المحتوى الرئيسى

د. حنان سعيد تكتب: ما هي وظيفة الأخلاق في حياتنا؟

07/11 17:46

قد يثور تساؤل لدى البعض عن وظيفة الأخلاق الحسنة والفضائل والقيم داخل حياتنا، وهل تأثيرها ملموس؟ أى هل فائدتها محسوسة وواضحة لدى من يتحلى بها؟ وهل إذا تخلينا عنها نخسر الكثير؟

هذا التساؤل راود الكثير من الفلاسفة وقديما قال سقراط "لا يمكن أن تفعل شيئا فى هذه الحياة دون أن تتحلى بالشجاعة وهى ثانى أكبر فضيلة يمكن أن تكون لدى أى إنسان بعد الشرف".

المتأمل هذه المقولة الفلسفية العميقة يدرك أن الحياة حافلة بالمفاجآت، ولا شىء فيها دائم، فلا الحب ولا الصحة أو السلطة أو المال دائمين، وحتى الأوقات السعيدة تمر سريعًا، والإيمان بحتمية تغير الحياة والاستعداد لها هو خير ما نفعله فى حياتنا، فالحياة تفرض قوانينها، ولا بد من التخطيط السليم لها حتى لا نفقد الأمل فى تغيير الواقع أو حتى تحسينه إن كان هذا الواقع مؤلما. ولن يتسنى ذلك دون مساعدة حائط الصد المتمثل فى القيم الأخلاقية والفضائل الإنسانية والمعايير الدينية والضمير اليقظ لكى يستطيع الإنسان أن يتقبل أقداره، ويرضى بها ويحاول تحسين نفسه والتخلص من العيوب والنقائص التى تقف فى طريق طموحه ومستقبله. وكل تجربة يمر بها الإنسان تضيف إلى رصيده وخبرته ويستوعب منها المعنى والمغزى.... ومن الفطنة وجوب الاهتمام بإزالة الأفكار الخاطئة من عقولنا وتفكيرنا أكثر من الاهتمام بإزالة الورم والمرض من أجسامنا.

وهذا هو دور الأخلاقيات والفضائل والسلوك الإيجابى فى حياتنا، فلا بد من التركيز على جوانب القوة والتميز والإيجابية فى النفس البشرية لتقويتها وتنميتها ولنستطيع التعامل بكفاءة مع الضغوط الحياتية المختلفة المستمرة والمتصلة واختبارات الحياة المفاجئة والقاسية، وتتضح مدى صلابة الإنسان النفسية وجوانب قوته وضعفه وعزيمته ورجاحة عقله فى تسيير أمور حياته، وكذلك مرونته وليونته فى التكيف مع الأشياء القدرية التى لا يد له فيها، ولا يمكن تغييرها مثل حالات موت الأعزاء مثلا والمشكلات المستعصية على الحل وإمكانية تقبلها والتعايش معها بأقل قدر من الخسائر مما ينبئ عن توازنه النفسى وشخصيته ورضاه بما قسمه الله له من نصيب.

والفضائل الأخلاقية هنا المتمثلة فى تحلى الفرد بأخلاقيات الصدق والشجاعة والأمل والتسامح والحب والتفاؤل والرضا عن الحياة والامتنان للآخرين والرغبة فى تقديم المساندة والمساعدة للآخرين سواء كان عطاءً ماديا أم معنويا بدرجات مختلفة، يجعله يخلق لنفسه طاقة نور تدفعه للأمام فى مواجهة الصعوبات والمشاكل فما دامت هناك حياة، فالأمل موجود، وهو النافذة التى مهما صغر حجمها فإنها تفتح آفاقًا واسعة فى الحياة، فالأمل شيء رائع والأشياء الرائعة لا تموت. وأروع هندسة فى العالم هى أن يبنى المرء جسرًا من الأمل على نهر من اليأس". 

فالأمل هنا هو ذلك الإحساس الساحر القادر على إشعال الجمرات حتى ولو كانت تحت المطر. ومن يجربه يشعر بالنشوة المتولدة منه حين يأخذ الأمل الفرد بجناحيه وهما: التفاؤل والسعادة، ويعبر حوائط الضيق واحدًا بعد الآخر ليوهب للفرد عتقًا من الإحساس بالفشل وحرية وشعورا بامتلاك العالم.... فقليل من قطرات الأمل تجعل الفرد قادرًا على أن يعيش وسط المعاناة وقديما قالوا: "كل مياه البحر لا تقدر على إغراق السفينة إلا إذا تسلل الماء لداخلها"، وكذلك الفشل لا يستطيع أن يسيطر على الفرد إلا إذا تسلل التشاؤم لنفسه. والتحدى الحقيقى هنا لكل إنسان أن يكتشف عالمه الخاص، وأن يفهم نفسه وإمكاناته وطموحاته وقدراته وماذا يريد من حياته جيدا، وما السبل المشروعة والمحترمة والمقبولة المختلفة لتحقيق تلك الطموحات وهذه الأمنيات. وما العوائق التى قد تعترض طريقه وكيف يمكنه التغلب عليها؟

ودائمًا ما يقف العقل المستنير والإرادة الطموحة والعمل الجماعى والشعور بالمسئولية والاعتراف بالخطأ خلف كل قصص النجاح فى الدنيا، لأنها منظومة متكاملة يترأسها العقل والمثابرة والإصرار على النجاح فى الحياة، وذلك هو الفرد السعيد حقًا، لأن هناك شيئًا واحدًا فقط يجعل الحلم مستحيلًا وهو الخوف من الفشل... ويحيط ذلك كله سياج من توفيق الله ورعايته ومعونته لمن يبذل الجهد ويتحلى بالشرف والفضيلة ليصبح تحقيق الحلم سعادة لا تعادلها سعادة والعكس صحيح، فإن عدم التحلى بالخلق الكريم والانحرافات الخلقية وعيوب النفس والتفكير والسلوكيات المعوجة مثل الكسل والإهمال والحقد والأنانية وحب الذات والمظهرية والتفاخر المذموم والحسد والكراهية وحب الانتقام وتدبير المكائد والدسائس لإفشال الآخرين أو الحصول على مكاسب من وراء ذلك يخصم من السلام النفسى للفرد، ويجعله لا يعيش مرتاح باله أو هانئة نفسه رغم يسر حاله فى أحيان كثيرة لانشغال عقله بغيره وعدم محاولته تحسين نفسه، فرغم تقدمه فى أحيان كثيرة وامتلاكه كثيرًا من النعم والمزايا والأموال إلا أن عدل الله الإلهى يكشفه ليأخذ عقابه فى الدنيا والآخرة، فرعاية الله لمن يستحقها، وعقابه لمن ينحرف هذا قانون إلهى يسرى علينا جميعا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل