المحتوى الرئيسى

"انفصال".. تعسّف القانون ورهان العائلة

07/09 02:14

لا يبدو غريبا على مشاهدي الفيلم الإيراني "انفصال" كلّ ذاك النجاح الذي يحصده منذ عرضه أول مرة قبل أشهر. ولا يزال فيلم المخرج وكاتب السيناريو الإيراني علي أصغر فرهادي يحوز الجوائز ويكرّس لنفسه حضورا تلو الآخر بالمهرجانات السينمائية العالمية، واستقر آخر المطاف ضمن الترشيحات الأخيرة لجوائز أوسكار أحسن فيلم أجنبي لهذه السنة.

عنوان الفيلم "انفصال نادر وسيمين" ويتناول حكاية انفصال زوجين عن بعضهما بعد اختلاف في الرؤية، كعادة أسباب الطلاق غالبا، لكن الإبداع الذي جسده المخرج  فرهادي في عمله السينمائي الأخير جعل الكثير من النقاد غير قادرين على تجاهل الإشادة بقوة وجمال هذا العمل المميز.

ويبدأ ذاك الانجذاب منذ اللقطات الأولى، حيث يجلس الزوجان (ليلى حاتمي وشهاب حسيني) جنب بعضهما في محاولة لإقناع القاضي بالطلاق الذي تصرّ عليه الزوجة "سيمين" بعد أن رفض الزوج السفر معها إلى الخارج. يطلب منها القاضي سببا مقنعا للطلاق، ويحجمها لاحقا بأمر حضانة البنت التي تبلغ 11 عاما. ولا يبدو أنها ستقتنع برغبة زوجها في البقاء بإيران فقط لرعاية والده العجوز الذي يعاني من مرض ألزهايمر. 

يضطر للبحث عن شخص يبقى مع والده فترة غيابه في العمل. وسريعا ما تتورط امرأة حامل في ذلك، تقوم برعاية الأب وتقع في إشكال أخلاقي حين تفكر في تنظيفه بعد أن تبول على نفسه، فتتصل مستفسرة حول الموضوع. يكبر التورط لاحقا حين تخرج وتترك الأب بمفرده بعد أن ربطته بالسرير حتى لا يغادر البيت، ويعود الزوج ليجد والده على حافة الموت، بسبب غياب الأكسجين عنه.

تبدأ ذروة الفيلم حين يطردها من البيت، ويسمع لاحقا أنها أجهضت بسبب سقوطها من السلالم، ورغم تأكيده أنّه لم يكن على علم بموضوع حملها، يدخل في مواجهة مع زوجها ومن ثم المحاكم والكفالة وغيرها.

وخوفا على ابنتها تقترح الزوجة "سيمين" أن يدفعوا مبلغا كبيرا من المال كتعويض للعائلة التي فقدت جنينها. وهو ما يرفضه "نادر" في البداية، لكنه سريعا ما يرضخ للأمر، حين يستشعر خطر السجن وخوفه من تورطه في هذه القضية أكثر.

يركّز الفيلم على قيمة العائلة وكيف يستطيع زوج أن يطلق زوجته ويفكك عائلته من أجل والده؟ وكيف ترضى الزوجة على التخلي عن كلّ شيء مقابل رغبة فردية في السفر؟ وكيف من الممكن أن تتحوّل العائلة من ركيزة ذات أهمية قصوى، إلى مجرد شعارات فقط.

انطلاقا في ذلك من خطوة الانفصال بين الزوجين، مع اصرار الزوج على رعاية والده المريض. يمرّر المخرج خلال حوار مشترك بين الزوجين والقاضي، عددا من الأفكار، ففي الوقت التي ترغب الزوجة في السفر مقابل الطلاق، وتقول إنّ والده مريض بألزهايمر، ولا يعرف أصلا أنّ هذا الشخص هو ابنه، بينما يرد الزوج "لكني أعرف تماما أنه والدي!"

من خلال ذلك ينقل الفيلم العديد من الصور البليغة حول الحياة اليومية في إيران المعاصرة وصور الاشتباك داخل الأسرة والمجتمع رصدتها كاميرا فرهادي بدقة وحس إنساني، كما تحمل تلك الصور والمشاهد إيحاءات وتلميحات حول معاني السلطة الدينية والسياسية.

لم تختف قصة الزوجين خلال كلّ هذا المسار (مدة الفيلم ساعتان) بل كانت العلاقة بينهما بكل إشكالياتها واضحة بالموازة مع حكاية العائلة الفقيرة لتلك الخادمة التي أجهضت.

الفيلم يستعرض بانورما كاملة للمجتمع الإيراني المعاصر.. عن حال الأسر الفقيرة والمتوسطة الحال، مع التلويح بإشارات عن معنى تماسك العائلة، وتمسكها بالدين وما يعنيه الإيمان بشكل عام، وهو ما يظهر في خوف الخادمة حين جلبوا المال من أجل التعويض، على أن تقسم قسما صادقا على المصحف الشريف أن الزوج "نادر" كان سببا حقيقيا في إجهاضها. فرفضت ذلك وأبدت مخاوف من أن تتعرض ابنتها للأذى الإلهي إن هي كذبت.

انتهت حكاية الطفل المجهض إلى هذه النقطة، عرف الجميع أنّ الزوج بريء من هذه التهمة، لأنها كانت قد تعرضت قبل يوم واحد لحادث، حيث صدمتها سيارة وهي تحاول منع السيارات من دهس الأب المريض بألزهايمر.

لكن حكاية الطلاق انتهت بشق آخر، إذ تأكد فعل الانفصال بين الزوجين، وبقيت نهاية الفيلم مفتوحة مع اختيار البنت في بقائها مع الأب أو الأم؟

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل