المحتوى الرئيسى

وادي «النزلة».. هنا مصانع «البهجة» و«الموت» | المصري اليوم

07/07 00:48

على بُعد بضع عشرات من الكيلومترات عن العاصِمة «القاهرة»، وتحديدًا فى وادى «النزلة»، التابع لمركز «إبشواى» بمحافظة الفيّوم، تقع مصانع الألعاب الناريّة، القاسم المُشترك فى الأعياد المصرية، كمجال ثابت لصرف «عيديّات» الأطفال، حتى مع تكرار التوصيّات الرسمية والمدنيّة والشعبية بتجنُب عادة استخدام الألعاب النارية غير الآمنة تمامًا، وقضاء أعياد خالية من أصوات «البمب والصواريخ»، فيما تشتمِل عملية التصنيع على خطوات خطِرة بالفعل، قد تؤدى إلى الموت، وبالرغم من ذلك لا تستطيع أن تقنع أهل القرية بالتخلّى عن مهنتهم المتفرِدة، ومنتجهم الذى لا يصنعه غيرهُم فى مصر.

وصولاً إلى «النزلة» بعد رحلة طويلة، تقاطعت مع رحلات المغتربين عن محافظة الفيوم والعائدين إليها للحاق بإفطار أخير فى الشهر الكريم مع أهاليهم، كانت النزلة عند منتصف النهار كأنها لم تصحو بعد، وبالرغم من خلو شوارع القرية، إلا أن رائحة البارود فى الطُرقات، تشى بالمُهمة المُنتهية لتوّها بواسِطة أهل «النزلة».

«إحنا خلّصنا عمايِل بُمب من بدرى»، تُبادِر فتاة لم يتعَد عمرها الإثنا عشرة عامًا، فيما تجلِس على عتبة المنزل، لترشِح دار «الحاجّ أبوحسين» المُلاصِق لدارِهم، الذى تسكُنه أسرة كامِلة ضاربة فى صناعة البُمب والصواريخ منذ زمن بعيد، ولابُد أنه أفضَل من يحكى عن الصناعة، وبالذات فى موسِم العيد، الموسِم الأساسى.

عُلا، زوجة صعيدية ملتزِمة، فى هذه الساعة من النهار كانت انتهت من واجباتها المنزلية، التى لا تشتمل على صناعة البُمب فى ذلك اليوم، فقد انتهت القرية من «طلبيّات» العيد مُبكرًا، لتوصيل مئات الشحنات من البُمب والصواريخ لجميع المحافظات المصرية، استعدادًا لأول أيام عيد الفطر، فخر صناعة «النزلة».

تقُص عُلا التى تزوّجت من ابن عمها بعد انتهائها من الدراسة الثانوية، وبالرغم من أنها كانت تتمنّى أن تعمِل فى خدمة القرآن الكريم وتحفيظه للأطفال والكِبار، حكايتها مع امتهان صناعة البُمب، التخصُص النسائيّ لأهل القرية، قائله إنها وجدت نفسها بزواجها من ابن عمّها، مضطرة لامتهان هذه الصناعة الأسريّة المنزليّة، حيث يتخصص رجال الأسرة فى صناعة الصواريخ، بينما توكل للنساء مهمة صناعة البُمب، الأقل خطرًا وتعقيدًا، فى أفنية المنازل، لإفساح المجال لجلسات العمَل الخطرة، بينما تستضيف الأسطُح الورديّات الرجاليّة الساهِرة، لصناعة الصواريخ.

تنفى عُلا رؤية صغارِها عملية التصنيع الخطِرة، فيما تشير لصغيرها الذى لا يتعدَّ عمره السنوات الخمس: «هو وأخته بيروحوا يلموا زلط عشان البُمب»، مُتمنيّة أن تقلع العائلة عن هذه المهنة، قبل أن يصِل الطفلان إلى سنّ العمل، ويُصبحا مضطرين للتعاطى مع البارود والزلط والمونة إجباريًا.

فى شارِع المنزَلة الرئيسى، يصطف عدد من الأعمال الفُخارية المتروكة تحت عين شمس الظهيرة؛ لتنضج، واشيةً بالمهنة البديلة الوحيدة لأهالى النزلة بعد صناعة الألعاب الناريّة، صناعة «الفواخير»، حسبما يُطلق عليها أهل القرية، فيما تشرح الحاجة «حكمت»، من أهالى المنطقة، خريطة المهِن بالنزلة، ما بين سواد أعظم من العاملين بصناعة البُمب والصواريخ، وهامش من العاملين بصناعة الفُخار، الذين يتطلِب الانضمام لهم درجة من الإتقان وشُرب صنعة «الفواخير»، واصفة إياهم بالفنانين، فضلاً عن فئة أكثر حظًا، تعُد نفسها من بينهُم، تعمَل بالفلاحة: «حظى إنى ورثت 4 قراريط من أبويا بنزرعهم أنا وبنتى وابنى، ومشاركين فى بهيمة».

فى منزل مجاور، تسكُن أسرة من أم وشابين وعروس، وفيما يُفصِح باب البيت المفتوح على مصراعيه بترحاب ضمنيّ، فضلاً عن ابتسامة الوالِدة الصعيدية ذات الساعد المبتور، التى تتبدل سريعًا بمُجرّد سماع سؤال عن «الألعاب الناريّة»، مُحيلة الأمر لأحد الأبناء، يعتذر الشاب العشرينى «كُل أهل القرية بيشتغلوا فى الألعاب النارية، إحنا كمان بنشتغل فى الألعاب الناريّة، بس مش بنحِب نتكلِم عنها، عشان لها معانا بس ذكِرى أليمة»، مشيرًا لحادثة بتر يد الوالِدة العزيزة أثناء تصنيع البمب والصواريخ فى حادث مأساوى، فيما تكمل الجارة القسم الذى لا يُريد أحد أن يتذكره، عن اضطرار الأُسر للاستمرار فى صناعة الألعاب النارية على خطورتها، لتسديد ديون، وتكليف جهاز الفتيات فى سِن الزواج، والاحتفاظ بهامِش من حياة كريمة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل