المحتوى الرئيسى

تكريم العلماء

07/09 22:04

لا نستطيع أن ننكر أن السواد الأعظم من الناس يحب التكريم ويسعى لأن يعرف الناس فضلهم، هذا ليس بالضرورة سيئا إذا كان تكريمك سيعطيك دفعة لبذل مجهود أكثر، ولهذا فمن أهم مهام قسم الموارد البشرية فى الشركات الكبيرة هو تقدير العاملين (recognition) لحثهم على بذل مجهود أكثر وتحسين قدراتهم الإبداعية، العلماء هم فى النهاية بشر وتكريمهم والتعريف بفضلهم قد يكون له مردود إيجابى ليس على العالم المكرم فحسب ولكن على الباقين الذين سيعلمون أنهم إن بذلوا مجهودا فلن يضيع هباء، وفى هذا المقال سنناقش بعض النقاط المتعلقة بتكريم العلماء.

لماذا يعمل العلماء؟ هذا سؤال سأله علماء النفس والاجتماع وفلسفة العلوم من عشرات السنين وجاءت عشرات الإجابات عليه كل منها مصحوبة بإحصائيات ومناقشات، مثلاً هناك بحث نشر فى المجلة الأمريكية لعلم الاجتماع عام 1973 بعنوان "الكاريزما والتقدير والعوامل المحفزة للعلماء" (Charisma, Recognition, and the Motivation of Scientists by Bernard H. Gustin in American Journal of Sociology Vol. 78, No. 5, Mar., 1973) يحاول الإجابة على هذا السؤال ويربطها بالتفوق فى الأبحاث من حيث الكم والكيف، وفى العشر سنين الأخيرة ظهر كتاب مهم من تأليف دانيال بينك (Daniel H. Pink) بعنوان “Drive” ويمكن ترجمة ذلك بكلمة "التحفيز" ويدرس هذا الكتاب العوامل المحفزة لأى عمل وليس فقط الأعمال العلمية وكيفية استخدام ذلك فى الإدارة وفى التربية وفى تحفيز النفس، وإذا بحث فى الإنترنت ستجد الكثير والكثير من الدراسات عن ذلك الموضوع، لنعد إلى سؤالنا الأساسي: لماذا يعمل العلماء؟ السبب الأول والأعم هو الفضول، الشخصية البشرية بطبعها تتعجل النتائج وتكره الفشل، والبحث العلمى يحتاج وقت طويل لكى يثمر ويمر على محطات كثيرة من الفشل، فإن لم تكن تتمتع بالفضول العلمى القوى لن تصمد بل إن قراءة الأبحاث العلمية المتواصلة ستكون مملة جدا بالنسبة لك إن لم تتمتع بالفضول، السبب الثانى هو التقدير والتكريم، السبب الثالث هو المال. طبعا شخصية العالم وثقافته تحدد أي من هذا الأسباب يطغى على تفكيره. فمثلا الفيزيائى العظيم ريتشارد فاينمان (Richard P. Feynman) عندما جاءته مكالمة تليفونية من سكرتير لجنة نوبل فى فجر يوم 21 أكتوبر من عام 1965 (نظراً لفارق التوقيت بين السويد وأمريكا) تعلمه بفوزه بجائزة نوبل فى الفيزياء كان رده (بعد أن شتم المتصل مرتين ظنا منه أنه أحد الطلاب!! ولكنه اقتنع بعد الاتصال الثالث!) إن كان من الممكن أن يرفض!! وعندما سئل عن السبب أجاب بأن الجائزة ستأتى له بشهرة كبيرة وهذه ستعوقه عن أبحاثه، ولكن الرجل أقنعه أن رفضه الجائزة ستأتى له بشهرة أكبر! هذا مثال لشخص يقوده الفضول العلمى، قصة شبيهة قيلت أيضا عن الفيزيائى العظيم الآخر بول ديراك (Paul Dirac).

الفضول وحده قد يقود العالم إلى بذل الكثير من الجهد ولكن التكريم أيضا يعطيه طاقة معنوية تشعره أن العالَم من حوله يقدر ما يفعل، فما هى أنواع التكريم؟ بالإضافة طبعا إلى الجوائز مثل نوبل وتيورنج (Turing Award) وفيلدز (Fields Medal).. إلخ، هناك تكريمات أخرى، مثلا عدد من قرأ واستفاد من أبحاثك العلمية أو استخدم أبحاثك لتطوير تكنولوجيا معينة ساعدت البشرية، ونوع آخر من التكريم هو وصول الطلبة الذى درسوا على يد هذا العالم إلى مراكز مرموقة ووصولهم إلى اكتشافات علمية مبهرة، دعنى أضع فى ذيل هذه القائمة التكريم المادى من مال ومناصب.

التكريم له ضريبة لأنه يحتاج من الشخص المُكَرَم إلى الكثير من الجهد حتى لا يقع فى فخ الغرور وأيضا حتى لا يقول "الآن أديت عملى وحان وقت الراحة"، ونعود هنا إلى الكلمة المفتاح: الفضول العلمى!

قد يقول قائل: "أنا لا يهمنى التكريم وأعمل فقط من أجل العلم"، هذا شئ جميل ولكنه مثالى جدا والقليل جدا من الناس من لهم هذه القوة النفسية، ماذا سيكون شعورك لو اكتشفت اكتشافا علميا معينا بمساعدة عالم آخر وكُرم هو فقط؟ أيضا ماذا سيكون شعورك لو سرق أحدهم بحثك؟ سيكون هذا خطأً كبيرا منك أن تترك هذا الشخص يخدع المجتمع العلمى، فالزهد مطلوب حتى لا تنجرف إلى الصراعات على المال والمناصب ولكن الزهد له حدود إذا تجاوزها ينقلب إلى ضعف.

عندنا فى مصر جوائز لتكريم العلماء مثل جوائز الدولة وهذا جيد، ولكن هناك سؤالان أعتقد أن الإجابة عنهما ستكون مفيدة جدا لعلمائنا المصريين وللمجتمع العلمى فى الداخل: كم عالم مصرى كُرم فى داخل مصر ثم حصل على جوائز عالمية بعد ذلك؟ كم عالم حصل على جوائز عالمية أولاً ثم كُرم فى الداخل؟

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل