المحتوى الرئيسى

«لويس جريس» للوفد: «هيكل» كان «مركز قوى» مؤثرًا للغاية في الحقبة الناصرية

07/04 09:18

الحديث عن الأستاذ «محمد حسنين هيكل» ليس بالسهل، بل هو حديث مليء بالعقبات والصعوبات.. هكذا يقول «لويس جريس» عن الأستاذ «هيكل» لأنه يراه قامة صحفية كبيرة بنى نفسه بنفسه، واقترب من «عبدالناصر» وأصبح يحتكر الأخبار الرسمية للدولة وينشرها فى الأهرام، واشتهر ببعض المصطلحات التى تم ترويجها فى عالم الصحافة والسياسة، مثل «النكبة العربية» على مأساة 1948 بين العرب وإسرائيل، ثم مصطلح «النكسة» على هزيمة يونيو 67، ثم مصطلح «مراكز القوى» على باقى رجال «عبدالناصر» الذين اعتقلهم «السادات» فى مايو 1971، ويشير إلى أن «هيكل» بدأ الصحافة فى أربعينات القرن الماضى، وكان يكتب مواضيع اجتماعية، وكان يطلع القراء على صور أميرات الأسرة المالكة لأحفاد الخديو «إسماعيل» و«عباس حلمى» والسلطان «حسين كامل» التى كانت تنشر فى مجلة «آخر ساعة»، وكم كانت هذه الأميرات جميلات ويضارعن ممثلات هوليود فى الجمال والشياكة والأناقة. ولهذا يؤكد أن «هيكل» لم يكن كاتبًا سياسيًا فى بداياته، ولكنه كان كاتبًا اجتماعيًا، وكان يميل إلى التحقيق الصحفى المصور، وكانت الصورة تلعب دورًا مهمًا فى تحقيقات «هيكل».. ويعتقد «لويس جريس» أنه تعلم هذا من مصور فى مجلة «لايف» الأمريكية..

ويؤكد «جريس» دور «هيكل» الإيجابى فى الصحافة لأنه بالفعل، أعلى من شأن الصحفى وجعل للصحفى ولأول مرة قيمة ووزنًا ووجودًا، وقبل «هيكل» كانت الصحافة المصرية تنشر الأخبار عن المراسلين الأجانب، لكن مع جود «هيكل» ومعه «موسى صبرى» أصبح الصحفى المصرى هو الذى ينتقل إلى موقع الحدث، وينقله إلى المصريين واستطاع «هيكل» أن يقدم هذه النقلة النوعية، بأن ينتقل إلى موقع الحدث بنفسه وينقله، وكان يتجاوب مع الحدث بمنتهى السرعة، وقام بتغطية الأحداث الساخنة فى إيران، عندما أمم «مصدق» بترول إيران، وأيضًا «هيكل» هو أول من رفع راتب الصحفى، ولم يعد الصحفى يعمل بالقطعة بل أصبح له أجر ثابت. وخاصة كان «هيكل» يستطيع بما يكتبه أن يؤثر فى الحكام خاصة حكام الدول التى كان يطلق عليها وصف الرجعية، على عكس صوت العرب و«أحمد سعيد» اللذين كانا لهما تأثير فى الشارع العربى ولدى المواطن العربى، لكن كتابات «هيكل» كان تأثيرها على الحكام العرب.. ويرجع وصف «هيكل» برجل لكل العصور، ذلك لتجاوبه مع السلطة ولاهتماماته بالحوار مع الحكام، وتقديم ما يمكن أن يجعل الحاكم مستريحًا فى اتخاذ القرار، لأنه يزين له الأمور ويعرف ماذا يريد الحاكم أن يفعل، فيمهد له القرار الذى ترضى عنه الشعوب. ولهذا كان هو صاحب مصطلحات: النكبة والنكسة ومراكز القوى، ومع هذا «هيكل» لم يقدم شيئًا فى منصب وزير الإعلام، لأن الوزارة كانت مفروضة عليه فرضًا، وهو كان الصحفى الأوحد والنديم الأوحد والمستشار الأوحد لـ«عبدالناصر» الذى رد على هذا عندما قال: أنا و«هيكل» نتبادل المعلومات، وبالطبع «هيكل» كان لديه ميزة فى هذا، نظرًا لإمكانيات الأهرام الضخمة، بوجود مكاتب ومراسلين لها فى جميع أنحاء العالم، وعند صدور كتاب عن مصر فى أى دولة من العالم، كانت مكاتب الأهرام ترسله إلى «هيكل»، وبدوره يعطيه إلى «نوال المحلاوى» مديرة مكتبه، لتسهر عليه ليلاً وتترجمه وتلخصه، وفى الصباح تعطيه لـ «هيكل» فيعطى هذا الملخص إلى «عبدالناصر» خلال أيام من صدور الكتاب، وهذه كانت من ضمن الخدمات التى كان يقدمها إلى «عبدالناصر» ولم يكن يستطيع أحد أن يقدمها مثله. ومع هذا تخلى «هيكل» عن أستاذه «مصطفى أمين» ومديرة مكتبه «نوال المحلاوى» وزوجها «لطفى واكد» عندما تم اعتقالهم!! وكان «هيكل» مركز قوى شديدًا جدًا فى عصر «عبدالناصر»، ومن كان يريد شيئًا كان يذهب إليه، كما حدث بعد أن صدر قرار فصل «مفيد فوزى» وكان قرارًا واضحًا بعدم صرف راتب له، وتدخلت أفراد كثيرة لعودة «مفيد» ولم يفلحوا، ولكن الذى أعاده إلى عمله هو «هيكل» بعد أن ذهب إليه «مفيد» أكثر من مرة. ولهذا يؤكد «لويس» أن «هيكل» شريك أساسى وفاعل فى أخطاء «عبدالناصر» لأنه كان يشير عليه فى كل كبيرة وصغيرة، وكان حاضرًا معه كل المواقف، وأثناء صدور القرارات السياسية الصعبة، التى تم تنفيذها فى تلك المرحلة، وعليه فهو يتحمل المسئولية بنسبة أكبر فى أخطاء «عبدالناصر» بل يمكن القول إنه الذى كان يشير على «عبدالناصر» لأن قراراته تقريبًا كانت نابعة من أفكار «هيكل». ومع هذا كتب «هيكل» بعد وفاة «عبدالناصر» مقاله بعنوان «عبدالناصر» ليس بالأسطورة، وهو حينها حاول توضيح علاقته بـ«عبدالناصر» وهذه هى كانت طريقة «هيكل» للخروج من علاقة شديدة الأهمية والارتباط وكان يقصد أن «عبدالناصر» ليس بأسطورة، ولكن أنتم الذين خلقتوا الأسطورة وألقى الأمر على الناس وأعتقد أنه برأ نفسه.

ويقول كاتبنا الكبير.. وبعد مجيء «السادات» إلى السلطة انحاز «هيكل» له بل كان الوحيد من رجال «عبدالناصر» الذين انحازوا له، ولم ينحز إلى مجموعة «عبدالناصر» بل أطلق عليهم وصف مراكز القوى مع أن «هيكل»، كان أهم مراكز القوى فى عهد «عبدالناصر» وهذا طبيعى لأنه كان رجلاً ذكياً ويستشف المستقبل ويقرأه جيدًا ويتفهمه، فعرف أن «السادات» قادم لا محالة وأنه سيفوز على رجال «عبدالناصر»، إذن «هيكل» مع المستقبل وليس مع شىء آخر، ولأنه كان يرى نفسه ومصلحته فى أن يكون مستمرًا ومتعايشًا كصحفى أول فى كل العصور، وبكل الطرق المشروعة فانحاز لـ«السادات».. ولكن سرعان ما تم الصدام بينه وبين الرئيس «السادات»، الذى نحى «هيكل» جانبًا، وعلى الفور، لأنه لم يكن يريد تكرار صورة «عبدالناصر» و«هيكل» معه، عندما أراد «هيكل» حضور لقاء الرئيس «السادات» مع «هنرى كسينجر» وزير الخارجية الأمريكى فى أسوان ورفض «السادات» هذا، وخشى من اقتراب «هيكل» منه حتى لا يقال إنه يشير على «السادات» كما كان يفعل بمشورته مع «عبدالناصر» الذى كان يشير عليه فى كل كبيرة وصغيرة، وحاضرًا معه جميع المواقف، وصدور القرارات السياسية التى تم تنفيذها فى تلك المرحلة، فرفض حضور «هيكل» أى اجتماعات رئاسية، مع أن «هيكل» كان يحضر اجتماعات «عبدالناصر» لكن «السادات» رفض تكرار التجربة مع هيكل» أو مع «موسى صبرى» الذى كان قريبًا منه.. ولكن يؤكد «لويس جريس» عدم حدوث صدامات أخرى، فى حياة «السادات» لأن «هيكل» كان يعرف أنه يتعامل مع رئيس الجمهورية، وكان يعرف حدود ما يفعله.

ويقول «لويس»: لكن بعد وفاة «السادات»، أراد «هيكل» أن يرد على «السادات» وينتقم منه، بعد وفاته لعدم قبوله وجود «هيكل» بجواره، فرد «هيكل» بشكل فيه تجريح غير مقبول، لـ«السادات» بكتابه «خريف الغضب» لأنه تعرض لعائلته، مع أن جميع المعلومات فى الكتاب غير مفيدة، ولكنها تقع تحت التطاول والتجريح، فماذا يعنى نشر صورة أم الرئيس «السادات»؟.. ويجيب: لا شىء.. ويذكر «لويس» أن هذه الصورة كان أحضرها من وكالة أنباء «الشرق الأوسط» لمجلة «صباح الخير»، ولكنه فوجئ بمكتب الرئيس «السادات» يتصل بى مساءً ويسأله: أين صورة أم الرئيس؟ لويس: فى المجلة.. فقالوا: سنرسل لك فى الصباح من يأخذها وحذروه من نشرها.. لكن «هيكل» أحضرها ونشرها فى الكتاب بعد وفاة «السادات»، معتقدًا أنه بهذا يستطيع الإساءة إلى «السادات» الذى لم يكن له خريف، لأنه بطل الحرب وبطل السلام، وكان داهية سياسية ورجل دولة من طراز فريد، وحقق نصر أكتوبر وقدم السلام وفرضه على أمريكا وإسرائيل، وأعاد أرض مصر المحتلة، وهزم الناصريين فى مايو 1971، ولكنه فى أواخر عهده لم يكن مسيطرًا على مقاليد الأمور، لدرجة أن الجماعات الإرهابية استطاعت اغتياله. كما أن «هيكل» لم يكن له خريف أيضًا، لأنه استمر كصحفى، واستطاع أن يكتب فى الداخل والخارج، بل كتب فى جريدة إنجليزية توزع بالملايين، فقد عاش وظل على القمة، والأحداث التى عاصرها، والرؤساء الذين تعايش معهم، كانوا قيمة وقامة. ولذلك أصبح له دراويش ليسوا بالكثيرين، ولكن له تلاميذ وقراء، وهو يستحق ذلك فقد كان صحفيًا متفردًا، إذن «هيكل» لم يكن مثل باقى الصحفيين فهو أستاذ صحفى، لأنه أحد الذين صنعوا الصحافة الحديثة مع أستاذه «محمد التابعى» ومنافسه «أحمد بهاء الدين» و«إحسان عبدالقدوس». ومن الطبيعى أن يكون له أعداء كثيرون، منهم الموضوعيون، وآخرون بعيدون عن الموضوعية، وهذه غيرة وحسد على «هيكل»، لأنهم يقولون: لو أنه أتيحت لهم الفرصة التى أتيحت لـ«هيكل» لكانوا أصبحوا أفضل منه، فهؤلاء كارهوه، وأما أعداؤه المنصفون فيقولون: «هيكل» اجتهد ونجح، ولكنهم يختلفون معه فى المواقف السياسية، ولكنهم لا ينكرون عليه مهنيته وأستاذتيه.

ويقول كاتبنا الكبير: المحير أن الكثيرين لا يعلمون هل «هيكل» ناصريًا أم اشتراكيًا؟ لأنه كان يروج أنه اشتركي، مع أنه كان أبعد ما يكون عن الاشتراكية، لأنه كان يعيش معيشة اللوردات، وليس لأحد حق الاعتراض على هذا، ولكن الغريب والمحير هو الاعتداء الذى تم على فيلته فى «برقاش»، ولكنه كتم على الخبر ولم يعلنه حتى وفاته.. ولا أحد يعرف ماذا حدث؟ وهى من ضمن أموره التى لا يعرف أحد عنها شيئًا، وظلت غير مكشوف سرها، فمن الذى أحرق فيلة «هيكل» فى «برقاش» بعد 30 يونيه، فلا أحد يعلم؟ ولماذا هذا التعتيم الذى فرضه هيكل»؟.. هل عناصر من جماعة الإخوان؟ ولماذا؟.. وهل مدبرة أم لا؟.. ومن الذى دبرها؟ لكن «هيكل» ظل صامتًا تجاه هذا الحادث، ولم يتكلم عنه فى حواراته العديدة.. ويقول «لويس» إنه واثق تمام الثقة أن «هيكل» كان يعلم من الذى أحرقها، وطالما أنه لم يتحدث عنها أو يشير إليها، فهذا يؤكد أنها كانت قوة لا يمكن مواجهتها. ولهذا يلمح «لويس» إلى أسرار «هيكل» الكثيرة، وإلى السياج الحديدى الذى حاول فرضه حول هذه الأسرار، ولهذا كان «هيكل» يتعامل بتجاهل، أو بصدر رحب، ولا يرد على أى هجوم أو نقد، ولكن ربما كان له رسائل يرسلها إلى أفراد محددين.. ويقول صاحب الذكريات لكاتبها.. يا «ممدوح» أذكر حوارى معك على صفحات «الوفد» عام 2009، وكنت قد تطرقت فيه إلى الأستاذ «هيكل»، ودوره خلال عهد «عبدالناصر»، ويبدو أن هذا لم يعجبه لأننى فوجئت فى ذات اليوم الذي نشر فيه الحوار، بمكتبه يتصل بى ويقولون إن الأستاذ «هيكل» اتصل بك، ولماذا لم ترد عليه؟. وأعطونى رقم موبايل وقالوا الأستاذ اتصل من هذا الرقم.. فقلت لم يحدث وكيف لى ألا أرد على الأستاذ «هيكل»، وقمت بالاتصال على الرقم الذى أعطانى إياه مكتبه أكثر من مرة ولكنه لم يرد علىَّ، ولا أعرف هل هذه كانت رسالة منه بأنه قرأ الحوار، ولم يعجبه ما قلته عنه فيه؟. أم أنه بعد ما قرأ الحوار كاملاً، اكتشف أننى لا أعرف ما كان يخاف منه أن أكون أعرفه، وسأذكره فى الحوار؟ أو كان يعتقد أننى أعرف شيئًا كان يخشاه، ولكن بعد ما تأكد أننى لا أعرفه، بعد قراءته للحوار كاملاً لم يهتم بالرد على مكالمتى التى طلبها مكتبه، ويبدو أنه قال فى نفسه «سيبك منه وخليه على عماه!!» الله أعلم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل