المحتوى الرئيسى

مأمون طه يكتب: «المؤسسة الرشيقة».. المجد الأمريكي بأيادٍ عربية | ساسة بوست

07/05 18:37

منذ 1 دقيقة، 5 يوليو,2016

لم يكن الجندي المصري البسيط يدرك وهو يغرس علم بلاده في جبهة صحراء سيناء، بعدما صنع المعجزة وعبر قناة «السويس»، وخط «بارليف» الحصين، أنه بذلك سيحدث زلزلًا صناعيًّا وحضاريًّا عالميًّا ستكون أمته آخر المستفيدين منه.

لكن القصة بدأت قبل هذا الحدث بأقل من ثلاثين عامًا، عندما انتهت الحرب العالمية الثانية على بلد مدمرة تمامًا بنيتها التحتية، ولا تمتلك موارد طبيعية تمكنها من استعادة عافيتها، خاصةً بعدما لوثت هواءها ومياهها وتربتها قنبلتان نوويتان ألقيتا على مدينتي «هيروشيما وناجازاكي» فجعلتهما أثرًا بعد عين.

مرارة الهزيمة وهول تبعاتها استفزت في نفوس الشعب الياباني الرغبة الجامحة في إعادة بناء وطنهم المدمر؛ مما دفع المهندس «أونو Ohno» الذي كان يشغل وقتها رئيس مجلس إدارة شركة «تويوتا» إلى حث مهندسيه على ابتكار أساليب جديدة تقيل الشركة من عثرتها، فقام أحد مهندسي الإنتاج، وكان يدعى «شيجو شينجو Shigeo Shingo» بابتكار أسلوب جديد في الصناعة سماه «نظام إنتاج تويوتا TOYOTA Production System»، والذي اعتبر فيما بعد النواة المؤسسة لعلم «التصنيع الرشيق» أيقونة التقدم الأساسية لأغلب الشركات على مستوى العالم.

يقوم هذا العلم في الأساس على الحد من، ثم القضاء على، «الترهلات» التي تصيب المؤسسات الصناعية والخدمية؛ مما يجعلها قادرة على المنافسة بقوة أوعلى الأقل البقاء على قيد الحياة في ظل  ظروف السوق المتقلبة عن طريق استخدام بعض الأدوات الإدارية والإحصائية، و«الترهلات» كما فسرها «شينجو» تنقسم إلى نوعين:

الإهدار Waste. الأنشطة عديمة القيمة المضافة Non-value Added Activities.

وبالرغم من أن المبادئ التي طبقها المهندسون اليابانيون في شركتهم تعلموها أساسًا من أستاذ الإحصاء وعلوم الجودة الأمريكي «د. ديمنج Dr. Deming»، إلا أن أسلوبهم الجديد أصاب صناعة السيارات الأمريكية في مقتل، بعدما أفاق شعبها صبيحة يوم 12 أكتوبر 1973 بتضاعف أسعار الوقود الذي تستهلكه سياراتهم بشراهة بالغة حين قرر الراحل «الملك/ فيصل بن عبد العزيز» وباقي ملوك وأمراء دول الخليج قطع إمدادات البترول عن أمريكا؛ نصرة لمصر وسوريا في حربهما مع إسرائيل.

«هنري فورد» مؤسس شركة «فورد» الأمريكية الشهيرة، حين كان يقول متحديًا زبائنه في أنحاء المعمورة: «سياراتنا متوفرة بجميع الألوان بشرط أن تكون سوداء»، لم يكن يتوقع في أسوأ كوابيسه أن السيارة اليابانية التي تنتجها «تويوتا» ستكون المفضلة لدى المواطن الأمريكي الذي كان يعاني من غلاء الأسعار بوجه عام، سواء كان سعر الوقود، أو السيارة نفسها وقطع غيارها.

الأمر الذي لفت انتباه رجال الصناعة الأمريكيين إلى الرجل الذي يقف خلف هذه الطفرة الصناعية اليابانية، والذي كان قد أكمل عامه الثمانين من دون أن يحظى بتقدير يذكر في بلده، فقرروا استدعاء «د. إدوارد ديمنج» إلى الولايات المتحدة مرة أخرى لينال التكريم الذي يستحقه، ويصبح عضوًا شرفيًّا في «الجمعية الأمريكية للجودة American Society for Quality»، ويستفيد من علمه مهندسو وخبراء الجودة على مدار ثلاث سنوات قبل أن توافيه المنية.

البعد الجديد الذي أضافه «ديمنج» هو أهمية إرضاء العميل الذي لم يكن «فورد» يكترث له كثيرًا؛ اعتمادًا على أن سيارته القوية ستجد حتمًا من يشتريها مجبرًا مهما كان سعرها أو كمية الوقود الذي تستهلكه، وهذا ما فهمه مهندسو تويوتا في البداية فصنعوا السيارة الرخيصة التي توفر في استهلاك الوقود، وترضي متطلبات العميل الجديدة.

نظام «التصنيع الرشيق» لم يكن يعتمد فقط على أساليب إدارية مبتكرة وبسيطة، وإنما كانت ثقافة وأخلاقيات الأمة اليابانية متكئًا مهمًّا في نجاحه وريادته، فالمؤسسة الرشيقة تعتمد على مبادئ عدة أهمها:

نظرية القيود Theory of Constrains TOC. التفكير الرشيق Lean Thinking. نظام السحب Pull System. التصنيع المستمر السريان Continuous Flow Manufacturing CFM . الحد من الأنشطة عديمة القيمة المضافة Non-Value Added Activities. تقليل وقت دورة العملية Cycle-time Reduction Process.

وربما سنعرض لتلك المبادئ، وأدوات التصنيع الرشيق في مقالات لاحقة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل