماً.

الأزياء المبهرة بألوانها وتصاميمها التي عملت عليها ريموند رعيدي، والديكور الذي عكس القصة العربية بطريقة بسيطة والذي صمّمته هند يمين ما كانا ليبرزا لولا عمل المخرجين ميرانا النعيمي وجوزيف ساسين اللذين أبدعا في إطلاق أوبرا عنتر وعبلة بطريقة ممتازة، حيث استطاعا إدارة أكثر من 130 شخصاً مثلوا، غنوا ورقصوا بشكل لافت، فللوهلة الأولى قد يبدو للحاضر أن العمل يحتاج إلى عدد أقل من الأشخاص الواقفين على المسرح، لكن الطريقة الإخراجية التي عمل عليها المخرجان كانت أكثر من رائعة، بتوليفة شعرية وبسيطة لكنها أقرب إلى السهل الممتنع، فبدت الصحراء، الرمل وأولئك البدو البسيطين، وبدا عنتر الشاعر المحارب بصلابته وضعفه ولو أنه كان من المفترض أن يبرز لونه الأسمر أكثر، ونرى تلك التشكيلة بألوان البشرة بين الممثلين أكثر.

لكن نقول إن ساسين والنعيمي استطاعا جمع كل العناصر في لوحة واحدة مميّزة، والعمل على إخراجها بطريقة أوبرالية ولو أنها كانت في مكان ما أقرب إلى المسرح الاستعراضي الجميل.

على مدى تسعين دقيقة تقريباً أدى الممثلون والمغنّون، وعزفت الأوركسترا الوطنية المؤلفة من أربعين موسيقياً بقيادة الراعي، كل ذلك الفن مباشرة من دون أي تسجيل صوتي، وهذه محطة يجب الوقوف عندها بشكل جدي، خصوصاً أن الانسجام ما بين الموسيقى والكلمة والعنصر التمثيلي بدا واضحاً ومهماً، وقد انعكست التدريبات المكثفة التي عمل عليها فريق العمل ما يقارب السنتين ليصبح بإمكاننا القول «وأصبح للعالم العربي أوبرا».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل