المحتوى الرئيسى

قراءة هادئة فى ملف شائك (٥)

07/11 23:21

يعد الخلاف حول بناء الكنائس، وإصلاحها وترميمها، العامل الأول فى أحداث العنف الطائفى فى البلاد، وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية جرى الحديث عن قانون موحد لتنظيم بناء دور العبادة، وهو ما اعترض عليه شيخ الأزهر، مؤكداً عدم حاجته لقانون خاص بالمساجد، لأنه لا توجد مشكلة أصلاً فى بناء المساجد وإصلاحها، فجرى الإعلان عن إعداد قانون للكنائس بالتفاهم بين الدولة والكنيسة، وقد تم إعداد القانون والدفع به إلى مجلس النواب كى يناقش فى الفترة القادمة، فهو من القوانين التى نص الدستور على صدورها فى دور الانعقاد الأول، وقد حصلت على نسخة من مشروع القانون الذى قدمته الحكومة لمجلس النواب، والسؤال هنا: هل تم إعداد القانون بالتفاهم بين الكنيسة والدولة؟ هل تم أخذ ملاحظات الكنيسة بعين الاعتبار؟ هل يحقق القانون على النحو الذى قدم به إلى مجلس النواب الهدفَ منه بتنظيم عملية بناء وإصلاح وترميم الكنائس على النحو الذى يغلق هذا الملف وينهى صراعاً مزمناً حوله؟

قراءة متأنية لمواد مشروع القانون تقول بأنه لو صدر على النحو الذى قدمته الحكومة فسوف يثير مشكلات جديدة بأكثر مما يحل القائم منها، مشروع القانون متخم بالألغام، فقد غيَّرت يد الحكومة بعض المواد وبدلت فى الصياغة ولم تأخذ باقتراحات الكنائس حول بعض المواد.

تبدأ الألغام مع المادة الثانية من مشروع القانون التى تقول: «.... وفى جميع الأحوال يجب ألا تقل مساحة الكنيسة عن ٢٠٠ متر مربع، وأن تكون المنطقة فى حاجة لها». تنطوى هذه المادة على لغمين، الأول هو تحديد المساحة بمائتى متر كحد أدنى، وهو أمر يصعب من تلبية هذا الشرط، لا سيما فى القرى الصغيرة، وبعض المناطق التى لا تتطلب أو لا تتوافر فيها مثل هذه المساحة، أما اللغم الثانى فهو النص على أن تكون المنطقة فى حاجة للكنيسة، وهو تعبير فضفاض زئبقى يصعب ضبطه وتحديده، ويعطى للقائمين على الأمر مساحة كبيرة من تدخل بالرأى الشخصى، فيما إذا كانت المنطقة فى حاجة إلى كنيسة أم لا. وفى تقديرى أننا بحاجة إلى حذف لنص على المساحة واستبداله بعبارة مراعاة تناسب المساحة مع العدد وهو أمر قابل للقياس.

نأتى إلى المادة الرابعة من مشروع القانون الذى قدمته الحكومة لمجلس النواب والتى تقول: «.... على المحافظ المختص البت فى الطلب المشار إليه بعد التنسيق مع الجهات المختصة»، وهو تعبير غامض، فما هى هذه الجهات المعنية؟ ولماذا لم يتم تحديدها بدقة حتى تعلم الكنيسة مع أى جهات تتعامل؟ فى تقديرى فإن غموض النص يكشف عن نوايا غير طيبة بالمرة، حيث يمثل مدخلاً لاستمرار إمساك جهاز الأمن الوطنى بالملف، وإذا كان أمن الدولة سبباً رئيسياً فى غالبية المشكلات الطائفية فى العقود الماضية فى عهدَى «السادات» و«مبارك»، فإن تغيير مسماه إلى الأمن الوطنى لا أعتقد أنه سوف يغير من رؤية وسياسات هذا الجهاز تجاه ملف الأقباط ككل، وسوف يستمر الجهاز كأحد أهم مصادر التوتر الدينى والطائفى فى البلاد، ومن ثم لا بد من حذف هذا النص الخاص بالجهات المختصة أو المعنية.

نأتى بعد ذلك إلى المادة التاسعة التى تنص على «تعتبر مرخصة ككنيسة المبانى القائمة فى تاريخ العمل بأحكام هذا القانون متى ثبتت إقامة الصلاة والشعائر الدينية فيها بانتظام خلال الخمس سنوات السابقة على العمل بأحكامه». وهو نص يمثل خطورة شديدة على الكنائس القائمة منذ أكثر من خمس سنوات، فالمعروف أن الغالبية الساحقة من كنائس مصر تمت الصلاة بها دون الحصول على تراخيص نهائية نتيجة تلاعب جهاز أمن الدولة بهذه القضية، فكان بعد أن يحصل على جميع الأوراق الرسمية الخاصة بالكنيسة، يطلب من المسئول عن بناء الكنيسة مواصلة العمل دون أن يمنحه الترخيص، بل يحتفظ بأوراق الكنيسة لديه عامداً متعمداً حتى لا تمتلك الكنيسة الأوراق الرسمية والتراخيص اللازمة، ومن ثم يمكن الضغط عليها فى أى وقت. السؤال هنا: إذا كانت الحكومة تعلم هذه الحقائق، فلماذا النص على الاعتراف بالكنائس التى افتتحت خلال السنوات الخمس السابقة فقط، ألا تعلم أن ذلك سوف يفجر مشكلات هائلة مع مئات الكنائس التى افتتحت قبل السنوات الخمس الماضية؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل