المحتوى الرئيسى

مارك أمجد يكتب: مصائر المتنصرين بين جهنم والجحيم.. (الحلقة الأولى)

07/04 10:35

منذ سنوات، دق ثلاثة رجال على باب شقة الروائي المصري يوسف زيدان، فتحت لهم زوجته فسألوها عنه. في تلك الأثناء كان المتهم يكتب على صفحته بالفيسبوك أنه بعد ساعات سيتم التحقيق معه بشأن كتابه “اللاهوت العربي وأصول العنف الديني”.

في مقدمة هذا الكتاب يقول المؤلف أشياء كثيرة غير مألوفة، وكان من أهمها: وما الديانات الثلاثة إلا تجليات لشيء واحد.

ربما لكم قريب أو زميل بالعمل أو مجرد شخص حكى عنه أحدهم، تنصر، وبالطبع تعرفون هالة الغموض التي تحيط بهؤلاء غالباً، وعادة يختفون بعدها هاربين من الأهالي والجيران وجماعات المسجد وجهاز المخابرات العامة!

لكن هل الأمر يستحق هذه التضحية؟ هل وجدوا فعلاً ما يدفعهم إلى الهاوية بهذا الشكل الدراماتيكي، والذي قد يفقدهم -إذا تشنج السيناريو- حياتهم؟

في أحيان كثيرة يسافرون للخارج، فالكنيسة حتى لو لم تساهم بدور كبير في تنصيرهم، لكنها قد تخرج لهم فيزا بين ليلة وضحاها، أو على الأقل سترسلهم إلى بيت من بيوتها في محافظة مختلفة عن محل ولادتهم.

وفي الحالتين تضيع منا قصصهم، ولا نتعرف سوى على كليشيهات، يا ليتها مستمدة من الواقع، بل من روايات الكنيسة وقديسيها في العصور الأولى.

واتتني الفرصة حينما وقعت في يدي يوميات بخط يد مسلم كتبها في نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات، والتي تضمنت قصة تحوله من الإسلام للمسيحية؛ الدوافع، قصة اضطهاده، عدوى الغرائبيات التي ما إن وطأ المعسكر الآخر بأقدامه، حتى أصابته هو الآخر.. كأن الأساطير والقصص الساذجة صارت جزءا من المسيحية! وهي بالفعل كذلك، أو كأنها صارت دلالة قوية على إيمان أي مسيحي جديد بيسوع!

في هذا المقال، سأرتب النقاط التي استخلصتها من مذكرات ذلك المتنصر، ذلك أني أدين لها بزيادة اقتناعي بتشابه المسيحية في أركان عديدة مع الإسلام، لدرجة تجعلني -لو كنت مؤمناً- أقر بصحة تلك الجملة الكلاسيكية “الله واحد”، ولو كنت ملحداً أقر بأن الله بالفعل كيان وهمي، لدرجة جعلت مجموعة من الأغبياء ينقسمون حوله إلى فريقين.

أما في حالة أني كاتب، فسأمرح كثيراً بين سطور تلك المذكرات.

قبل تفنيد النقاط التي يطرحها المتنصرون، سأضع ملاحظاتي على قصصهم.

الأسباب في مجملها ستبدو واضحة جداً، لكنها في الوقت ذاته ضعيفة، ولأنهم لا يفقترون للذكاء اللازم، فهم يلحقونها بإشارات إلهية ومعجزات غير منطقية حتى تصير قابلة للتصديق.

ثانياً؛ قصصهم تشبه إلى حد كبير قصص قرأناها من قبل في كتب تاريخ الكنيسة، مثل قصة شاول الطرسوسي أكبر مضطهد يهودي عرفته الكنيسة في بدايتها، والذي ادعى أنه رأى الله على هيئة نور أسقطه من على حصانه ومن على غطرسته، فصار بولس الرسول أكبر مؤسس للديانة المسيحية.

أهم ملاحظة في رأيي أنهم حينما يتحولون لدينهم الجديد، فهم يظلوا على نفس سلوكهم الخاص بتكوينهم الشخصي، أي أن المتطرف منهم حتى حينما يصبح مسيحياً؟ يبقى محافظاً على عنفه في توجيه البشارة أو النقد، بل إنه يعود يمارس من جديد مهنته، حينما كان مسلماً.. تكفير الناس.

وأخيراً، ليس خفيا على أحد منا رغبة أي بني آدم في الشهرة قبل أن يموت ولا يتذكره أحد، حتى إنه قد يرتكب جريمة كي توضع صورته بجريدة، لذلك منطقي جداً أن يدرك المتنصرون ما يحيطهم من هالة مقدسة، هالة يمتد قطرها أكبر من تلك التي تحيط المسيحي بالمولد.

– ينزعج المتنصرون إذ فرض عليهم الإسلام فرضاً في مجتمع يتعامل مع الدين كموروث، لكني أسألهم، وما حال المسيحيين؟ هل قابلت قبطياً مثلاً اعتنق الإسلام دون أن تتركه عائلته أو الكنيسة وشأنه؟! قد لا يصل الأمر للعنف الذي يتسم به السيناريو العكسي، لكن بالأخير، كل منا يولد -ليس في مصر، بل الشرق الأوسط برمته- سيظل حتى فراش الموت ينوء تحت ثقل الدين، سواء كان موروثا أو مكتسبا، بل إني أعرف صديقاً مسيحياً وهو ملحد منذ سنوات، حينما عرفت أمه أنه على علاقة بفتاة مسلمة، أول ما انتبهت له ألا يترك المسيحية حتى لو ظل يرى الله أكذوبة!

– هم يرون أن الإسلام لم يقدم لهم سوى رؤية جافة طلسمية عن إله منعزل بعيد عن البشر، لكن لنلقي نظرة سوياً عن إله المسيحية، وكيف يذكره كتابها المقدس؟

“إلى متى يارب تنساني كل النسيان، إلى متى تصرف وجهك عني؟”  

“وكان جبل سيناء كله يدخّن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار”.

“وقالوا لموسى تكلم معنا فنسمع ولا يتكلم معنا الله فنموت”.

“لأنه هل يسكن الله حقاً على الأرض؟ هوذا السماوات وسماء السماوات لا تسعك”.

طقال الرب السماوات كرسيّ والأرض موطئ قدميّ”.

“الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية”.

“وقال لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش”.

– يذكر المتنصر في أوراقه: (كيف أنه كان يبغض حلقات الذكر الخاصة بالجماعات الصوفية التي التحق بها، وكيف شعر بمهانة لذكائه وهو يترنح في الهواء مردداً “الله حي”.)

والسؤال: كيف يشعر داخل الكنيسة يوم الجمعة العظيمة، وهو يركع 400 سجدة أمام إله مصلوب، طالبا منه وهو في هذا الوضع المهين أن يمنحه الرحمة والبركة قائلاً: “كيرياليسون.. يارب ارحم”.. أليس في هذا أيضاً إهانة للعقل؟!

– يحتج المتنصرون على ما في الإسلام من إكراه على الصلاة والجنة، بل حتى فكرة قبول الله، فيذكرون الحديث القائل: “عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل”.. لكن أليس أيضاً المسيحيون يعرفون أن السماء هي مبتغاهم الأخير والحقيقي؟ أجاب يسوع: “إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله.. إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله”.

والمقصود بالولادة من فوق -هنا- المعمودية، أي تغطيس الطفل أول ما يولد في بئر بها ماء مقدس حتى يصير مسيحياً، من قبل حتى أن نسأله أو نستشيره إن كان يؤمن بما يصدقه كل هؤلاء المهللين حوله من أقاربه وأجداده.. أليس في هذا إجبار على عقيدة وإله؟!

أنا أنا هو وليس إله معي.

قبلي لم يُصور إله وبعدي لا يكون.

أنا هو الخبز الذي نزل من السماء.

أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا.

– لأننا ولدنا بمجتمع يرجع في أموره للشريعة الإسلامية، فلا مشكلة أن يُظهر المسلمون فيه عنصريتهم بشكل فج بحكم أنهم الأكثرية، لكن هذا لا ينفي عنصرية الأقباط، ولا يقلص حجمها سوى أنهم الأقلية.. كاذب ومدعي كل من يجرؤ على القول بأن هناك إيديولوجية دينية ليست عنصرية، وإلا فليس هناك إيديولوجية من الأساس.. فأي عقيدة سياسية، دينية، إجتماعية، فنية حتى، تقوم على مبدأ أول وأخير، هي حتماً الأصح، وإلا فلماذا ظهرت أصلاً؟

أي أن “كنتم خير أمة أخرجت للناس”.. “إن الدين عند الله الإسلام”.. يقابلها “من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن”.. “إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله”.. “آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك”.. و“الذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة”.. “الأشياء العتيقة قد مضت.. هوذا الكل قد صار جديداً”.

– يندهش المتنصرون للحالة التي يوصلهم لها الإسلام من تدقيق في أمور ليس لها أي جدوى، مثل قواعد الأكل والاستنجاء ومصافحة النساء، لكن أليس التدقيق هوسا عند البشر بشكل عام، والوسواس مرض له درجاته؟

أذكر كيف كانت أمي تنهرني إذا وضعت الإنجيل أسفل بقية كتبي، وذات مرة شاهدت قسيساً في الهيكل يوبخ صبياً عندما اعترف له الأخير أنه صام، لكنه غسل أسنانه في الصباح، إذ خشى رائحة فمه! كما أذكر صديقة مسيحية نهرتني في صيام، لأن التومية فوق البطاطس (فطاري)!! أصدقائي العابرون.. الخبلان سمة الإنسان.

– كتبت شابة سعودية في مذكراتها تقول إنها كانت تهوى قراءة سورة المجادلة، إذ كانت تصيبها بحالة من الهيجان، وعلى إثرها تهرع إلى الحمام تمارس العادة السرية!! لطالما اقترن الإسلام في ذهن بعض الأقباط بأنه دين الجنس والعنف، لكن هل من ناموس بلا جنس؟ أو شريعة ينقصها شبق؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل