المحتوى الرئيسى

نحو رشدية عربية (2) | المصري اليوم

07/10 00:39

بعد أن قرأت كتاب «النجاة» لابن سينا بمعونة أستاذى الخضيرى بدأت أبحث عن فلاسفة إسلاميين آخرين. وكان الذى أسهم فى هذا البحث هو الأب قنواتى فى نوفمبر 1944 عندما ذهبت إلى مكتبة معهد الآباء الدومنيكان لقراءة المؤلفات الفلسفية لإنجاز أبحاث مطلوب تقديمها إلى أساتذتى وكان الأب قنواتى وقتها مؤسساً ومديراً لمعهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان، وكان متفرغاً للفلسفة الإسلامية، ولكنه كان، فى الوقت نفسه، من أتباع «التوماوية الجديدة» التى تعتبر إحياء لفلسفة توما الأكوينى، فيلسوف الكنيسة الكاثوليكية فى القرن الثالث عشر، والمعادى لفلسفة ابن رشد. وفى هذا السياق كانت تنعقد فى المعهد حلقة حوارية باللغة الفرنسية تسمى «الحلقة التوماوية»، وكانت امتداداً للحلقة التى كانت تنعقد فى كلية الفلسفة بالمعهد الكاثوليكى بباريس، وكان اسمها أيضاً «الحلقة التوماوية» والتى كانت الغاية منها إشاعة التوماوية الجديدة، أى فلسفة توما الأكوينى ولكن بأسلوب عصرى.

واللافت للانتباه أن هذه الحركة نشأت فى مواجهة «حلقة فيينا» التى أسستها «الوضعية المنطقية» للقضاء على علم اللاهوت فى عام 1928، وهو العام نفسه الذى نشأت فيه «جماعة الإخوان المسلمين» لإحياء الخلافة الإسلامية. وكان عنوان المحاضرة الأولى التى ألقيت فى الحلقة التوماوية بباريس فى 1928/3/28 «التوماوية والحضارة».

عكفت على قراءة مؤلفات فلاسفة التوماوية الجديدة وأفدت منهم لغة وفلسفة. ومع ذلك تردد فى ذهنى سؤال ظلت الإجابة عنه مؤجلة: لماذا كان هؤلاء الفلاسفة مع توما الأكوينى وضد ابن رشد؟ وكان التأجيل مردودا إلى انشغالى بقراءة أهم كتاب فى تاريخ الفكر الفلسفى لأعظم فلاسفة البشرية عمانوئيل كانط، وعنوانه «نقد العقل الخالص». والذى دفعنى إلى قراءته هو أنه يقف عند قمة التنوير الأوروبى. وبعد ذلك بدأت فى قراءة مؤلفات الفيلسوف الفرنسى هنرى برجسون، العدو الأول للشيوعية على مستوى الفكر الفلسفى. وكنت فى حينها أتردد على «دار الأبحاث العلمية» التى كانت فى شارع نوبار المتفرع من ميدان لاظوغلى بالقاهرة. وكانت هذه الدار واجهة لمنظمة شيوعية سرية اسمها «إسكرا» بالروسية و«الشرارة» بالعربية. إلا أن ثمة سبباً آخر دفعنى إلى قراءة مؤلفات برجسون وهو أنه كان موضع اهتمام من قبل أربعة سوريين أصبحوا من رواد حزب البعث، وكانوا فى الآن نفسه، زملائى بقسم الفلسفة، ومن بينهم سامى الدروبى الذى أصبح سفيراً لسوريا لدى مصر، وبديع الكسم الذى اتهم، مع آخرين، بإحداث انقلاب عسكرى فى صيف عام 1963. وكان سبب اهتمامهم ببرجسون مردودا إلى تصورهم أن فلسفته تصلح أن تكون أساساً فلسفياً لحزب البعث بسبب نقده للنزعة المادية وإعلائه للدين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل