المحتوى الرئيسى

علمى وأدبى.. وبينهما جهل | المصري اليوم

07/09 01:16

بنتى بتاعة حفظ لذلك هتدخل أدبى، أو.. أنا ابنى غاوى فهم لذلك هيخش علمى... كثيراً ما نسمع هذا الكلام المصيبة والذى يلخص نظرتنا إلى الحياة. ولا تصدق من فضلك الجدل السطحى حول أهمية التعليم وجدواه. فلايزال الحس الحضارى للمصريين يفضل التعليم. فما يزال فقراء المصريين يدفعون من دم قلوبهم بالمعنى الحرفى للكلمة لأجل التعليم. يتصرفون بمخزونهم العميق لا بما يظهرونه. وهم يعرفون أن عائد أى عمل تافه مربح عن العمل بالشهادة.

وقد كتب الحكيم المصرى آنى قبل 3500 عاماً- وهو يحث على احترام الأم، وبعد أن يعدد أفضالها يردف- «وبعد أن كبرت وأصبحت صبياً كانت تحمل لك غذاءك وشرابك بمدرستك كل ظهيرة». اليوم ترى أمهات فقيرات وحتى أنيقات وقد ترصصن أمام المدرسة فى أيام الامتحانات انتظاراً لصغارهن. فهل يحتشد الناس هكذا لأجل شىء لا يحترمونه؟.

والحقيقة أنه لا شىء يعادل فرحة أبوين يعدان ولدهما أو بنتهما لأول يوم فى المدرسة. إلا فرحتهما بتخرجه، حتى إنهما يبذلان من دم قلبيهما وصلاً لما بين اليومين. وبغض النظر عن الثلاثين عاماً الأخيرة التى أهدرت فيها قيمة كل شىء كالعلم.. والعمل، فهى لا أكثر من لحظة انحطاط فى الزمن المصرى الممتد.

اليوم يبدو أنه لا غنى لدارس الآداب والعلوم الإنسانية عن دراسة مناهج العلوم التطبيقية. مثلما أنه لا غنى لدارس العلوم التطبيقية عن دراسة بعض علوم الفلسفة وتاريخ العلم. ربما ما يعطى الامتياز للعلوم التطبيقية هو اعتبارات السوق وحاجتنا اليومية إليها. بينما مثلاً الأدب وفروعه تربى الضمائر وتعمل على المدى الطويل. وقد أدرك الأوروبيون هذا من زمان.

ففى جامعة السوربون القديمة مثلاً يوجد تمثال للعالم باستير أمام كلية الآداب. مثلما يوجد تمثال لفيكتور هوجو- الأديب- أمام كلية العلوم. فهم يرون العلوم فى وحدتها وتكاملها، ويمكننا أن نتذكر أساتذة فى العلوم البحتة برعوا بنفس القدر من الآداب والفنون (د. أحمد زكى- د. الحسين فوزى- د. أبوشادى الروبى- د. عبدالعظيم أنيس- د. أحمد مستجير)، فليس هنالك السور الفاصل بين علمى وأدبى.

ليس لأحد مثلاً أن يدرس المعادلات المجردة- قوانين هيجنز مثلاً أو تفاصيل الجينات- بدون التطرق إلى جوانبها الفلسفية والأخلاقية، وطبعاً القانونية. كان مقرراً علينا فى إعدادى طب- النظام القديم- شروط التجربة العلمية كأول درس فى علم النبات، مازلت أذكر أستاذ المادة د. الباز يونس، الحاصل فيما بعد على جائزة الدولة التقديرية. ولم يكن من المستغرب أن تنتج هذه العقلية عالماً ذا نظرة اجتماعية مثل د. محمد غنيم، ولا حتى أن يحصل د. زكى نجيب محمود على الدكتوراة فى فلسفة الرياضيات.

إن العلم الحديث المنفلت فى حاجة إلى أخلاق إنسانية. وقد أشار أحدهم، قبل نصف قرن، إلى هذا بالقول «إن عبارة الدينامو ستكون البديل العصرى لعبارة العذراء»، فى إشارة لإحلال التكنولوجيا محل الأخلاق.

ولكى لا نحاكى كالقردة مناهج العلم الغريبة ينبغى أن نميز بين العلماء والساسة. فلو لم يكن طلاب التعليم العالى فى أمريكا مثلاً يدرسون الآداب إلى جانب دراستهم الأساسية (طب- زراعة- هندسة.. إلخ) لما كان هناك عالم فذ مثل سولك- مخترع مصل شلل الأطفال- يقود المتظاهرين ضد حرب فيتنام. بل لما رأينا قبل 12 عاماً وثيقة الـ96 ضد غزو احتلال العراق، والتى وقعها 96 أستاذاً أمريكياً اعتراضاً على تدمير العراق. التى قال فيها نائب الرئيس آنذاك.. «سنعيد العراق إلى عصر ما قبل الكهرباء»، وطبعاً حصل.

فوق هذا فلو أن رجال السياسة لدينا مثلاً قرأوا شيئاً من الأدب والشعر ما كان هذا هو حالنا. ولا أسرعوا بتهريب مئات الملايين، بل ومليارات الجنيهات فى بلد لايزال به 257 قرية لم يدخلها لا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحى.

ولا أفتى غضنفر بشنبات ودال نقطة بإمكان تزويج الطفلة وهى فى سن التاسعة، ولما وجد من يأخذ بفتواه.

أقول هذا من غير أن أستغرب دولاً قفزت على سلم الحضارة بفضل سياسيين عظام، لأنهم أيضاً أدباء عظام مثل نيلسون مانديلا وسونيكا وسونجور. فالأدب والفن مثلما يشكلان ضميراً للعلماء يصنعانه بداخل السياسيين أيضاً.

ساعتها لن يكون هناك مجال للحديث حول دراسة عاوزة حفظ وأخرى عاوزة فهم.. ولن تكون هناك حتى دروس خصوصية. بل متعلم يعرف كيف يواجه المشاكل ويستقل بفكره والأهم.. يشعر بمعاناة غيره من البشر. أيقظنى المرحوم علاء الديب من النوم بالتليفون ليسألنى: تفتكر إمتى الإنسان سمى إنساناً بجد؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل