المحتوى الرئيسى

معركة التشيُّع.. الوجه الخفي لمعركة الحوثي في اليمن

07/04 18:10

أدركت الجماعة الموالية لإيران الشيعية أهمية المعركة الفكرية، وضرورة الإسراع في الانتشار والتغلغل في المجتمع اليمني، واستقطاب فئة الشباب بصورة موازية لتمددها العسكري في المحافظات اليمنية عامة والمحافظات الوسطى والجنوبية خاصة، فبدأت معركتها الفكرية في وقت مبكر قبل سقوط العاصمة صنعاء بمراحل، وهي ما زالت محاصرة في مركزها الروحي بصعدة الذي حولته إلى مركز تعبئة فكرية وعقدية للأتباع والموالين، كما حرصت على نقل رفات مؤسسها من خلال صفقة سياسية مع الرئيس السابق علي صالح من باحة السجن المركزي في العاصمة صنعاء إلى مركزها في صعدة، معززة حربها الثقافية ببناء ضريح لرفاته يتطابق مع الأضرحة الشيعية للأئمة المعتبرين في الثقافة الشيعية، محاولة منها صناعة رمزية دينية مركزية جامعة، تمهيداً لتحويل صعدة إلى مركز روحي لأتباعها يوازي قم في إيران وكربلاء والنجف في العراق.

كما حرصت الجماعة منذ نشأتها على خلق نوع من التميز الثقافي كجماعة بديلة للسلطة الشرعية اليمنية من خلال إنتاج الشعارات والألوان والرموز الخاص بها ذات الخلفية التاريخية والفكرية التي تهدف إلى إحداث قطيعة فكرية مع المجتمع، والتهيئة النفسية لدى الأتباع والمناصرين والمحايدين بالذات لتقبل القادم الجديد، وإحداث قطيعة مع الواقع، كما عمدت إلى استخدام شعار الصرخة بلونيها الأحمر والأخضر بديلاً عن العلم اليمني الجمهوري بألوانه الأحمر والأبيض والأسود، وإحياء ألوان المملكة المتوكلية الهاشمية التي قضت عليها ثورة 26 من سبتمبر في عام 1962، ولم تنسَ بعد السيطرة على العاصمة إلى تغيير معالم الشوارع والطرقات فعمدت إلى طلائها بلونها الأخضر بدلاً من اللونين السائدين الأصفر والأسود في إطار معركة الألوان والرموز ولم يكن أمراً عادياً، أو تصرفاً عبثياً كما تصوره البعض.

استمرت المعركة في اتجاه آخر متمثل في السيطرة على المؤسسات الإعلامية، وإفراغها من الإعلاميين المناوئين واستبدالهم بآخرين مؤيدين لها خاصة مؤسسة التلفزيون وصحيفتَي الثورة و26 سبتمبر الرسميتين، وبدأت بنشر أفكار تنتقص من أُم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وتمجد التشيع في مناسبات عدة، كما أغلقت معظم الصحف والقنوات وحظرت أغلب المواقع الإلكترونية المعارضة، في المقابل عينت الإعلاميين لها مناصب إعلامية سيادية ضمن سياسة تكريس سياسة الجماعة الثقافية.

في المقابل، حرصت الجماعة على إسكات الأصوات المعارضة فعمدت إلى تدمير المؤسسات المناوئة، حيث بدأت بمركز السنة السلفي في محافظة صعدة منطقة دماج، وخاضت الجماعة في سبيل ذلك حرباً ضروساً لأجل تصفية خصومها الفكريين من السلفيين حتى نجحت في إخراجهم بموجب صفقة بينها وبين الرئيس هادي، في أكبر عملية تهجير في تاريخ اليمن الحديث، واستمرت في انتهاج هذه السياسة ففجَّرت دار القرآن الكريم في أرحب وهمدان وخمر حتى وصلت إلى جامعة الإيمان؛ حيث قامت بنهب كل ما فيها من أثاث وتجهيزات تقدر بمليارات الريالات، وقد وثقت منظمات حقوقية تدمير عشرات المساجد والمدارس بصورة كلية أو جزئية؛ حيث كانت حصة محافظة عمران وحدها تدمير (١٦) مسجداً.

كما حرصت على نشر فكر التشيع من خلال إنشاء الحوزات وممارسة طقوس التشيع كالبكاء واللطم على الحدود، وإيفاد أنصارها في دورات فكرية وتثقيفية إلى مدينة قم الإيرانية تستمر أحياناً إلى عدة سنوات لصناعة مراجع متخصصة، ونشر ملازم ومحاضرات مؤسس الجماعة التي ركزت على تقديم قراءة خاصة للقرآن تتناسب مع أهداف الجماعة، لما للقرآن من تأثير وتقدير لدى المتلقي، إضافة إلى إحداث نوع من الاستقلالية عن القراءات الموجودة على الساحة اليمنية والعربية باعتبارها قراءات داعشية أو وهابية، طباعة كتب دخيلة في مضمونها على قيم وعادات وتقاليد المجتمع تزدري فيها الصحابة الكرام وتشرعن للمتعة وغيرها من معتقدات الشيعة، وأخيراً تزين العاصمة صنعاء بصور ضخمة للإمام علي والحسين والأئمة الاثني عشر حتى تشعر كأنك في طهران أو الضاحية الجنوبية في لبنان، ولست في العاصمة اليمنية صنعاء؛ لتقدم للمواطن رسالة للواقع الجديد ومحاصرة وعيه به في كل حركته.

السيطرة على أغلب المساجد، خاصة بالعاصمة صنعاء، ومنع الخطباء المعارضين لفكرهم من إلقاء خطبة الجمعة واستبدالهم بخطباء موالين لهم ملتزمين بأدبيات وسياسات الجماعة في الخطاب المنبري، بل وصل بهم الأمر إلى ترديد شعار الصرخة أثناء صلاة الجمعة، كما منعت إقامة الدروس والمحاضرات داخل المساجد إلا بإذن مسبق من وزارة الأوقاف التي تتبع الجماعة، وملاحقة الدعاة والخطباء واعتقالهم، وأخيراً في رمضان تم منع قيام صلاة التراويح بصورة علنية باعتبارها بدعة عمرية ودخيلة على الإسلام.

منع طباعة ونشر الكتب التي تحذر من فكرهم وتكشف عورهم، مثل كتاب الشهيد "أبو الأحرار" محمد محمود الزبيري قصة الرهينة، وقد عملت الجماعة بصورة ممنهجة منذ زمن طويل في خدمة معركتها وكانت تمارس نوعاً من الضغط على القرار الحكومي أيام الرئيس السابق في وزارة الثقافة بمنع طبع كثير من الكتب، بل إن بعض المؤرخين يتهم اللوبي الإمامي الذي مهد لظهور هذه الجماعة بإخفاء ثلاثة أجزاء من موسوعة الإكليل للمؤرخ اليمني أبوالحسن الهمداني التي تفضح زيف وبدعة النسب العالي والمقدس لهذه الجماعة.

على مستوى العملية التربوية في المدارس دأبت الجماعة منذ البداية على استهداف المناهج المدرسية؛ حيث ضمنت المقررات المدرسية معاركهم المجنونة ضد الصحابة، وبالذات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها؛ بل وصل بهم الأمر إلى حذف اسم عمر مجرداً من أي صفة أو لقب من كتاب القراءة للصف الأول واستبداله باسم محمود، وحذف مقرر سورة النور من كتاب الصف التاسع لاحتوائه على براءة السيدة عائشة رضي الله عنها.

على مستوى تشكل الوعي المجتمعي سعت الجماعة إلى إحياء الاحتفالات سواء الدينية العامة؛ كالمولد النبوى، أو الخاصة؛ كيوم الغدير ويوم الشهيد القائد بصورة دورية على غرار احتفالات حزب الله وتلقى فيها الكلمات والأناشيد وترسم الرموز على الجدران ويحدد الناس بصورة استعراضية ويتبادل التهاني وتنفق عليها ملايين الدولارات سعياً إلى ربط ذاكرة المجتمع بهذه الرموز والاحتفالات التي ترتبط بالجماعة وفكرها وثقافتها.

الأخطر في هذه المعركة أنها تتم في الظل وبعيداً عن الأضواء، وفي ظل غيبوبة مميتة من قِبل النخب اليمنية من علماء ومثقفين وسياسيين، وعجز واضح للحكومة الشرعية وإعلامييها وكأنها لا تعنيهم غير مدركين أنها معركة وجود وهوية ومستقبل، وأن ترك هذه المعركة بلا تصدٍّ مدروس سيجعل مستقبل البلاد حقل ألغام لن ينجو منه أحد، وستكون تكلفة تصفيتها باهظة الثمن وبحاجة لأجيال وآماد زمنية طويلة لإزالة آثارها.

معركة التشيع الفكري اليوم في اليمن معركة خفية تدور في الظل بعيداً عن المواجهات العسكرية إلا أنها لا تقل أهمية وخطورة، بل هي أشد خطورة كونها تستهدف الوعي وتدمر العقل وتؤسس لمستقبل مخخ بأفكار طائفية، فهي معركة الهوية والانتماء وتهدد استقرار المجتمع ونسيجه الاجتماعي حاضراً ومستقبلااً، وتدمر وشائج القربى وتفتح الباب الواسع على حروب مستقبلية أشد ضراوة بدوافع طائفية.

إن تجاهل هذه المعركة يحول هذا الجيل إلى قنابل جاهزة للانفجار في أي زاوية أو بيت، وفي وجه كل مخالف سواء كان أباً أو أخاً أو قريباً، والأخطر إيجاد جيل مسكون بخرافة المهدي وعصر الظهور والتمهيد للمهدي، مستعد لتقديم روحه لأجل السيد، لا مكان للمستقبل والدولة في تفكيره، ما يؤخر عملية أي تغيير أو نهوض حقيقي في المستقبل.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل