المحتوى الرئيسى

يوسف شاهين: تعددت الأفلام والموضوع واحد: «أنا هنا.. والآن»

07/04 21:23

طفل «أبيح» وعنيد وخفيف الظل و«لسانه زالف». مجنون وعابث وماكر وغامض وانفعالى وفرانكوفونى.. ودائماً: «على قلق كأن الريح تحته».

اتفلق. اضرب دماغك فى حائط. افهم أو لا تفهم. هو هكذا: يتكلم فيتوه ويتوّهك و«يوديك السينما ويرجّعك عطشان». يسمع ما لا تحس ويرى ما لا يعنيك ويفكر بقلب محروق من كثرة ما دخن وتأزم وأحب وتمنى و«اتخانق مع دبان وشه». هو هكذا، ولك أن تتخيل أن السينما فى مصر ليس فيها يوسف شاهين!!

دعك من «رام» المهاجر: أهو «يوسف الصديق» أم «مناحم بيجن»؟!.

دعك من «الآخر»: أهو المدفع أم المطبعة؟!

دعك من «أمريكا»: بحب جين كيلى.. وباكره جورج بوش!.

دعنى فقط أذكّرك بـ«كنا» فى زعقة «محمد أبوسويلم» وهو يضرب على قفصه الصدرى بوجه قبضته: «كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة».

دعنى أذكّرك باستلاب «الكل» فى حضرة «الواحد»: «أورشليم فى أسوأ حال يا مولاى السلطان.. لا أمل لها غيرك».

دعنى أذكّرك بقسوة الـ«أنا» على نفسها وعلى موضوعها: «إيه هىّ الحرية يا محمود؟.. الحرية إنك تكون عبد للحقيقة».

دعنى أذكّرك بيقين الـ«أنا»: «حنحارب».

باغترابها: «مصر حتفضل غالية عليّا».

بتفاؤلها: «نلقاها بتشق السحاب الغميق».

بحنينها وحنيّتها: «مين اللى محنيلك خضار.. مين اللى محنيلك عمار.. مين اللى بيبيع الضمير؟!».

بما لم يقله وأوصى بتصديقه: «ولو فى يوم راح تنكسر.. لازم تقوم واقف كما.. النخل باصص للسما».

قل ما شئت. اكتب وتفلسف واعصر مخك. أتحداك إن كنت تستطيع أن تعرف عنه أكثر مما يعرف موظف سجل مدنى: هو «يوسف جبرائيل شاهين». ولد فى 25 يناير 1926، فى مدينة الإسكندرية (هذا الكوزموبوليتان الذى يلعب بالبيضة والحجر) مع أول موجة فى ليبرالية «نموت نموت ويحيا سعد». الأب لبنانى كاثوليكى من مدينة «زحلة»، والأم من أصول يونانية هاجرت أسرتها إلى مصر فى القرن التاسع عشر، والعرق دساس. كافحت أسرته لتعليمه، ومع ذلك درس أولاً فى كلية «فيكتوريا»، ثم سافر إلى الولايات المتحدة، حيث درس التمثيل فى معهد «باسادينا» المسرحى فى كاليفورنيا. بعد عامين عاد إلى مصر مخرجاً، وكان فى الرابعة والعشرين من عمره. قدم أكثر من أربعين فيلماً طويلاً (كلها معالجات لموضوع واحد). يحب السينما والسجائر وجين كيلى والموسيقى الكلاسيك والحمام المحشى ودخان المظاهرات والسلام المستحيل وأمريكا قبل 11 سبتمبر.. باختصار: لا يحب إلا «يوسف شاهين».

1963: يسأل «الناصر صلاح الدين» أحد معاونيه: «كيف حالك يا حسام؟. كيف حال العرب؟. ما أخبار إخواننا فى أورشليم؟». فيرد: «أورشليم فى أسوأ حال يا مولاى السلطان.. لا أمل لها غيرك. أورشليم تنتظر أن تلبى أخيراً نداءها».. . تلك رائحة جمال عبدالناصر.

1967: انهزمت خرافة «الكل فى واحد» وأسلم الزعيم الخالد رقبته للمقصلة، لكن زعقة «محسنة توفيق» فى «عصفور» يوسف شاهين -«حنحارب»- عطلت تنفيذ الحكم. مات «الواحد».. واحتاج «الكل» إلى ثلاث سنوات ليستيقظ.

1976: عاد «الابن الضال». ودّع الماضى وحلمه الكبير. ودّع الأفراح والأشباح.. «ما عادش فاضل كتير». لم يعد سوى أن ننظر أمامنا.. «على شمس أحلامنا.. نلقاها بتشق السحاب الغميق».

1977: زار السادات «أورشليم»، لا غازياً ولا فاتحاً، بل داعياً إلى كسر الحاجز النفسى بين «الأنا» و«الآخر». قرر شاهين أن «يتصالح» مع نفسه، فمن أين يبدأ؟. من الإسكندرية: يهود على أرمن على جريك. طليان على ألمان على إنجليز. «سارة» اليهودية تقع فى غرام المناضل المصرى «إبراهيم» وتحمل منه فى الحرام. دبابات هتلر وصلت العلمين.. هاى هئ. صليب معقوف على ذراع طالب فيكتوريا فى تمثيلية صبيانية. لا بد من أمريكا. «سارة» مع أبيها إلى جنوب أفريقيا، ومنها يتفرقان: الأب إلى حيفا (أرض الميعاد) والبنت مع طفلها إلى مصر من جديد.. إلى «إبراهيم»: «أنا مستمر منذ (إسكندرية ليه) فى تحطيم الحواجز فى نفسى. أفجّر الماضى بما فيه من صالح وردىء، وأتطلع من حولى وأصرخ.. الحدود اختراع سخيف». هل فهمت يوسف شاهين؟.. أشك!.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل